هل نحن في زمن الروايات المسكوت عنها؟! 

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- جواد ديوب:

يصارعُ ويُشاكِسُ أصحابُ دور النشر والكتابُ على اختلاف حقولهم الثقافية الرقابةَ على اختلاف سقوفها وأنواعها في مسألة الجرأة الفكرية وكتابة المسكوت عنه وجعله يتنفس هواء الحرية الحقيقية… فهل ينجحون؟!

جريدة الحرية سألت صاحبَ دار نشر سوريّ وكاتباً فلسطيني الأصل وكانت هذه المقالة..

الروايةُ المعاصِرةُ سياسيّةٌ بامتياز!

* كيف ترى أهمية أن تقوم دور النشر بتشجيع طباعة روايات تقتحم المسكوت عنه مهما كان شكل النظام السياسي القائم؟

يجيبنا الكاتب أيمن غزالي (صاحب دار نينوى) بأن:

** هذا هو الأمر الأهم والأساسي في موضوع الأدب، لأنه لا يوجد الآن، خاصة في حالتنا السورية، من يكتب التاريخ اليوم أو عموماً يُكتَبُ التاريخُ مشوهاً أو مِن خلال السلطة… لذلك يجدُ القارئ مبتغاه من خلال السرد؛ فالرواية المعاصرة هي روايةٌ سياسيّة بامتياز، والكاتب يحاول الهروب من الرقابة الداخلية والخارجية باتجاه التمويه عبر التقاطات تاريخية أو اجتماعية تعكس تاريخ المنطقة أو الفترة المراد الكتابة عنها. وبالنسبة لي كصاحب دار نشر ننتظر تشريعات جديدة تتيح هامشاً أعلى، وأعتقد أن الأمر سيكون أفضل من السابق!

معادل جمالي للواقع!

الروائي نادر عبدالله (صاحب  المعابر الهامشية قصص 1990/ونهاية شيء ما رواية  1995 /وجمر الرصيف رواية 1999 /حياة خفيفة رواية 2010./ وكتاب سيكولوجيا التخوين/والدولة العادلة كتاب فكري 2013 يوضح لنا فكرته عن الفرق بين السيرة الروائية والسيرة الذاتية في سياق رده على سؤالنا:

* نعرفُ صعوبةَ كتابة التاريخ  بالشكل الحقيقي أو هناك على الأقل شكوكٌ حول كتابته… فهل من الممكن للرواية والأدب السردي الحكائي والذاتي منه أن يكون شاهدَ عصرٍ على مجريات أحداث البلد وتكوين صورة عن حياة الناس؟

** هناك فرق بين الشكلين، يقول عبدالله، حيث يدخل الخيال على صياغة ما عاشه الكاتب أو على شيء مما عاشه وهذا ليس كتابة حرفية لما حصل معه.. بمعنى: تصبحُ الرواية هي المعادل الجمالي للواقع ممزوجاً بخبرات الروائي وذوقه ومعارفه…الخ ولكن بطريقة تستطيع إيصال الأفكار للمتلقي بشكل واقعي وليست مجرد كلام في الهواء أو مجرد “فانتازيا”.

قطرةُ ماء وأشعةُ شمس!

الكاتب عبد الله يرى أنه على الرغم من أن المؤلف هو إنسانٌ واقعي بامتياز، وهو ابن الواقع وظروفه وشرطه التاريخي لكنه يُعمِلُ خيالَه لبناء الشكل الفني الأصيل، والأصالة هنا تعني -كما يقول النقاد الروس-  أن يعكسَ الحياةَ كما تعكسُ قطرةُ المطر أشعةَ الشمس!

إذاً لا يمكن للرواية أن تكون تأريخاً لأن الحقيقة كما قلتَ أنت ملتبسة، خذ مثلاً: حدثٌ ما وكيفية تناقله من شخص لآخر… سنحصل عند آخر شخص على صياغة مختلفة تماماً عما جرى حقيقةً… أو مثلاَ: أنا وأنت مررنا بحادثةٍ ما في الطريق.. سيتأثر كل منا بها بشكل مختلف تبعاً لحساسيتنا الشخصية وذاكرتنا ودواخلنا النفسية العميقة المتسربة من الطفولة… وكل منا سيرويها بشكل مختلف تماماً حسب الرنين الذي أحدثته في داخلنا، رغم كونها واقعية وجرت أمامنا في اللحظة ذاتها… إذاَ هذا هو المعنى العميق للرواية التي تعكس قلقَ الناس في عصرها وتكون مخضَّبة بمشاعرهم وأفكارهم.

إشراقةُ التخوم الأدبية!

* وهل هناك جماهيرية اليوم لهذا النمط من السيرة الذاتية لأنه يحقق الانتشار مثلاً ويرضي فضول الناس لمعرفة خبايا حياة الكتّاب…أم إنك لا تهتم بهذه الانتشارية إنما همُّك أن تقولَ ما ترى أنه مهمٌّ قوله؟

يجيبنا الروائي عبدالله والذي سيحتفل قريباً بروايته “تكلّمْ معه وكأنه صديق” وفيها مشاهدُ من فترة اعتقاله، ويقول:

** صارت الاتجاهاتُ المعاصرة للمتلقي والقارئ تميل نحو السيرة الروائية أكثر من السيرة الذاتية التي يتّبعها السياسيون في رواية حرفية تماماً كمصداقية تاريخية لأحداث أو حوارات مع شخصيات سياسية معروفة عالمياَ.. أما السيرة الروائية فتتجاوز الذاتي البحت نحو الثقل المعرفي الجمالي الإنساني معتمداً على الحكاية والحبكة الجاذبة. وبمناسبة حديثنا عن أدب السجون فقد قرأت الكثير عنه ولاحظت أن الكثير من الكتاب يلتزمون بحرفية تقريرية مُغرِقة في التفاصيل الواقعية… وأعتقد أنه ليس هكذا تكتب “رواية السيرة”!  حتى لو كانت عن عوالم السجون لأننا سنغرق في وحولها وعتمتها و…  لأنه حتى لو كان همّك هو إيصال ذاك الألم الإنساني وحرائق الواقع تلك، إنما يجب أن تأخذ ما تريده من تلك التفاصيل وتذهب بها نحو ما أسميه (التخوم) التي فيها إشراقة أدبية تختلف فيها عن حديثِ شخصٍ مسجونٍ يُحدثك عن ألمه”.

حقول ألغام أدبية!

* أليست مغامرة قد تعرضك شخصياً للخطر ومن ثم تُعرّض الدار للتوقيف… كيف “تناور” الرقابة بخصوص هذا النوع من الروايات؟

نسألُ صاحب دار نينوى أيمن غزالي فيختم لنا بقوله:

** فيما يتعلق بتعرض دار النشر للخطر أو الإغلاق عند نشر هذا النوع من الأدب، اعتقد ليس عندنا مخاطرة بمعناها القاسي، إذ ما معنى أن نكون دار نشر مهادنة تنشر كل ما يُرضى عنه من قبل السلطات… موضوعُ النشر هو حقل ألغام دائماَ، وإرضاء السلطات هو أمر شائك، فما هو مقبول هنا قد يكون غير مقبول في بلد آخر والعكس صحيح أيضاَ. لذلك أجد أنني لست مع الإباحية الجنسية أو الدينية او السياسية إنما أنا مع الأصوات المعتدلة خاصة عندما يكون هناك ضرورة أدبية لهذا النوع من الكتابة.”

Leave a Comment
آخر الأخبار
خليل صويلح يوقّع «ماء العروس».. متعة السرد واللغة والفكر من اجتماع الرياض إلى القمة العربية الطارئة.. عشرة أيام حاسمة بتوقعات مفتوحة كتلة قطبية باردة إلى شديدة البرودة يتخللها فرص لهطول زخات من الثلوج خاصة مساء اليوم وغداً حلب تتحضّر لاستقبال شهر رمضان الكريم.. ومبادرات اجتماعية لمساعدة الأسر المتعففة والأكثر احتياجاً تهدف إلى معالجة الفقر والتمييز والظلم.. ما هو واقع تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية في سوريا؟ القائم بأعمال وزارة الصحة يبحث سبل تعزيز التعاون الصحي مع وفد من الهلال الأحمر‏ القطري مربو الثروة الحيوانية في مأزق.. وخبير يدعو إلى تطوير البادية كخطوة أولى لإنقاذ القطيع ثروة ضائعة استنزفها التهريب والسرقة.. لا إحصائية حقيقية للإبل الشامية و75٪ منها صار في العراق لجوء السوريين إلى مدخراتهم مؤشر على تدهور الحالة الاقتصادية العامة خبير يدعو إلى نظام ضريبي عادل بعيداً عن تكريس حالة الإلغاء للرسوم الضريبية والجمركية