الحرّية- هبا علي أحمد:
يُعد الحديث عن النظام الضريبي أمراً حيويّاً للغاية ومن أهم التحدّيات أمام الحكومة الانتقالية ولاسيما في المرحلة الراهنة لما له من أهمية بالغة على اعتبار أن الضرائب هي المصدر الرئيس للخزينة العامة ولاسيما مع التوجه لاقتصاد السوق الحر، كما أنها من أهم أدوات السياسة المالية، بما تلعبه من دور أساسي في تمويل الخدمات العامة وضبط السوق وتحقيق التوازن الاقتصادي.
لكي يكون النظام الضريبي منصفاً وواضحاً وسهلاً ومرناً يجب أن تكون الضرائب معتدلة بشكل تحفز النشاط الاقتصادي
ويُجمع الاقتصاديون أن فعالية النظام الضريبي لا تُقاس فقط بحجم الإيرادات التي يحققها، بل تعتمد بشكل أساسي على مدى عدالته وكفاءته في تحقيق التوازن بين احتياجات الدولة المالية وحماية المكلفين من الأعباء غير المبررة، فالنظام الضريبي العادل يجب أن يكون مرناً وواضحاً وقادراً على تحفيز النمو الاقتصادي من دون أن يعوق الاستثمار أو يزيد الأعباء على الشركات والأفراد، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
والسؤال الذي يُطرح: ما المطلوب من النظام الضريبي الجديد، وكيف يجب أن يكون لتحقيق المرونة وبالتالي العدالة الضريبية؟
النظام الضريبي هو ناتج وأداة لتحقيق النمو الاقتصادي والأهداف الاقتصادية المطلوبة
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي لصحيفة «الحرّية»: يُعد النظام الضريبي جزءاً من السياسة المالية، وعندما تكون السياسة المالية متناغمة مع السياسة الاقتصادية فالنظام الضريبي هو ناتج وأداة لتحقيق نمو اقتصادي وتحقيق الأهداف الاقتصادية المطلوبة.
إعادة نظر
ويشير خربوطلي إلى أنّ النظام الضريبي في سوريا أو الضرائب، إن كانت ضرائب الدخل بمختلف أنواع الدخل الأرباح أو دخل العمل، هي ضرائب قديمة وتحتاج إلى إعادة نظر بالكامل، فيما معناه تحتاج إلى مراجعة بالكامل، ويمكن أن نبدأ من ضريبة المبيعات وهي ضريبة القيمة المضافة وتعديل بقية الضرائب بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة للاقتصاد السوري الحر التنافسي حالياً الذي يعتمد مبدأ التنافسية في عمله في كل القطاعات التجارية والصناعية الخدمية، من هنا لكي يكون النظام الضريبي منصفاً وواضحاً وسهلاً ومرناً، يجب أن تكون الضرائب معتدلة بشكل تحفز النشاط الاقتصادي لا أن تكبح هذا النشاط، وبخاصة للقطاعات الإستراتيجية والقطاعات التي ترغب الدولة في أن تكون واضحة من ناحية إن كان صناعية أو تجارية أو خدمية، بالإضافة إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي يجب أن يكون لها معاملة خاصة على صعيد النظام الضريبي.
حلول مؤقتة
ولفت خربوطلي إلى أنّ الضرائب الصفرية والمُخفضة أحد الحلول عادةً لكنها مؤقتة، فبعد حالة الانهيار الاقتصادي الذي تم في سوريا يمكن لمعالجة إعادة نهوض القطاعات الصناعية والحرفية والزراعية والتجارية والخدمية من جديد أن تعامل معاملة، إن كات صفرية أو مخفضة جداً، لإعادة الاقلاع من جديد وتخفيض الأعباء والتكاليف، بحيث تستطيع أن تقف على رجل كما يُقال وتخفض من أعباء التكاليف الإجمالية، وهذا الموضوع يساعد على التنافسية، يساعد على التصدير، يساعد على انخفاض الأسعار. لكن هي مرحلة مؤقتة.
وبيّن خربوطلي أنه يجب وضع نظام ضريبي معتدل يتناسب مع أنواع الشركات إن كانت شركات كبرى مساهمة أو محدودة المسؤولية أو شركات أشخاص أو حتى مؤسسات فردية صغيرة، ومتناهية الصغر، كل بحجم هذا العبء، بحيث تبقى هذه الأعمال دائمة ومستمرة، ولا تتوقف أو تخفض من أعبائها من خلال تخفيض الضرائب، لأن الضرائب بالنهاية هي مصدر مهم جداً للحكومة في إقامة المشاريع والخدمات إن كانت في البنية التحتية أو خدمات الصحة والتعليم وغيرها.
وأكد خربوطلي أننا بحاجة إلى هذه الضرائب التي تدخل إلى الخزينة. لكن ألا تكون مرهقة ولا تكون محبّطة للعمل الاقتصادي العام وبالدرجة الأولى القطاع الخاص الذي يجب أن يسهم بنسبة أكبر من النمو الاقتصادي ويحقق الفاعلية المطلوبة لتحقيق ناتج محلي أكبر لسوريا بوضعها الجديد المتجدد.
الإصلاح الضريبي يأتي على رأس سلم الأولويات في إطار عملية التطوير الاقتصادي
العدالة الضريبية
من جهته يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد، في جامعة دمشق، الدكتور عابد فضلية، أنّ الإصلاح الضريبي يأتي على رأس سلم الأولويات في إطار عملية التطوير الاقتصادي ذي الجانب الاجتماعي، باعتبار أن الضريبة بحد ذاتها هي جزء من القوة الشرائية للشخص المكلف لا يتنازل عنه إلا إذا كان مقتنعاً بمشروعية وموضوعية هذا التنازل، ولأن تحصيلها وحصيلتها في الوقت ذاته تمثل قوة شرائية وتنموية للدولة وللنفع العام، الأمر الذي يحتم على الحكومة إيجاد الصيغة الضريبية المناسبة، التي من شأنها تحقيق التوازن بين واجبات المكلف وحقوق الدولة، وهذا ليس من السهولة بمكان.
وقال فضلية: بالتدقيق في النظام الضريبي كان وما زال نافذاً حتى الآن، يرى الكثيرون بأنه مرهق من حيث نسبة الضريبة من الأرباح أو الإيرادات من جهة، وغير عادل في مساحة التكليف ولا فيما بين المكلفين من جهة أخرى، وهو من جهة ثالثة ليس مرناً على الإطلاق من حيث فرضه الضريبة في كافة الظروف وبعدم تمييزه في النسب و/ أو الاستحقاق ما بين البقع المكانية والجغرافية داخل البلد ولا ما بين داخل المدن وأطرافها وخارجها وأريافها، الأمر الذي يجعل من المحتم والضروري إعادة النظر بهذا النظام، وبمعظم تشريعاته وآليات وأسس تطبيقه، وهذا بالضبط ما أراد وزير المالية الحالي إصلاحه وتقويمه، من خلال الإشارة إلى العمل على تطوير نظام ضريبي جديد، يحقق العدالة الضريبية، وينص على فرض نسب ضريبية منخفضة قريبة من نسبة الزكاة البالغة (25%).
ثورة ضريبية
وأشار فضلية إلى أنه وعلى الرغم من أن لا علاقة مباشرة للضريبة على الدخل والأرباح بالزكاة، باعتبار أن كلاهما مستحقان، وباعتبار أن مطارح الضريبة ليس هي نفسها مطرح الزكاة، إلا أن إشارة الوزير يُقصد من خلالها العمل على تحقيق موضوعية وعدالة نسبة الضريبة عندما ستحدد لاحقاً بنسبة قريبة من نسبة الزكاة، كما إن تخفيض النسب الضريبية ومنها الضريبة على الرواتب والأجور يعني عدالة وزيادة غير مباشرة في الرواتب والأجور، وأن الضرائب ستقتصر على ضريبة أو اثنتان، وأنه لن يكلف بالضريبة إلا الأشخاص والجهات القادرة على دفعها، وبالتالي يمكن تسمية ذلك بثورة ضريبية قائمة على أسس يمكن وصفها أنها غاية في المسامحة الرسمية الحكومية ستنعكس إيجاباً على القوة الشرائية لعائلات الكثير من الفعاليات وأصحاب المهن.
لكن يبقى السؤال المطروح عن ماهية وطبيعة وحجم الإيرادات غير الضريبية التي تتوقعها الحكومة الحالية خلال الفترة القصيرة والمتوسطة القادمتين؟