هواجس شراكة وشيكة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

ناظم عيد – رئيس التحرير

لا تحتمل سوريا باستحقاقاتها الجديدة الملحّة أية نشاطات محدودة بأبعاد بروتوكولية، على مستوى علاقاتها الخارجية، فثمة ترتيبات لا بد منها في سياق إعادة تصويب وبناء منظومة التعاطي مع الخارج وفق مفهوم الدولة “دولة مقابل دولة”، والخروج من العزلة السياسية والاقتصادية التي أنهكت البلاد على مرّ سنوات ليست بالقصيرة، ودفع فاتورتها الشعب السوري، وكانت بالفعل باهظة وقاهرة.

وإن كانت حصيلة الحراك السياسي الخارجي السوري على مستوى رأس الهرم تبدو جيدة لجهة التكثيف الزمني، وتواتر الزيارات خلال أيام قليلة.. أمير قطر في دمشق.. والرئيس الشرع في الرياض.. وأيضاً الرئيس الشرع في أنقرة، فإن لقاء القمة السوري التركي ترك حالة من الترقب في أوساط النخب والمحللين الاقتصاديين، تذهب إلى عمق العلاقة الجديدة بين البلدين وخصوصيتها غير التقليدية، انطلاقاً من عدة اعتبارات يتقدمها الاعتبار الجغرافي وربما هو الأهم بامتداداته السياسية العميقة والاقتصادية الرشيقة.. وصولاً إلى مسارات أخرى ثقافية وشعبية واسعة الطيف.

والواقع أن الجميع التقط باهتمام إشارة الرئيس الشرع في كلمته المختصرة هناك – بالمناسبة يبدو أن الاختصار على طريقة ما قلّ ودلّ سمة بالغة الإيجابية في أحاديث الرئيس السوري الجديد – والإشارة تتعلق بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين على كافة المستويات.

والواقع أن ثمة الكثير من التساؤلات التي قد يطلقها متابعون عن الحصة السورية والورقة الرابحة في مثل هذه الشراكة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، وأي شراكة اقتصادية يمكن أن تكون بين بلدين متجاورين في الجغرافيا، أحدهما منهك والثاني يتصدر المشهد الإقليمي بإمكاناته وأرقام ناتجه المحلّي والقومي، وإنتاجه المتنوع الذي يستحوذ على أسواق بعيدة وصعبة الاختراق..؟

والواقع أن قوّة الورقة السورية تكمن في ضعفها بكل معنى الكلمة، طبعاً بالإضافة إلى ميزة الجغرافيا عالية الفعالية والأهمية بالنسبة لبلد كتركيا.

أما “ورقة الضعف” فهي تبدو جليّة أمام مخططي السياسات الاقتصادية للكثير من الدول التي ترصد باهتمام الفرص الدسمة في بلد مدمّر كسوريا.. ولعل مصطلح إعادة الإعمار و ما ينطوي عليه من سلسلة كبيرة جداً من الفرص، يغني عن شرح طويل، وهي مثار استعداد وتحفز لسباقات خفية لن تتأخر بالظهور، للفوز بحصص وافية من “كعكة الإعمار” السورية، والقرار بيد الدولة السورية.. والأفضلية الطبيعية ستكون للتركي شريك الجغرافيا الأول، نتحدث في الجغرافيا وإملاءاتها البديهية دون الخوض في البعد السياسي القائد للاقتصاد وما يتصل به.

كما أن الفرص الاستثمارية التي يحفل بها المضمار السوري كبيرة وكبيرة جداً، وأن يكون للأتراك ميزة تفضيلية، فهذه إحدى أوراق التوازن الإستراتيجي التي يمكن أن تدفع بها الحكومة السورية للجار الشريك.

إن حديث الرئيس الشرع عن شراكات يستند بالتأكيد على إدراك واقعي لما تكتنزه بلاده من مقومات اعتدّ بها وهو يصافح الشريك الإستراتيجي التركي.. ولن تكون من دون مقابل مجزٍ يعرف التركي بذهنيته البراغماتية المشروعة في العلاقات بين الدول، كيف يسدده أو يدفع به ليضمن استدامة شراكة حقيقية واعدة.

كلها معطيات في سياق العلاقة مع الآخر – وليس أي آخر – من شأنها تبديد هواجس المتوجسين من “دوامة التبعية” التي طالما أرّقت السوريين طيلة سنوات وسنوات.

وربما علينا هنا ألا ننسى الدور المتوجب على قطاع الأعمال السوري، الذي عليه أن يتحرك ويبادر  ويزج بإمكاناته في القطاع الإنتاجي، لأننا على بوابة اقتصاد حر لا يعترف بالضعفاء بتاتاً.

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار