هواجس من العودة إلى المربّع الأول.. «مشروعات فقراء سورية» على لائحة انتظار جديدة

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحريّة – نهى علي:

بما أنها مشاريع إنقاذ حقيقي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.. يبقى السؤال عن المشروعات الصغيرة “بزنس الفقراء” ملحاً بل بالغ الإلحاح..

وبما أن الحكومات السابقة لم تنتج إلا الدراسات والسرديات في هذا المجال.. تبقى الهواجس اليوم قائمة من البقاء في دوامة الدوران حول الهدف دون ملامسته.. فيما الفقراء ينتظرون من الإدارة الجديدة فعل ما يجب فعله، ولو مجرد وعد بالدعم، فالصمت بات مقلقاً بالفعل، فالجميع ينتظر أفعالاً على طريقة “من الآخر” دون كثير مقدمات.. وللعلم هناك أرقام تؤكد أن عدد المشروعات الصغيرة والأسرية المنفذة بعيداً عن الدعم وعن خطط وبرامج الحكومات السابقة في سوريا، أكثر بكثير مما جرى تنفيذه برعاية رسمية..وهذه مفارقة تستوجب الوقوف عندها، لأنها تؤكد أن الدراسات المفرطة في استغراقها الزمني ليست إلا مضيعة للوقت.

عودة إلى المربّع الأول

الواقع أن عبد القادر محمد مدير عام هيئة تنمية المشروعات لم يبدد قلقنا عبر إجابته المختصرة على سؤال “الحرية” حول رؤية الهيئة الجديدة لدعم وتعزيز بنية مكونات هذا القطاع الذي يستحق الوصف بأنه “استراتيجي” بامتياز.

مدير “تنمية المشروعات”: الهيئة كانت ضعيفة جداً والعمل جار على تفعيل دورها

فقد أفادنا بأن العمل جارٍ على تفعيل دور الهيئة لما لها من دور كبير في الاقتصاد المحلي.. وتتم الآن إعادة النظر في السياسات والإجراءات وكذلك قانون الهيئة والهيكلية، بعدها سيتم وضع الرؤية والخطة الاستراتيجية بحيث يتم الانطلاق بشكل قوي.

ويؤكد مدير عام الهيئة أنه سابقاً كما هو معلوم.. الهيئة ضعيفة جداً ولا تعمل كما هو مطلوب منها.

خلل بنيوي

من جانبه الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر – وهو مدير عام أسبق لهيئة تنمية المشروعات – تحدث بصراحة العارف ببواطن الأمور..فهو يرى أن الاقتصاد السوري مازال يعاني من عدم الاستقرار.

د. اسمندر: الاقتصاد السوري يحتاج عملاً على المستوى الكلي وخطة إصلاحية متكاملة مبنية على تحليل وضع راهن ومرتبطة بمؤشرات كمية ونوعية محسوبة بطريقة علمية

لكنه أجابنا بشيء من التحفظ ربما لكثرة تداول الموضوع سابقاً، وركّز على موضوع تبسيط الروتين، الذي اعتبره مهماً لتيسير الأعمال، لكنه مرتبط بشكل أساسي بقرارات إدارية.

فالاقتصاد السوري -من وجهة نظره- يحتاج عملاً على المستوى الكلي من خلال خطة إصلاحية متكاملة مبنية على تحليل وضع راهن موضوعي للحالة الاقتصادية السورية ومرتبطة بمؤشرات كمية ونوعية محسوبة بطريقة علمية.

كما يحتاج عملاً على المستوى الجزئي في الحدود القطاعية، إذ إن قطاع المشروعات يعاني الكثير من الإهمال، ويمكن تخفيف العقبات أمامه عبر تبسيط إجراءات التأسيس وتقليل عدد الجهات ذات العلاقة المباشرة به، توفير مناطق مؤهلة لإطلاق المشروعات الصناعية والزراعية.

ويضيف د. اسمندر: إن مثل هذه الإجراءات وغيرها لن تحصل بشكل عفوي، بل هي منوطة بالإدارة الاقتصادية للبلد.

رافعة معطّلة

من الميدان التنفيذي.. انتقلنا إلى المضمار الأكاديمي..فهنا ثمة وجهة نظر غالباً تركز على ما يجب أن يكون، وتنطوي على رؤى قريبة جداً من إمكانية التطبيق الواقعي.
وتوجهنا بأسئلة “الحرية” إلى الدكتور فادي عياش الذي وافانا برأي تفصيلي حول هذا القطاع الذي ينتظر التنظيم والمأسسة.

فالدكتور عياش يعتبر المشروعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة رافعة التنمية الأساسية، خلال مرحلة التعافي.. ويوضح: (مرحلة التعافي تختلف في متطلباتها وحجم استثماراتها وطبيعة مشروعاتها عن مرحلة التعافي.. فالتعافي يعتمد على الإمكانات والموارد المحلية المتاحة).

د. عيّاش: هناك مشكلة فعلية تواجه مفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من حيث التعريف والتحديد والتصنيف وكذلك من حيث الأولوية والأهمية

إذ برأيه يطغى على الاقتصاد السوري نمط الشركات الصغيرة والمتناهية في الصغر والتي تعتمد نموذج الاقتصاد العائلي كشركات عائلية، ولا يوجد رقم دقيق لعدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا لعام 2024، ولكن تشير التقديرات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد السوري، حيث أسهمت بنسبة 62% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2011 و 2024.

فخلال هذه الفترة، شكلت المشروعات الصغيرة حوالي 35% من إجمالي المشروعات، بينما شكلت المشروعات المتوسطة حوالي 4%. يعود هذا التوزيع – وفق د. عياش –  إلى تراجع أحجام المشروعات في سوريا نتيجة للحرب، مع تركز النسبة الأكبر من المشروعات في فئة “متناهية الصغر” بنسبة 65%.

ويضيف: قد بلغ العدد الكلي للمنشآت الخاصة القائمة في سورية عام 2010 حوالي 619 ألف منشأة خاصة، وكانت تنتج هذه المنشآت ما قيمته قرابة 19 مليار دولار (قرابة 30% من الناتج الإجمالي المحلي).  وتبلغ نسبة المنشآت التي يعمل بها عامل واحد أكثر من 67% من مجموع المنشآت، بينما لا تزيد نسبة المنشآت الكبيرة (بالمقاييس المحلية) التي يعمل بها عشرة عمال وأكثر عن 0.7%.
وهي تتناسب مع ثقافة العمل السائدة في مجتمعنا والتي تقوم على منظمات الأعمال الفردية والعائلية.

التباس

يكشف الخبير عياش أن هناك مشكلة فعلية تواجه مفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من حيث التعريف والتحديد والتصنيف وكذلك من حيث الأولوية والأهمية.

من جانب آخر تواجه هذه المشروعات العديد من الصعوبات والمعوقات في بيئة العمل الداخلية والخارجية العامة.

لعل من أبرز الصعوبات في بيئة العمل العامة هي ثقافة العمل.. للأسف ما زالت ثقافة الوظيفة مهيمنة.. واستجد عليها وفاقم منها ثقافة الهجرة التي فرضتها ظروف الحرب.

وبالعموم يرى أن هناك افتقار لثقافة ريادة الأعمال والتي تقوم على العمل الخاص المستقل.

ريادة

يعتمد د. عياش على مفهوم ريادة الأعمال للخوض في معوقات وصعوبات تنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.

ريادة الأعمال ثقافة، أي إنها يجب أن تكون ميلاً عاماً وأسلوب حياة وسلوكاً مرغوباً.. والثقافة هي مجموعة القيم والمعارف والعادات التي تظهر وتتجسد في السلوك، ولذلك هي بحاجة للوعي والرعاية لتنمو مع الزمن.. وهذا ما نفتفده في مجتمعنا.

ورب من يقول هناك فئات كثيرة في المجتمع تعتمد المهن والحرف ولا تعتمد على العمل بأجر أو الوظيفة.. وهنا يقول الخبير محدثنا: إن هذه المهن والحرف الخاصة مفهوم مغاير لمفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فثقافة العمل السائدة كانت من أهم المعوقات التي واجهت معظم التجارب السابقة سواء على مستوى الحكومة أو المنظمات وحتى المبادرات الفردية.. مثل تجارب مكافحة البطالة المتعددة وكذلك تجارب لعدة منظمات دولية، حيث لم تكن النتائج مرضية رغم توفر الدعم الإداري و التدريبي وحتى التمويلي.

بالعودة إلى مفهوم ريادة الأعمال.. يعتبر الخبير عياش أن ريادة الأعمال تقوم على أربعة مبادئ وهي المبادرة.. والمخاطرة (أو المجازفة).. والثروة.. والإبداع.
وهو يركز على المكون الأخير من مقومات مفهوم الريادة وهو (الثروة).

ويُقصد به الهدف من ريادة الأعمال (أي المبادرة والمخاطرة والإبداع).. ويشرح: الهدف هو تحقيق ربحية عالية وكافية لتحقيق التراكم الرأسمالي من خلال المزايا التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة القائمة على مفهوم الريادة وقدرتها على تحقيق الربحية التي تفوق المشروعات والأفكار التقليدية.. وليس هدف منها تأمين مصاريف الحياة ونفقاتها للقائمين عليها.. وهذا أهم ما يميز مفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن مفهوم الحرف والمهن المختلفة وهذا ما يبرر الدور التنموي الكبير لهذه المشروعات.

فالتراكم الرأسمالي (وهو الركيزة في تحقيق الثروة) هو الذي يمنح المشروعات الصغيرة والمتوسطة الريادية قدرتها على الاستمرارية والاستدامة والنمو. سواء بمفهوم التدرج الذاتي، أو التشبيك عبر التكامل أو التضافر.. وهذا من أهم عوامل تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

مقومات

أهم مقومات ريادة الأعمال كما يجدها د. عياش من حيث القدرة على الاستدامة والأنسب لمفهوم تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هو مبدأ الإبداع.

الإبداع مفهوم متنوع فقد يكون الإبداع.. في تقديم سلع وخدمات تسهم في حل مشكلة حالية.. أو إيجاد بدائل أنسب وأفضل لمنتجات وخدمات حالية..  أو إيجاد سلع وخدمات جديدة كلياً.

فالإبداع يمنح المشروعات الصغيرة والمتوسطة القدرة على التطور والنمو من جهة.. وكذلك يكسبها القدرة على التشبيك فيما بينها من جهة ومع المشروعات الكبيرة من جهة ثانية.. وبالتالي الاستفادة من مبدأ التضافر في المزايا النسبية والتكامل في الأعمال.. وهذا ما يساعد على تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعلى تحقيق الاستدامة.

مما تقدم يجد محدّثنا.. أننا بحاجة للعمل على إيجاد وتنمية ثقافة ريادة الأعمال.. وكذلك التركيز على الأفكار الإبداعية الخلاقة القادرة على تحقيق مزايا تنافسية من خلال تطبيقها كمشروعات صغيرة ومتوسطة.

فنجاح تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتمد على المشروعات التي تتضمن الأفكار الإبداعية و الخلاقة. وكذلك على المشروعات القابلة للتطور والتوسع..
وأخيراً المشروعات القابلة للتشبيك مع المشروعات الكبيرة القائمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار