رؤية طموحة لتحويل السوق المالي لسوق رأسمالي فعال.. هيئة الأوراق المالية تطلق تشريع الصناديق الاستثمارية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

متابعة ـ يسرى المصري:
تتوالى الخطوات والقرارات الجريئة التي تحقق استجابة للتعافي الاقتصادي السوري وتنسجم مع التحديات الاقتصادية الوطنية والعالمية، وفي هذا المسار أعلنت هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية إطلاق خطة تحول جوهري تعتمد على إدخال أدوات مالية جديدة، أبرزها صناديق الاستثمار. يأتي هذا التوجه في مرحلة حرجة، ويرتبط بشكل غير مباشر باستحضار المخاطر العالمية التي يشكلها تسارع تقنيات الذكاء الاصطناعي وهيمنة الأدوات المالية الحديثة، ما يدفع نحو تحديث السوق المالي ليكون جزءاً من الاقتصاد الحديث.

الإطار التشريعي الجديد

بنية تحتية لسوق رأسمالي مرن ..تهدف الهيئة من خلال الخطة الشاملة إلى إعادة هيكلة البيئة القانونية للسوق المالي ليكون أكثر قدرة على استيعاب التمويل والاستثمار عبر تحديث شامل للتشريعات إذ يعمل المشروع على مراجعة قانون إحداث الهيئة (القانون 22 لعام 2005) وجميع الأنظمة الضابطة لعملها، لتتماشى مع المعايير الدولية الحديثة.
ويشمل المشروع أدوات مالية مبتكرة وإعداد تشريع خاص لصناديق الاستثمار وقانون لتنظيم الصكوك الإسلامية، كمكونات أساسية لتنويع مصادر التمويل.
كما يتم إعداد نظام جديد لحوكمة الشركات المساهمة العامة ينسجم مع المعايير العالمية لتعزيز الحوكمة والشفافية ، إلى جانب تعديل أنظمة الإفصاح لضمان وصول المعلومات للمستثمرين بشفافية وعدالة.

وعن تقييم الأثر يوفر التعديل للمستثمرين والأفراد أداة مالية آمنة ومهنية لصغار المستثمرين، وتنمية الادخار، وتعزيز الشمول المالي.
ويوجه الشركات والسوق ورؤوس الأموال نحو القطاعات الإنتاجية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر التمويل الجماعي، وزيادة سيولة السوق وعمقه.
وثمة فرصة لتطوير البنية التحتية التقنية الرقمية للسوق والتي يعود تأسيسها التقني إلى عامي 2008-2009 وتحتاج إلى تطوير عاجل.
وفي تحليل السياق الوطني والدولي تأتي هذه المبادرة في سياق يتسم بتداخل العوامل المحلية والدولية ويعدّ بمثابة استجابة للمرحلة الاقتصادية حيث يهدف المشروع إلى تنويع مصادر التمويل وجذب رؤوس الأموال لدعم خطط التعافي والنمو الاقتصادي في سوريا.
وبما يتعلق بتأثير التطورات العالمية ، فإن التوجه العالمي نحو أسواق مالية متقدمة ومعقدة، والزيادة في وتيرة المخاطر النظامية قد تزيد الضغط على السوق السورية للحاق بالركب العالمي.
مع الإشارة لثغرة التطبيق التشغيلي التي تمثل التحدي الأكبر لقدرة المؤسسات التنفيذية والإشرافية على إدارة هذه الأدوات الجديدة واستيعاب مخاطرها في ظل ظروف اقتصادية واستثمارية معقدة.

تنويع التمويل وجذب رؤوس الأموال

رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عبد الرزاق قاسم، كشف عن البدء بالعمل على إعداد تشريع خاص بصناديق الاستثمار، بعد سنوات طويلة من غياب هذا النوع من الأدوات المالية ومنع تداوله داخل السوق السورية، في خطوة تُعد تحولاً مهماً في مسار تطوير السوق المالية.

وأوضح قاسم في تصريح اعلامي، أن هذه الخطوة تفتح المجال أمام تنويع مصادر التمويل للمشاريع، وجذب رؤوس الأموال، ورفع كفاءة السوق وتحديث أدواته، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الاقتصادية المقبلة.
وأصبح مشروع قانون الصناديق الاستثمارية، وفقاً لقاسم، أولوية قصوى بهدف دعم تمويل المشاريع المستقبلية، إلى جانب السعي لزيادة عدد الشركات المساهمة العامة بوصفها ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي في سوريا.
وأشار رئيس مجلس مفوضي الهيئة إلى أن خطة الهيئة في إطار التحديثات التشريعية والتنظيمية تركز على تحديث شامل للبيئة التشريعية، من خلال مراجعة وتعديل قانون إحداث الهيئة وجميع الأنظمة الضابطة لعملها، وتطوير بيئة التداول وتنظيم سوق دمشق للأوراق المالية وفق المعايير الدولية.
وينسجم وضع نظام حوكمة جديد لسوق دمشق للأوراق المالية مع الأنظمة العالمية، حسب قاسم، كما يعزز حقوق المساهمين ويضمن المعاملة المتساوية بينهم، وتعديل أنظمة الإفصاح بما يضمن وصول المعلومات للمستثمرين بوضوح وشفافية.

أدوات مالية جديدة وآفاق توسع السوق

وبيّن رئيس مجلس مفوضي الهيئة أنه مع استكمال البنية التشريعية الجديدة، ستتجه الهيئة إلى إطلاق أدوات مالية جديدة تدعم توسع السوق وتزيد من جاذبيته للمستثمرين، إلى جانب تهيئة الإطار القانوني لعمل منصات التمويل الجماعي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وتواصل الهيئة، وفقاً لقاسم، دراسة توفير محفزات تشريعية وضريبية، وربما إلزام بعض المشاريع الكبرى باتخاذ شكل شركة مساهمة عامة، بما يسهم في تعزيز حجم السوق المالية السورية، وزيادة التداولات اليومية للأسهم.

مرحلة جديدة في مسار السوق المالية

ولفت قاسم إلى أن الإجراءات التي تتخذها هيئة الأوراق والأسواق المالية تمثل خطوة متقدمة نحو مرحلة اقتصادية تعتمد على أدوات مالية حديثة، لم تكن متاحة أو موجودة سابقاً، وتشكل صناديق الاستثمار أحد أبرز مرتكزاتها، بما يسهم في تطوير السوق المالية، وتعزيز دورها في دعم النشاط الاقتصادي والاستثماري في سوريا.
وصناديق الاستثمار هي أوعية مالية تجمع أموال عدد كبير من المستثمرين، وتستخدم هذه الأموال بشكل جماعي لشراء مجموعة من الأوراق المالية مثل الأسهم والسندات والأصول الأخرى، وهناك أنواع للصناديق مثل: صناديق الأسهم، وصناديق السندات، والصناديق المتداولة في “البورصة”، والصناديق المشتركة، وصناديق التحوط، وتختلف هذه الأنواع في مستوى المخاطر، الرسوم، وإستراتيجيات الاستثمار.
يذكر أنّ هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية أحدثت بالقانون 22 لعام 2005، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، ويكون مقرها دمشق، وتعدّ حجر الأساس في بناء قطاع الأوراق المالية، وتمارس دورها بالإشراف والرقابة على هذا القطاع والفعاليات المتعلقة به، فتقوم بتنظيم وتطوير نشاطات السوق الأولي ومكوناته، ويتضمن عملها الشركات المساهمة وشركات الخدمات والوساطة المالية، ومفتشي الحسابات من خلال مديرياتها باختصاصاتها المختلفة.

التوقعات المستقبلية

يمثل إطلاق تشريع صناديق الاستثمار علامة فارقة في مسار السوق المالية لسوريا، وتحمل رؤية طموحة لتحويل السوق من سوق تقليدي ضيق إلى سوق رأسمالي فعّال. يعتمد نجاح هذا التحول على قدرة الهيئة على إدارة المفاضلة بين تكيف السوق مع متطلبات الاقتصاد المحلي وأيضاً مع متطلبات النظام المالي العالمي. في النهاية، يظل الاستثمار في البيئة التشريعية والمؤسسية الشفافة والمستقرة هو العامل الأساسي لجذب الاستثمارات وبناء سوق مالي مرن وقادر على المنافسة.

Leave a Comment
آخر الأخبار