الحرية- مها سلطان:
لم يكن رياض نعسان آغا اسماً عادياً عندما كان يتردد بين السوريين الذين عرفوه قامة ثقافية عالية، صاحب موقف وقرار، ومحط ثقة، خصوصاً عندما تسلم حقيبة وزارة الثقافة بين عامي 2006 و2010، ليتحول بعد ذلك العام إلى معارض، ثم داعم للثورة. غادر البلاد حيث استشرى الفساد وامتدت يد المحسوبية إلى كل مكان دون أن يحرك رأس النظام (بشار الأسد) ساكناً، بل كان هذا الفساد على مرآه ومسمعه.. أكثر من ذلك كان راعياً له مع مجمل أفراد عائلته، وآخرهم زوجته أسماء التي تقدمت صفوف الفاسدين واللصوص لتنال هي الأخرى حصتها وتكنز الأموال على حساب لقمة عيش السوريين وكرامتهم.
غادر نعسان آغا البلاد، رافضاً أن يكون جزءاً من نظام الفساد والنهب، ونظام قتل المتظاهرين والأحرار، ليحافظ على سمعته وتاريخه نظيفاً بين السوريين كما عرفوه.
يفضح نعسان آغا في أحدث شهادة له في «بودكاست بلس» المزيد من ملفات فساد النظامين السابقين، نظام الأب والابن، وهو ما حرص عليه طيلة السنوات الـ14 الماضية، دون أن يتمكن النظام البائد وأزلامه ومأجوروه من الرد عليه أو إثبات كذب ما يفضحه أو إلصاق أيٍّ من التهم الجاهزة سلفاً به. يقول نعسان آغا: دخلت هذا النظام (كوزير ثقافة، وقبلها كنت أحد مستشاري حافظ الأسد) نظيفاً وخرجت نظيفاً وبقيت نظيفاً ولم يتمكن النظام من النيل من سمعتي وتاريخي رغم محاولاته.
بالنسبة للنظام السابق كانت تهمة رياض نعسان آغا أنه «غير بعثي» أي أنه غير مؤهل لاستلام الحقائب والمناصب وفق نهج الفساد والمحسوبية لنظام البعث/الأسد.. لم يسلموه وزارة الإعلام فهي حساسة للغاية إذا ما اعتبرنا أنها «وجه البلد» في الداخل والخارج، فسلموه وزارة الثقافة على أمل أنهم سيستطيعون تهميشه أو «جر رجله» إلى الفساد.
.. فوق تهمة أنه غير بعثي، كان نعسان آغا «جكر» حسب العامية السورية، كما يقول. أي صاحب موقف وقرار، عنيد في الدفاع عنهما خصوصاً إذا ما كان على صواب وعلى حسن دراية بما بين يديه من ملفات وما على عاتقه من مسؤوليات، وكذلك متبصر بكامل واجباته وحقوقه الدستورية وبما يغلق الأبواب أمام المتعدين والمعتدين.
يروي نعسان آغا في شهادته كيف اعترض على شعارات الدعاية الانتخابية للرئيس حافظ الأسد (في دورتها الخامسة) وبينها شعار يقول «نقسم بك» وقال لحافظ الأسد حينها إنه شعار غير صائب ولا يجوز، وذكره بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أكد أن «من حلف بغير الله فليعنت» لكن حافظ الأسد رد عليه بالتقليل من أهمية ما يترتب على هذا الشعار وما قد يوحي به للسوريين من كفر بالله عز وجل، ورأى حافظ الأسد أن الشعار نوع من الأحاديث العادية التي يطلقها السوريون، عندما يكونون في أماكن عامة، كالقهوة مثلاً حيث يقول أحدهم للآخر (وحياتك) وهذه تأتي بالمعنى نفسه (نقسم بك). ورد نعسان آغا معترضاً بأن الحديث هنا عن مقام رئيس ورئاسة ولا يليق به حديث (جلسات القهاوي).
الحال نفسه مع نظام بشار الأسد، حيث المسؤولين الفاسدين المرتشين وعلى الملأ ولم يكن هذا النظام يحاسبهم.
يتحدث نعسان آغا عن انزعاج بشار الأسد من حال الفساد المستشري حتى بات حديث العباد، لكنه بالمقابل لا يكن يحرك ساكناً، وهذا طبيعي في ظل أنه أكبر المتنفعين مع عائلته.
أخطر ملفات الفساد التي واجهها عندما كان وزيراً للثقافة يتعلق بالآثار، فحتى هذه لم تسلم من نظام الفساد لآل الأسد. يقول نعسان آغا أنه رفض مراراً وتكراراً أوامر كانت ترد إليه من مسؤولين في القيادة، ومن بشار الأسد نفسه، لإزالة الإشارات عن المواقع الأثرية، لأغراض الاستثمار التجاري. ولأني أعرف صلاحياتي الدستورية ولأني مؤتمن على البلاد وآثارها كنت أرفض وأقول أنا رئيس المجلس الأعلى للآثار، ولا آخذ أوامر من أحد، مضيفاً، في إحدى المرات تمت سرقة تمثالين من متحف تدمر، وأذكر أنني لم أنم الليل حتى استعدتهما.
أما الحديث عن أسماء الأسد فهو حديث يبدأ ولا ينتهي، لقد شكلت لوحدها منظومة فساد كاملة، وسعت منذ البداية لأن تكون رئيسة، وليس فقط السيدة الأولى، بصلاحيات ونشاطات معروفة ومحددة. وعندما يأتي حديث أسماء الأسد فلا بد من أن يأتي معه بالتوازي حديث «سيدات القصر» وذلك الصراع الثلاثي (بين أسماء وأنيسة، وبشرى) الذي لطالما تلقف السوريون أحداثه من وسائل الإعلام الخارجية، من دون أن يتبيّنوا حقيقته وإن كانوا على يقين أن هناك صراعاً شرساً قائماً وأنه ينعكس بشكل مباشر على كل نواحي البلاد، خصوصاً الاقتصادية، حيث يضع آل الأسد أيديهم على مقدرات البلاد الاقتصادية، ويعملون بشكل متعمد على تفقير السوريين وزجهم في دائرة العوز والحاجة، فلا يفكرون في أي شيء سوى في توفير لقمة العيش اليومية، حتى وصل الأمر إلى سلبهم كراماتهم في سبيل توفير هذه اللقمة.
يروي نعسان آغا كيف أرادت أسماء الأسد، وفي مخالفة صريحة ومباشرة وعلنية للدستور والقوانين، السيطرة على الوزراء والمحافظين والمسؤولين، وكيف سعت لترؤس اجتماعاتهم، لوضعهم تحت عباءتها، فتكون في نهاية المطاف جزءاً من الفاسدين المقررين في مصير البلاد والعباد، وعندما استنكرت – يقول نعسان آغان- وقلت لها (مفتعلاً السذاجة) بأي حق تترأسينا وتتخذي قرارات سياسية.. لقد درست كل كلمة في الدستور ولم أجد شيئاً اسمه السيدة الأولى؟
انزعجت وبررت بالقول إنها تفعل ذلك للمساعدة ليس إلا..؟!
عندها قلت: نحن وزراء ومجلس وزراء، وليس جمعية خيرية يا ست أسماء.
هنا وصلت الأمور إلى أقصاها. هذا البلد لا يُدار بزوجة الرئيس ولا بأخته ولا بأمه. هذا بلد له دستور وقوانين.
مع ذلك، يقول نعسان آغا، فإن هذا لا شيء مقارنة بممارسات القتل. لم أكن اتخيل بشار الأسد يقتل. لم يكن لدي أي خبر بذلك.
ويستذكر نعسان آغا إحدى مقابلات بشار الأسد مع فضائية غربية، حيث رد على سؤال حول ما إذا كان يشعر بتأنيب الضمير لسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا. فرد بالقول: هل يشعر بتأنيب الضمير من يدوس صرصاراً؟!
هكذا كان الشعب بنظره. صراصير.
لم أكن لأتخيل كل هذا الفجور.
يختم رياض نعسان آغا شهادته.