الحرية – هناء غانم :
أشارت الباحثة الاقتصادية ريم حللي خلال محاضرتها ضمن ندوة الثلاثاء الاقتصادي حول “واقع الصناعة السورية ومحددات إنعاش هذا القطاع” إلى ارتباط الصناعة السورية عبر التاريخ بصناعات عريقة مثل البروكار والدامسكو والأغباني والموزاييك، لكن سنوات الحرب الدامية حولت هذا القطاع الحيوي إلى أنقاض، وفقدت سوريا مكانتها كمنتج صناعي إقليمي.
وبيّنت الباحثة أنه بعد التحرير تواجه الصناعة السورية مفترق طرق حاسم: إما أن تستغل الفرصة لإعادة البناء على أسس حديثة تنافسية، أو تستسلم لضغوط المنافسة والظروف الصعبة، والنجاح في هذه المعادلة الصعبة يتطلب رؤية استراتيجية واضحة، وإرادة سياسية قوية، ودعماً دولياً وإقليمياً، بالإضافة إلى استعادة الثقة بين الدولة والقطاع الخاص.
القطاع الصناعي منذ بداية التحرير ولتاريخه
أشارت الباحثة إلى إجراءات عدة اتخذتها الحكومة الجديدة ، وكان لها كبير الأثر على الصناعة والاقتصاد السوري، حيث انتهجت نهج اقتصاد السوق الحر وفتحت الأسواق الخارجية بشكل مباشر بعد سنوات طويلة من القيود الدولية التي فرضت وقتها على الاقتصاد السوري بسبب النظام البائد، وتم صدور المرسوم رقم 114 لعام 2025 والذي كان له كبير الأثر في استقطاب العديد من الشركات الاستثمارية العالمية لما يحمله من مزايا تشجيعية للمستثمرين. كما تم توقيف معظم منشآت القطاع العام عن الإنتاج والتي هي في الغالب كانت ستتوقف تلقائياً بسبب الانفتاح الاقتصادي وفتح أبواب الاستيراد دون قيود.
إضافة الى أنه تم ترخيص 945 مشروعاً صناعياً خلال النصف الأول من هذا العام برأسمال (220) مليون دولار موزعة على كافة القطاعات الصناعية، كما تم تنفيذ (80) مشروعاً برأسمال 4.5 ملايبن دولار.
حللي لـ “الحرية” إعادة النظر بالقوانين والتشريعات الناظمة.. القطاعات الإنتاجية صمام أمان الاقتصاد السوري
ولم تخف الباحثة ما واجهته الصناعة المحلية من منافسة شرسة بعد صدمة الانفتاح ودخول منتجات بمواصفات متباينة للأسواق السورية جعلت الكثير من المعامل تخفض طاقاتها الإنتاجية إلى ما دون الـ 50%من الطاقات الفعلية، وهذا أدى إلى ضرب المنتج المحلي الذي لايزال يحتفظ بجودة عالية لكنه يقصى بفعل منافسة غير عادلة.
و أما الأثر الأكبر فقد كان نصيب الصناعات التي تعتمد على حوامل الطاقة حيث إن معظم الدول المصدرة تتخذ أساليب لدعم صناعتها في بلدها (بيع حوامل الطاقة بأسعار الكلفة) ما أدى إلى خروج الكثير من هذه المنشآت من السوق (صناعة السيراميك والأسمنت)، كذلك غياب الفرصة الكامنة بإعادة هيكلة الميزان التجاري بسبب عدم وضوح السياسات التصديرية.
فرص النهوض ومحددات الإنعاش
وأكدت الباحثة أن ما تمر به بلادنا بحاجة الى خطة استثنائية تهدف إلى تأمين الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي وبناء القدرات المؤسساتية الزراعية والصناعية والتجارية وفق المحددات الرئيسية أهمها القطاعات الإنتاجية بشقيها الصناعي والزراعي هي صمام أمان الاقتصاد السوري وحماية المنتج الوطني وفق برامج زمنية محددة تمهد لإعادة انخراط المنتج السوري في الأسواق الدولية.لأن التصدير هو رئة الاقتصاد السوري .
تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات أمام الصناعة
هناك نقاط قوة تواجهها الصناعة أولها وجود قاعدة من الموارد الطبيعية المحلية المتنوعة القادرة على رفد القطاع الصناعي بالمدخلات اللازمة لنهوضه، ووجود طاقة كامنة لصناعات ذات كثافة علمية وتكنولوجية متوسطة تساعد على تطوير صناعات ذات قيمة مضافة أعلى كما أن السمعة والمواصفات الجيدة للمنتجات المصنعة على المستوى المحلي والعالمي.
وترى الباحثة الاقتصادية أن نقاط الضعف تكمن في انخفاض مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي والإجمالي. وارتفاع تكاليف الإنتاج ما أدى إلى خروج العديد من المنشآت الصناعية عن العمل مع سياسة الانفتاح اقتصادي واتباع سياسة الاقتصاد الحر، وضعف البنية التحتية الأساسية ومشكلة الترخيص الإداري المؤقت ونقص التمويل الكافي لقطاع الصناعة التحويلية وهجرة الكفاءات.
أما الفرص -حسب حللي- فهي متوفرة وعلينا الاستفادة النسبية من العلاقة العضوية بين القطاعات الاقتصادية و إيجاد فرص استثمارية في المراحل اللاحقة من العملية الإنتاجية، إضافة الى توفر المواد الأولية والخامات محلياً بمواصفات جيدة وتحفيز الصناعات التصديرية .
التحديات
وذكرت الباحثة أن التحديات تكمن في تحسين القدرة التنافسية ، وزيادة دور القطاع الخاص، واستعادة العمالة المهاجرة الكفوءة منها وإنه من خلال دراسة وتحليل الواقع الاقتصادي السوري الحالي نجد أنه لا بد من إعادة رسم الخيارات الاستراتيجية للمرحلة المقبلة من خلال: تهيئة بيئة تشريعية تنظيمية تمكينية لعمل القطاع الصناعي وإطلاق إستراتيجية التصدير وتوفير إستراتيجية واضحة لتنمية الموارد البشرية وإعادة هيكلة القطاع العام الاقتصادي.
وحول البيئة التشريعية تدعو الباحثة إلى تشكيل مجلس أعلى للصناعة مهمته وضع السياسات الصناعية ومتابعة البرامج التنفيذية الخاصة بعمل كل جهة وتطبيق قانون حماية الإنتاج الوطني من الممارسات التجارية الضارة من خلال وضع حصص للسلع المتدفقة إلى السوق السورية والتي تؤثر في الميزان التجاري. وتطبيق أحكام قانون حماية الملكية الصناعية والتجارية بما يضمن الحيلولة دون وجود عملية قرصنة للعلامات التجارية وتأمين سرعة التقاضي في قضايا هذا الموضوع. إضافة الى تفعيل قانون حماية الصناعات الناشئة ، واعتماد قواعد المنشأ وفق النظم الدولية والتي تحقق العدالة في التنافسية، و مراجعة التعرفة الجمركية. وإقرار منظومة البنية التحتية للجودة بما فيها من تشريعات وضوابط توائم المعايير العالمية.
إعادة النظر بالقوانين
وتؤكد الباحثة إعادة النظر بالقوانين الناظمة لعمل القطاع الخاص الصناعي وتفعيل قانون التمويل التأجيري، ومعالجة المشاكل البنيوية الإدارية والمالية والفنية والإنتاجية التي تعوق المنشآت من انخراطها في الأسواق العالمية، إضافة لإنشاء صندوق التنمية الصناعية، تكون مهمته تمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، و إحداث صندوق تمويل الصناعات الريفية وإعادة النظر ببنود اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بما يتناسب مع للقطاعات الإنتاجية لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، ريثما يتم انعاش المنتج الوطني وتفعيل قانون التشاركية وتوظيفه للنهوض بالواقع الصناعي.
صنع في سورية
أما البيئة التنظيمية فهي تتطلب إطلاق شعار “صنع في سورية” ليكون مسار توعية شعبوياً وتأمين حوامل الطاقة بأسعار التكلفة وتعزيز قدرات السوق المالية لضمان و قيام الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية باتخاذ السبل المناسبة للتحقق من مطابقة المستوردات من السلع النهائية للمواصفات القياسية السورية، وأيضاً اتخاذ الإجراءات للتحقق من منشأ المستوردات من السلع النهائية. ومنع التهريب. والالتزام بتطبيق مفاهيم الجودة الشاملة لرفع مستوى الجودة للسلع.
توجيه الاستثمارات
وأشارت الباحثة الى أهمية توجيه الاستثمارات الأجنبية لإنشاء مدن صناعية تخصصية وضع خطط تنمية صناعية في الوحدات الإدارية وتخفيف القيود على حركة رؤوس الأموال الخاصة بتمويل العمليات الاستثمارية والتشغيلية للشركات الصناعية بالتنسيق مع وزارة المالية والبنك المركزي. والعمل على إعادة تأهيل البنى التحتية في التجمعات والمدن الصناعية المدمرة و وضع خريطة استثمارية للمواد الأولية والموارد المتوفرة محلياً و منتجاتها القابلة للتصدير ووضع خطة للاستثمارات الصناعية المطلوبة تشجع على الاستثمار في الصناعات التكاملية وإقامة مجمعات صناعية عنقودية والتوجه الى الصناعات التي تسهم في تنمية الصادرات غير النفطية والتي تعتمد على الخامات الوطنية و الصناعات الزراعية الصغيرة والمتوسطة في الريف .
وتابعت الباحثة: إطلاق استرتيجية التصدير، تمهد لانطلاقة جديدة للصناعة السورية على المستوى المحلي والإقليمي، تحدد فيها السلع المستهدف تصديرها ، والسلع المراد تصنيعها بغرض التصدير، و كذلك الأسواق المستهدفة، و توجه إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وسلاسل القيمة توفير استراتيجية واضحة لتنمية الموارد البشرية متناسقة مع خطط التنمية الصناعية للكوادر العاملة في القطاع الصناعي.