الحرية- رشا عيسى:
تدخل المملكة العربية السعودية بقوة على خط الاستثمار السوري، بتوقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال منتدى الاستثمار السوري – السعودي 2025 في دمشق، لتحدد موضعها كشريك فاعل في الخارطة الاقتصادية السورية بمجالات متعددة، ما يعيد إلى الواجهة روابط تاريخية ممتدة إلى عصور قديمة كانت فيها دمشق والرياض حلقتين مهمتين في سلاسل التجارة العالمية.
ومن الاقتصاد إلى السياسة، تتوج الاتفاقيات الموقعة في دمشق إعادة وصل ما انقطع بين الأشقاء، وتسلط الضوء على استكشاف المزيد من الفرص الاستثمارية في سوريا والتي أقل ما يقال عنها أنها منجم لهذه الفرص، مع وعود حكومية واسعة لتأمين بيئة استثمارية آمنة للمستثمرين السعوديين والعرب والأجانب.
جوانب متعددة
وبين الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي المهندس باسل كويفي في حديث لـ( الحرية) أن الاستثمارات الأجنبية في أي بلد من العالم تحمل جوانب سياسية وثقافية وأمنية وتنموية وإنسانية، إلى جوار الأهداف الاقتصادية والجدوى النفعية التي تكون مقدمة لأغلب الاتفاقيات والاستثمارات ومن هذه النظرة فإن الخطوة الاستثمارية السعودية في سوريا، وبتوجيه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تأتي في هذا السياق حيث تدير المملكة السعودية خلافات الإقليم في سوريا بفتح نوافذ استثمارية من الأبواب الاقتصادية المغلقة وليس من الأبواب العسكرية والحربية المفتوحة.
استراتيجية شاملة
وشرح كويفي أن تنظيم وتوجيه رأس المال الخارجي القادم نحو الفرص التي تلبي احتياجات سوريا، وبالتقاطع مع رغبات المستثمر الخارجي، وفق استراتيجية شاملة تشمل تحديد الأولويات الوطنية (البنية التحتية الكهرباء، المياه، الطرق ، الزراعة، الصناعة، التعليم، والصحة)، مع وضع خطة تنموية وطنية واضحة تحدد القطاعات ذات الأولوية، مثل الطاقة المتجددة، الصناعات التحويلية، أو الزراعة المستدامة، بناءً على الموارد المحلية والاحتياجات الملحة، وإنشاء إطار تشريعي محفز ومنظم، ويتضمن تخصيص نسبة من رأس المال لقطاعات محددة (مثل إعادة بناء المدارس أو المستشفيات)، أو توظيف نسبة معينة من العمالة المحلية وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والبيروقراطية، وإنشاء أجندة آليات توجيه الاستثمار وتوفير ضمانات قانونية لحماية حقوق المستثمرين وتحسين البنية التحتية القانونية واللوجستية، مع ضمان أن تكون الاستثمارات موجهة نحو التنمية المستدامة وليس فقط العائد المادي، والاستفادة من الموارد البشرية المحلية، ما يساهم في عودة الكفاءات من الخارج وخلق فرص عمل، مع ما يرافق ذلك من تطوير برامج تدريب مهني لتأهيل العمالة المحلية لتلبية متطلبات السوق.
ورأى كويفي أهمية مراقبة وتقييم الأثر من الأمور الهامة للاستمرارية عبر إنشاء نظام رقابة صارم لمتابعة تنفيذ المشاريع، وضمان تحقيقها للأهداف المحددة، مع تقييم دوري للأثر الاقتصادي والاجتماعي.
أولويات الاستثمار
وبين أن تحديد أولويات الاستثمار في سوريا يعتمد على الاحتياجات الملحة لإعادة الإعمار، و تعزيز الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي بعد سنوات من الصراع، بناءً على الوضع الحالي والمصلحة الاقتصادية والاجتماعية السورية.
ويمكن تحديد الأولويات وأهمها كما يشرح كويفي، إعادة بناء البنية التحتية الأساسية ، القطاع الصحي التعليم، الزراعة والأمن الغذائي، الطاقة المستدامة، الصناعات الصغيرة والمتوسطة، السياحة المستدامة، إن هذه القطاعات تحقق توازناً بين الاحتياجات الملحة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية، مع تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة ويتطلب ذلك إطاراً تشريعياً قوياً وتعاوناً دولياً موجهاً نحو المصلحة الوطنية.
من زاوية أخرى لتسهيل بيئة الاستثمار واستقطاب رأس المال الاجنبي يجب على الحكومة تحسين التشريعات، وتعزيز الشفافية، وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز مالية وغير مالية.
انطلاقة قوية
وأكد أن الاستفادة من العلاقات مع السعودية، كما أظهرتها الاتفاقيات الاستثمارية الأخيرة، يمكن أن تكون نقطة انطلاق قوية، شريطة توجيه الاستثمارات نحو الأولويات الوطنية وتعزيز الثقة من خلال استقرار أمني وسياسي، ليشير إلى أن معوقات الاستثمار في سوريا تشمل عدم الاستقرار الأمني، تدهور البنية التحتية، البيروقراطية، الفساد، نقص الكوادر، ضعف القطاع المصرفي، الصورة الاستثمارية الضعيفة، والمنافسة الإقليمية، يمكن التغلب عليها من خلال تعزيز الأمن، تحسين البنية التحتية، تبسيط الإجراءات، مكافحة الفساد، تدريب العمالة، إصلاح القطاع المصرفي وعلى الاخص المصارف العامة وبشكل جذري ومتواكب مع الحداثة العالمية، وتسويق الفرص الاستثمارية.
الاستفادة من العلاقات مع السعودية والدعم الدولي بعد رفع العقوبات توفر فرصة كبيرة لتحسين بيئة الاستثمار، شريطة تنفيذ إصلاحات شاملة وشفافة بحسب كويفي،حيث أن الأمن والاستقرار والسلام المستدام في بلدان المنطقة وتعزيز الأمن القومي لكل دولة يتطلب تكامل مسارات متعددة ومتشابكة وشاملة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة.