الحرية- حسين الإبراهيم:
- كيف يؤثر إدمان وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية؟
- إلى أي مدى غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي طرق تواصلنا وعلاقاتنا الاجتماعية؟
- لماذا نجد أنفسنا مدمنين على تحديث صفحاتنا رغم الأضرار النفسية المحتملة؟
- أين تكمن المخاطر الصحية والنفسية للاستخدام المفرط، وكيف يمكننا مواجهتها بنجاح؟
في العصر الرقمي الحالي، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير جذري في طريقة تواصلنا. لم تعد المحادثات تقتصر على اللقاءات وجهاً لوجه، بل أصبحت تتم عبر منصات رقمية تتيح تفاعلاً سريعًا وسهلاً، يربط ملايين الأشخاص حول العالم. تسهم الخوارزميات في هذه المنصات في إبقاء المستخدمين متصلين لفترات طويلة، ما يعزز شعور الانتماء لكنه يفتح الباب للإفراط والاستخدام المفرط.
الهوية الشخصية في فضاء رقمي متغير
تُعدّ وسائل التواصل بمثابة فضاء لبناء الهوية الرقمية، خصوصاً بين الشباب الذين يعبّرون عن أنفسهم ويتفاعلون داخل هذا العالم. الهوية هنا ليست ثابتة، بل متغيرة وتتأثر بالمحتوى والثقافة الرقمية. عبر الصور والمشاركات والتعليقات، يبني المستخدمون صورة ذاتية جديدة، قد تسهم في تعزيز الثقة أو في المقابل تسبب تشويشاً بين الهوية الحقيقية والرقمية.
عوامل نفسية تدفع نحو الإدمان
إدمان وسائل التواصل مرتبط بشكل مباشر بآليات الدماغ ولاسيما نظام المكافأة الذي ينشط عند تلقي إشعارات الإعجاب والتعليقات، ما يؤدي إلى إفراز “الدوبامين” ويحفز الاستمرار في الاستخدام.
كذلك، توفر هذه المنصات متنفساً للهروب من ضغوط الحياة اليومية، ويُضاف إلى ذلك ما يعرف بـ“الخوف من تفويت الفرصة” (FOMO) الذي يدفع الأفراد للبقاء دائماً متصلين.
المشاعر المتقلبة
وسائل التواصل الاجتماعي تثير مجموعة معقدة من المشاعر التي تتراوح بين الفرح والقلق، ما ينعكس بشكل مباشر على طبيعة علاقاتنا الاجتماعية.
فعندما يتلقى المستخدم تعليقات إيجابية أو إعجابات على منشوراته، يشعر بالسعادة والرضا ما يعزز الروابط المؤقتة مع الآخرين. لكن في المقابل، يكمن الخطر في كثرة المقارنات التي يجريها الفرد بين حياته وحياة الآخرين المعروضة بشكل مثالي على الشاشات، ما يولد شعوراً بالضغط النفسي والقلق المستمر.
"ليست وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتواصل السريع، بل أصبحت فضاءً مركزيًا لتشكيل وتغيير الهويات الشخصية والجماعية. في هذا العالم الرقمي، يُمكن للأفراد بناء هوية رقمية متعددة الأوجه تتغير بحسب التفاعلات والمحتوى الذي يتعرضون له، مما قد يؤدي إلى تضارب أو ضعف في الهوية الحقيقية.
هذا التأثير العميق يتطلب منا فهماً أعمق لكيفية استخدام هذه الوسائل بشكل واعٍ يوازن بين حرية التعبير والحفاظ على السلامة النفسية والاجتماعية."
هذا التوتر العاطفي يضيف صعوبة في الحفاظ على تواصل حقيقي وذي جودة مع الأصدقاء والعائلة، إذ تحل التفاعلات الرقمية بديلاً عن اللقاءات الحميمية والمباشرة. النتيجة أن بعض المستخدمين يعانون من نوع من العزلة الاجتماعية بينما هم محاطون بعدد كبير من الأصدقاء عبر الإنترنت.
علاوة على ذلك، تم رصد حالات ازدياد النزاعات الأسرية نتيجة غياب الحوار الواقعي، حيث يفضل أفراد الأسرة التفاعل من خلال هواتفهم على التواصل الحقيقي، ما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية وتراجع الدعم العاطفي داخل البيت.
من جهة أخرى، تؤدي كثرة التعرض للمحتوى السلبي والتنمر الإلكتروني أحياناً إلى آثار نفسية ضارة، مثل انخفاض الثقة بالنفس والاكتئاب، وهو ما يؤثر لاحقاً على أداء الفرد في علاقاته الاجتماعية اليومية. هذه التحديات النفسية والاجتماعية تحتّم ضرورة دراسة تأثير وسائل التواصل بعمق والعمل على تطوير استخدامات صحية تعزز التواصل الإنساني الحقيقي بدلاً من أن تحوله إلى مجرد علاقات رقمية سطحية.
بهذا الواقع، يشكل الاستخدام المفرط والنمط السلبي في التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي تحدياً حقيقياً لتحصين الروابط الاجتماعية ضد التمزق والانعزال، ويتطلب وعياً مجتمعياً وجهوداً فردية للحفاظ على توازن صحي بين الحياة الرقمية والواقعية.
دور وسائل التواصل في وعي المجتمع
رغم كل التحديات، لا يمكن إغفال الدور الإيجابي للمنصات في تحريك وعي المجتمع، ونقل المناقشات العامة إلى فضاء مفتوح. فقد أصبحت هذه الوسائل أدوات مهمة للمناصرة السياسية والاجتماعية، وحركات الاحتجاج، بالإضافة إلى تسهيل مساءلة السلطات وتعزيز المشاركة الديمقراطية.
المخاطر الصحية
يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل إلى آثار صحية ونفسية خطيرة مثل القلق، الاكتئاب، اضطرابات النوم، وتراجع المهارات الاجتماعية. الإدمان الرقمي يمكن أن يسبب شعوراً بالعزلة ويؤثر سلباً على الحياة الواقعية، ما يحتم تطوير عادات استخدام صحية.
سبل الوقاية والتوعية
من أجل تحقيق توازن بين العالم الرقمي والحياة الواقعية، يوصى بوضع حدود زمنية لاستخدام هذه المنصات، وإيقاف الإشعارات في أوقات محددة، والاهتمام بأنشطة خارج الشاشات. وعلاوة على ذلك، فإن الوعي بخوارزميات الإدمان والتحكم في سلوك الاستخدام، فضلاً عن طلب الدعم المهني عند الحاجة، كلها أمور ضرورية للحفاظ على صحة نفسية واجتماعية سليمة.
يكمن التحدي الأكبر في إيجاد وسط ذكي بين الستفادة من مزايا وسائل التواصل الاجتماعي ومواجهة مخاطرها، لنتمكن من بناء هوية رقمية صحية ومستقبل اجتماعي متوازن