الحرية ـ بشرى سمير:
من الصدف التاريخية البليغة أن يجتمع في سوريا احتفالان عظيمان في فصل الشتاء، عيد الميلاد المجيد في الخامس والعشرين من ديسمبر وعيد تحرير سوريا من النظام البائد، وتزامن أعياد الميلاد مع أعياد التحرير هذا العام هو انعكاس للاحتفال بذكرى ولادة دينية وذكرى ولادة سياسية، ففي الوقت الذي تزدادن به شوارع سوريا الأعلام والوطنية فرحاً بذكرى التحرير من النظام البائد تزدادن وجهات المحال بزينة عيد الميلاد فرحاً بميلاد السيد المسيح.
ميلاد وطني
وبيّن الدكتور عماد سعيد أستاذ في التاريخ هذا التقارب الزمني بين مناسبات تحمل في طياتها معاني “الولادة” و”التحرير” و”القيامة” يُشكّل نسيجاً رمزياً فريداً في الذاكرة الجمعية السورية، حيث تتداخل ولادة المسيح الروحية مع ذكرى ولادة سوريا المستقلة من رحم النظام البائد وأضاف: عيد الميلاد يمثل في العقيدة المسيحية تجسّد الكلمة وتجسد الأمل الإلهي للبشرية، ميلاد مخلص يحمل رسالة المحبة والسلام. أما عيد التحرير فيحكي قصة ميلاد آخر- ميلاد وطني.
هذا التزامن الرمزي- وإن لم يكن تقويمياً دقيقاً – يظل حياً في الوعي السوري كتقارب بين “الخلاص الروحي” و”الخلاص الوطني من النظام البائد”، بين انتصار الروح على الظلام وانتصار الإرادة على الاحتلال.

معاناة الثورة السورية
ولفت سعيد إلى أن ولادة المسيح في الإيمان المسيحي جاءت في ظروف متواضعة بين الفقراء والمهمشين، بينما ولدت سوريا الحديثة من معاناة الثورة السورية ومعاناة المعتقلين والمهجرين وتضحيات شعب رفض الانصياع وأضاف سعيد: أن سوريا اليوم تنتظر جلاءً ثانياً من ويلات الحرب والدمار وتتطلع إلى “ميلاد جديد” لوطن يعيد تجميعه والمسيحيون السوريون الذين عانوا من تهجير وتشريد يجدون في قصتي الميلاد والجلاء مصدر أمل لمستقبل يعيدهم إلى أرض الأجداد والرمزية الدينية والوطنية أصبحت أكثر تشابكاً في وجدان السوريين، فالبطل الوطني لم يعد فقط محارباً للظلم بل أيضاً كل من يحمل رسالة محبة وبناء و ميلاد وطني على خطى الميلاد الروحي وتبنى سوريا الجديدة على قيم التسامح والعدل والمحبة التي جاء بها الميلاد وأن يكون التحرير هو تحرير من الكراهية والتطرف والتمزق الداخلي، داعياً أن يصبح تقارب المناسبتين فرصة للحوار الوطني وأن تقدم القيم الروحية للميلاد إطاراً أخلاقياً لإعادة الإعمار.
ولادة ثالثة
وختم سعيد السوريون يتطلعون إلى مستقبلهم قد يكون في هذا التزامن الرمزي برنامج عمل، فكما ولد المسيح ليحرر البشر من خطيئتهم وولدت سوريا الجديدة لتتحرر من الظلم ومن النظام البائد، فإن المهمة اليوم هي العمل على “ولادة ثالثة” – ولادة عقد اجتماعي جديد، وسياسة جديدة، ووطن جديد، يقوم على الحرية الحقيقية والمحبة العملية في هذه الأرض المقدسة التي سارت عليها خطى الأنبياء وتشبعت بدماء الشهداء، يبقى الأمل بأن كل شتاء – مهما طال – لا بد أن يعقبه ربيع، وكل ولادة – مهما كانت متواضعة بداياتها- تحمل في طياتها مستقبلاً من المجد.