يجب أن نعلو على الانقسام.. الشعب السوري محكوم بالعيش السلمي المشترك انطلاقاً من إنسانيته وقيمه

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:

ظروف صعبة جداً يعيشها المواطن السوري لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بتبعات سنوات الحرب الماضية، ومفرزاتها السلبية على الوطن والمواطن، والحياة الاجتماعية المشتركة التي فعلت فيها “الحرب” ومن يوقدها من أهل الفتنة في الخارج، وأسباب أخرى تتعلق بقصص التربية بكل أبعادها، ودخول مفاهيم جديدة على المجتمع السوري، فغيرت الكثير من محتواه الاجتماعي وحتى الاقتصادي، ومفاهيم التربية والعلوم وغيرها.

د. حسن: التعايش السلمي واحترام التنوع ضرورة حتمية ينبغي تحويلها إلى قوة دافعة لتعزيز الأمن وتسوية النزاعات بالطرق السلمية وإرساء السلام دون الإقصاء والإلغاء

التسامح درة القيم

وهنا ترى د. سبلاء حسن الخبيرة في أصول التربية بجامعة دمشق أنه بصرف النظر عن اختلافاتنا الكثيرة، لدينا جميعاً الاحتياجات الإنسانية نفسها، وإحدى أقوى حاجاتنا الأساسية تكمن في الترابط الإنساني، والتكامل القائم على إنسايتنا المشتركة، وقد يكون بوسعنا كبح هذه الحاجة لكننا لا نستطيع العيش دونها، والسلم الأهلي والعيش المشترك هو مناشدة لتلك الحاجة.
فالتعايش السلمي واحترام التنوع، ضرورة حتمية ينبغي تحويلها إلى قوة دافعة لتعزيز الأمن وتسوية النزاعات بالطرق السلمية وإرساء السلام دون الإقصاء والإلغاء، وإلا فالبديل هو العنف والصراع وما يترتب عليهما من آثار كارثية.
وبالتالي دوماً لدينا الفرصة لاتخاذ خطوات عظيمة إلى الأمام في ثقافتنا الإنسانية، وذلك بأن يكون لدينا النية المشتركة للتسامح والعيش المشترك، ورفض جميع أشكال العنف والتقاتل، سواء كان ذلك من خلال الدعوة إليه، أو التحريض عليه أو تبريره، وتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وبمقدورنا وبقوة محبتنا واحترامنا للآخر، أن نزيل معاً عوامل وجودها، فالتسامح درة القيم، وهو بمنزلة العمود الفقري للعيش السلمي المشترك.
وتؤكد “حسن” أن التسامح يتعزز بالمعرفة، والانفتاح والاتصال في سياق الاختلاف في الفكر والرأي والمعتقد، وهو واجب أخلاقي يفضي إلى إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب والصراعات والنزاعات، ويكفي أن يعبس الرأي العام في وجه العنف حتى يفقد كل قوته (ليف تولستوي).

إرادة حرة

وبالتالي الوطن ليس مؤسسات أو تراباً أو نظاماً فقط، إنه الإنسان قبل كل شيء، والوطن جزء من إنسانية الإنسان، لذا لا بدّ من إرادة حرة مشتركة بحيث تكون الرغبة في العيش المشترك نابعة من الذات، وليست مرهونة بشروط مهما تكن مسبباتها، ولا بدّ من التفاهم وصهر الانتماءات الفرعية في بوتقة واحدة، يكون الولاء الأول فيها للوطن، وليس للقبيلة أو العشيرة، أو الطائفة..إلخ، وهذا بدوره يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية الجامعة، لكل الأفراد بمختلف انتماءاتهم الفرعية الأخرى.
وهنا نرى أن مقتضيات السلم الأهلي بصورة رئيسية تقتضي نبذ الكراهية كسبب مبطن للعنف، وخلق وعي عام متجدد بأهمية السلم الأهلي، والتعايش المشترك وألا نجعلهما عرضة للخطر، والتمسك بثوابت الوطن وقيمه فهي ملكة عظيمة للمواطنة الحقيقية، ولا بدّ من صبغ سلوكنا بصبغة وطنية خالصة، وانتهاج المواطنة الصالحة، التي تهدف إلى تكريس أسبقية الصالح العام على الخاص، فلا تسمح لأي اندفاع وجداني بأن يتحكم في خطابنا أو مواقفنا، وتحدّد تصرّفاتنا في ميدان العمل الوطني.
وتتجلى المواطنة في أبهى صورها، في مشاركتنا جميعاً المتكافئة والفاعلة، والمسؤولة في مجتمعنا في ظل علاقة تبادلية مثمرة تُحقق الأمن والسلامة، والرقي والازدهار للوطن والمواطن، لتحقيق مصالح الجميع، تحت مظلة المصلحة العليا للوطن، عن طريق سيادة القانون كمبدأ أساسي لتحقيق الأمن الاجتماعي، وخدمة المصلحة العامة.

نعلو على الانقسام ولا نعلو به

الوطن يتسع للجميع، ولا يجوز إلغاء الآخر، بل الاعتراف به، فاختلافنا وتعددنا وتوزعنا على طوائف ومذاهب وقوميات أمر واقع، وهو وسيلة للتمايز والتعارف بينهم، وإن إبراز قيم العيش المشترك تتصدر قائمة الأولويات في أبجديات التعايش والسلم الاجتماعي، وفي ذلك دلالة صريحة على نضج فكري، وفقه إنساني نبيل.
مع تأكيد “د. حسن” أنه لا سبيل لنا إلا العيش بسلام مع الآخرين، وشركائنا في هذا الوطن، وحفظ الاستقرار والأمان والسلم المجتمعي، مع وجود اختلافات في الدين أو المعتقد، أو الرأي أو المعتقد أو الثقافة، ورفض كُل أشكال الاقتتال أو الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره بمنطق يسهم في تفتت النسيج المجتمعي، ويقوض أركانه، ويبث الفرقة والتشرذم بين ظهرانيه.

الوحدة الوطنية في خريطة الفكر الإنساني

وهنا نجد أن الوحدة الوطنية هي المفردة الأسمى لوجود الإنسان ضمن دائرة الإنسانية الواحدة ،،القادرة على البناء الإنساني المتضامن ابتداءً من الثقة والاحترام المتبادلين، ومن الرغبة في التعاون لخير الإنسانية، وهي أعلى درجات المواطنة، لذا كان لا بدّ من ترسيخ القيم الوطنية ومراجعة الأدوار الوطنية في تعزيز لغة الحوار، والتواصل كوسيلة لتحقيق التفاهم والسلم الأهلي ، الذي يتطلب جهوداً جماعية من الأفراد والمجتمعات والسلطات والمجتمع المدني والإعلام، ويمكن تحقيقه من خلال الإرادة العامة التي تعبر عن مصالح المجتمع ككل.
لذا فإن خطاب الكراهية وما يتصل به من أشكال التعصب وأعمال الانتقام، يمكن أن يسهموا في اندلاع الصراعات وتصاعدها وتكرارها، ويؤدي إلى إنتاج حرب أهلية في المجتمع، تنتهي إلى تفسُّخ بنيته الأساسيّة، حيث تقوض تلك الممارسات جهود إعادة الإعمار وتعرقل المصالحات الوطنية لبناء السلام.
وبالتالي كي ننجو معاً “علينا تحصين أنفسنا ضد الكراهية والتصدي لها، والتحلي بالتسامح وتعزيز الأخوة الإنسانية” لأن التعايش السلمي من أهم الركائز التي تساهم في بناء مجتمع متنوع الثقافات والأديان، قوي ومتماسك، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو دينية أو اجتماعية، فإننا جميعاً مدعوون أفراداً ومجموعات، ومؤسسات للتصدي لخطاب الكراهية، والعمل معاً من أجل أن يحكمنا السلام والتعايش السلمي المستدام كضرورة ملحة للحفاظ على السلام والاستقرار، لذلك، يجب ربط السلم الأهلي بمفهوم التعايش السلمي، وإنجاز برنامج وطني يعزز الحوار وقبول الرأي الآخر، وينبذ العنف، ولغة السلاح، والكراهية، والتحريض، والعمل معاً على تنمية الآليات التي تجمعنا ولا تفرقنا.

وعد سلام

كل ما قلناه عن الجانب الظليل للسلم الأهلي كان تهيئة فحسب، فهو أساس الديمقراطية التي تحترم التعايش السلمي بين الأفراد، وتعمل على إنجاز المصالحة الوطنية والمجتمعية، وتحقيق العدالة المستدامة للجميع، وبوابة الاستقرار والأمن، والتوافق السياسي وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
وتؤكد “حسن” أن تعزيز التعايش المشترك و”عد سلام” لأجل أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا، وإن قدرتنا على العيش معاً بسلام وتفاهم، بصرف النظر عن اختلافاتنا الثقافية والدينية والاجتماعية، هي عملية بناء تراكمية تتحقق بالممارسة، وهي من أهم واجبات الدولة، وضمن أدوارنا الوطنية، بما يرسخ قيم التسامح والمساواة والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويسهم في بناء مجتمع أكثر شمولاً وقوة وترابط، نحقق فيه إمكاناتنا وأهدافنا المشتركة، وطموحاتنا بوطن نستحقه جميعاً.

Leave a Comment
آخر الأخبار