يقدم التراحم على التراكم.. الاقتصاد الإسلامي بوصلة العدالة في بحر الأزمات

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:
في خضم أمواج التضخم الكبير والركود الاقتصادي الذي يضرب أرجاء المعمورة، حيث تتسع معه الفجوات بين الطبقات والدخول ومستويات المعيشة، يزداد البحث أكثر عن بوصلة اقتصادية ترتكز على قواعد العدالة والكرامة والرحمة في إدارة الموارد والثروات.
وهنا، يبرز الاقتصاد الإسلامي كنموذج فريد، لا يكتفي بالربح، بل يجعله وسيلة لتحقيق التوازن الشامل والازدهار الإنساني، مقدماً رؤية قد تكون مفتاحاً لتجاوز التحديات الراهنة.

خربوطلي: يحترم هدف الربح والربحية ولكنه لا يقوم على السعي المحموم لتحقيقه

التراحم قبل التراكم

يُعرف الدكتور عامر خربوطلي وهو خبير اقتصادي ومن خلال حوار خاص مع صحيفتنا “الحرية”، بأن الاقتصاد الإسلامي ليس مجرد نظام يعتمد قواعد الشريعة في المعاملات المالية والتجارية والاقتصادية فحسب، بل هو اقتصاد أخلاقي بالدرجة الأولى قبل أن يكون مادياً، وما يميزه إنه اقتصاد يكرم الإنسان ولا يستهلكه، ويقدم التراحم على التراكم، جاعلاً من القيم الإنسانية محوراً لكل نشاط اقتصادي.

وسيلة إعمار.. لا ربح

ويؤكد خربوطلي أن المال في الاقتصاد الإسلامي ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الإعمار والتكافل الاجتماعي، ويشير خربوطلي إلى أن هذا الاقتصاد، الذي يقوم على مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة (حفظ النفس، المال، الدين، العقل، والنسل)، يحترم هدف الربح والربحية، ولكنه لا يقوم على السعي المحموم لتحقيقه.
وبذلك يعد النموذج الوحيد الذي يحقق درجة كبيرة من التوازن بين: الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية وبين الملكية الفردية والمنفعة العامة، أضف للربح المشروع وتحريم الاستغلال.

أفق أوسع

ويُشدد خربوطلي على أن الاقتصاد الإسلامي أكثر شمولية من مجرد تطبيق خدمات المصارف الإسلامية، والتي يعتقد البعض أنها تمثل مجمل هذا الاقتصاد، ورغم الأهمية البالغة لصيغ التمويل الإسلامية المختلفة من المضاربة والمرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة والاستصناع والتأمين التكافلي والقرض الحسن والتورق والمزارعة، إلا أن رؤية الاقتصاد الإسلامي أشمل من ذلك بكثير.

مؤسسة تنموية حقيقية

كما أوضح خربوطلي أن الهدف الأسمى هو تحويل المصارف إلى مؤسسات تنموية حقيقية تشارك في الربح والخسارة، وتدعم أدوات التمويل الإسلامي المبتكرة مثل الصكوك كبديل للسندات التقليدية، بالإضافة إلى ذلك، يسعى هذا النظام إلى تفعيل الزكاة كأداة مالية دورية تعيد توزيع الثروة وتخفف من حدة تفاوت الطبقات، وإلى دعم الوقف الإسلامي، سواء العقاري أو المالي، كمصدر تنموي دائم لخدمة أهداف المجتمع، وأخيراً، يركز الاقتصاد الإسلامي على منع الاحتكار والمضاربات التي تسبب ندرة مصطنعة، وتتسبب في معاناة اجتماعية وأزمات اقتصادية.

فهم عميق ووفرة نسبية

لكي ينجح هذا الاقتصاد في خدمة البشرية، وفق ما أكده خربوطلي، من الضروري فهم قواعده بعمق ودراية واحتواء مقاصده ومعرفة أدواته، كما يشدد خربوطلي على التيقن من وجود “الوفرة النسبية”، التي تعني أن الموارد كافية لإشباع حاجات الإنسان إذا أحسن توزيعها بعدالة.
كما بين أن الاقتصاد الإسلامي يركز على مفاهيم قيمية أكثر من كونها كمية ومادية، ومنها: العدالة والتي تحفظ الحقوق وتمنع الاستغلال، والرحمة والتي تراعي واقع الإنسان وظروفه، أيضاً التوازن بين المبادئ والقيم والواقع العملي،وهو بذلك لا يعزل السوق وقوانين العرض والطلب عن الأخلاق، ولا يستبدل الإنصاف بالشفقة، بل يجعل الرحمة امتداداً للعدالة لا بديلاً عنها.

وصفة مهمة

وختم خربوطلي أنه في عالم الاقتصاد والذي يتسم بالتنافسية الشديدة والقوة المتزايدة، يقدم الاقتصاد الإسلامي وصفة متكاملة، إذ إنه ليس مجرد نظام مالي، بل فلسفة حياة اقتصادية تهدف إلى تحقيق الازدهار المستدام والعدالة الاجتماعية، وبذلك يقدم نموذجاً فريداً يمكن أن يكون منارة للعالم في خضم أزماته المتلاحقة.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار