10 مليارات دولار سيولة طرحت بعد التحرير.. خبير يدعو إلى مراقبة سعر الصرف و استكمال الإصلاحات الاقتصادية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- هبا علي أحمد:
يشكل سعر الصرف هاجساً وتحدياً في الوقت الراهن للاقتصاد السوري بعموم قطاعاته، لما له من أثر عميق على الإنتاج والصناعة المحلية والحركة التجارية.

خطأ تحديد سعر الصرف
لذلك من الخطأ تحديد سعر الصرف برقم ثابت، فهذا خلل في الرؤية التحليلية ومخرجاتها، على اعتبار أنّ سعر الصرف بطبيعته متغيّر، يخضع لعوامل متعددة، ويحتاج إلى تحليل اقتصادي نقدي دقيق، كما يرى المستشار والخبير الاقتصادي عامر ديب رئيس مجلس النهضة السوري.
و من الخطأ أيضاً أن نبدأ بتحديد رقم لسعر الصرف ثم ندرس تأثيره على القطاعات التجارية والصناعية، بل الصحيح هو أنّ العلاقة بين التجارة والصناعة وسعر الصرف طرديّة، بمعنى كلما ازدهرت التجارة والصناعة، انعكس ذلك إيجاباً على مؤشرات التضخم، وكلما تراجع التضخم، تحسن سعر الصرف، بناء عليه وفقاً لديب، لا يمكن الحديث عن سعر الصرف من دون فهم العلاقة الوسيطة بين النشاط التجاري والصناعي ومستويات التضخم، فارتفاع أسعار السلع هو مؤشر تضخمي يؤثر بدوره سلباً على سعر الصرف بنسب مختلفة.

أسباب الانهيار
ويوضح  الباحث في حوار مع صحيفة «الحرّية» أسباب انهيار سعر الصرف بناءً على القراءة الواقعية للأحداث، لعلّ من أهمها تقيّد التعامل بالقطع الأجنبي، حيث قيّد النظام السابق تداول الدولار في السوق الرسمية، ما دفع المواطنين والتجار إلى تخزينه في المنازل، كانوا يبيعون بالليرة السورية ويشترون بالدولار عبر السوق السوداء ثم يحوّلون رأس المال والأرباح مجدداً إلى دولار ويهربونها خارج البلاد، ما شكل استنزافاً خطيراً للكتلة النقدية وأدى إلى تدهور مؤشرات سعر الصرف.

من الخطأ أن نبدأ بتحديد رقم لسعر الصرف ثم ندرس تأثيره على القطاعات التجارية والصناعية

أضف إلى ذلك، منع الاستيراد تحت شعارات مثل ترشيد المستوردات وحماية المنتج المحلي وضبط سعر الصرف ما أضر بالحياة الاقتصادية والتجارية. ورغم تثبيت سعر الصرف شكلياً استمرت الأسعار بالارتفاع نتيجة خلل الميزان التجاري واحتكار السوق من قبل المنتجين المحليين.
وأشار ديب إلى أنه بعد ٨ كانون الأول ٢٠٢٤ تحرّر سعر الصرف بشكل متطرف، وطرحت الكتل النقدية المدخرة بالدولار والليرة دفعة واحدة في الأسواق، وحسب تقديرات بعض المصادر، تجاوزت السيولة بالدولار عشرة مليارات دولار في السوق الموازية، بالمقابل، تعرضت السيولة بالليرة السورية للحبس، ما أدى إلى نتائج عكسية مدمرة.
ورغم امتلاك مصرف سورية المركزي احتياطات معتبرة بالليرة والذهب (20 طن ذهب حسب التصريحات الرسمية) لم يُحسَن استثمار هذه الكتل النقدية، وفَقْد المعركة النقدية، ما أدى إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي السوري بشكل شبه كامل.

سعر الصرف وقطاع السيارات
وانطلاقاً من خبرته المؤسساتية والإدارية في قطاع السيارات منذ ١٨ عاماً، استعرض الخبير الاقتصادي تأثير سعر الصرف وأثر التضخم في القطاع المذكور بين 2024 و2025 عبر دراسة حالة سيارة “كيا ريو” 2010 ومقارنة في الأسعار قبل ٨ كانون الأول ٢٠٢٤ وبعده ، وحسب ديب شكّل سوق السيارات زمن النظام السابق رافعة أساسية من روافع التضخم حيث بلغ في عام ٢٠١٧ حسب إحصاءات شبه رسمية ٣٦ تريليون ليرة سورية والحديث هنا عن حجم سوق المستعمل، كما شهد قطاع السيارات في سوريا بين عامي 2017 و2024 تضخماً حاداً انعكس بوضوح على أسعار السيارات المستوردة والمُجمعة محلياً والمستعملة، وفي بداية عام ٢٠٢٥ لوحظ تصحيح واسع في الأسعار نتيجة تحسن سعر الصرف وزيادة العرض، ما أدى إلى انخفاض كبير في قيم المركبات بالدولار الأمريكي وفتح الاستيراد.

إصلاح قطاع النقد وتحرير الأسواق يمكن أن يسهما بفعالية في معالجة ظاهرة التضخم المزمن

وقدم ديب أسعاراً عدة في مقارنة سعر سيارة كيا ريو  2010 قبل 8 كانون الأول ٢٠٢٤ وبعده مُبيناً انخفاض نسبة التضخم وعلاقة ذلك بسعر الصرف.. قبل سقوط النظام كان سعر الصرف 16,000 ليرة سورية لكل دولار، وسعر السيارة  12,000 دولار أمريكي أي  ما يعادل 192 مليون ليرة سورية، في حين سعر الصرف بعده 11,300 ليرة سورية لكل دولار، وسعر السيارة 3,000 دولار أمريكي أي ما يعادل  33,9 مليون ليرة سورية.

فجوة
وتبعاً لديب انخفضت أسعار السيارات بنسبة 75% بالدولار الأمريكي، ما يعادل  82.34% بالليرة السورية، وبالتالي تعكس هذه النسبة الفجوة التي سببتها الفوضى النقدية والتضخم خلال سنوات الصراع، حيث تحسنت أسعار السيارات بشكل ملحوظ بعد الاستقرار النسبي وتحسّن السياسة النقدية، مثلاً اليوم بـ ١٢ ألف دولار تستطيع أن تشتري كيا ريو ٢٠٢١ جديدة ومستعملة بـ٩٥٠٠ دولار فلنا أن نتخيل حجم القوة الشرائية إذا حُسب السعر بالليرة السورية، وعليه فإن الفروقات في الأسعار تبرهن على أنها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسات الاقتصادية وسعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار،

والانخفاض الحاد اليوم يعكس بداية عودة التوازن السعري إلى السوق، ما يشير إلى أنّ إصلاح قطاع النقد وتحرير الأسواق يمكن أن يسهما بفعالية في معالجة ظاهرة التضخم المزمن.

توصيات
ويطرح رئيس مجلس النهضة جملة من التوصيات في السياق، من بينها ضرورة استكمال الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز الشفافية النقدية، ودعم مشاريع إعادة الإعمار الصناعي وزيادة فرص استيراد السيارات، إلى جانب مراقبة استقرار سعر الصرف للحفاظ على المكتسبات المحققة في أسعار السوق، وضبط سوق السيارات الجديدة والمستعملة وإعادة هيكلته.

Leave a Comment
آخر الأخبار