الحرية- حسام قره باش:
خلال السنوات الماضية، فرضت التحديات القائمة واقعاً مغايراً على صعيد إنتاج ثمار الزيتون، وزيت الزيتون الذي كان يشكل علامة فارقة في الاقتصاد السوري والعالمي، إنتاجاً وتسويقاً واستهلاكاً، فبعد أن احتلت سوريا المركز السادس عالمياً والأول عربياً في 2011 تراجعت إلى المركز الثامن في 2022 وتراجع أيضاً تصنيف زيت الزيتون السوري من هيئة المواصفات العالمية، ما جعلها أمام تحدٍ حقيقي لاستعادة الرونق الذهبي والسمعة الطيبة للزيت السوري وما يتمتع به من أهمية اقتصادية وغذائية مميزة اشتهر بها دائماً.
أرقام ومؤشرات
في سياق حديثه لـ “الحرية”، أوضح خبير الاقتصاد الزراعي المهندس حسام قصار أن إنتاجنا من ثمار الزيتون بلغ أكثر من 760 ألف طن في عام 2024، خُصص منه 20٪ للمائدة و 80٪ لاستخلاص الزيت بما يعادل إنتاج 122 ألف طن، يسوَّق منه محلياً حوالي 95 ألف طن والباقي للتصدير.
تعمل حوالي 35 شركة متخصصة في فلترة وتعبئة زيت الزيتون وفق المواصفات القياسية المحلية والعالمية
ويؤكد أنه مقارنة مع الأعوام السابقة تراجع إنتاجنا من زيت الزيتون بعد أن بلغ 150 ألف طن في عام 2019، علماً أن سوريا تمتلك حوالي 100 مليون شجرة زيتون، منها حوالي 90 مليون شجرة مثمرة موزعة على كل المحافظات، ما جعل سوريا دولة رائدة في إنتاج زيت الزيتون الذي يسهم بنسبة 3٪ في الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا يعد من المحاصيل الزراعية، ذات الأهمية الاقتصادية للبلاد الذي يستحق الحفاظ عليه وعلى جودته، مشيراً إلى أن أبرز الدول التي يصدر إليها الزيت السوري السعودية والإمارات وقطر، وقد سمحت حكومة النظام البائد بتصدير 10 آلاف طن في موسم 2024 بعد إيقاف تصديره في 2023، وتعمل حوالي 35 شركة متخصصة في فلترة وتعبئة زيت الزيتون وفق المواصفات القياسية المحلية والعالمية.
التحديات
ووفقاً لقصار، يعاني قطاع إنتاج الزيتون والزيت من تحديات أفقدته المراتب المتقدمة في الإنتاج والجودة، تُختصر في ارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة ومبيدات وأجور العمالة والمحروقات، إضافة إلى التغيرات المناخية الطارئة والجفاف والآفات الزراعية الفطرية والحشرية وصعوبة التصدير بسبب الأوضاع الراهنة، وهذا بمجمله أثر سلباً على جودة زيت الزيتون الذي اعتبرته هيئة المواصفات العالمية والمجلس الدولي للزيتون مخالفاً لمواصفاتها المحددة، ما وضع الحكومة أمام اختبار لإعادة الاعتبار لزيت الزيتون السوري المضيء بأصالة إنتاجه ولشجرة الزيتون كجزء من تراثنا الثقافي ورمزاً وطنياً بامتياز.
الحلول
قصار بين أن الحكومة تعمل حالياً على إصلاح ما أفسده النظام السابق في هذا المجال من خلال تذليل تلك التحديات عبر تعزيز الإنتاج المحلي ودعم القطاع لتحسين جودة المنتج، ومواصفاته والعمل على فتح أسواق تصديرية جديدة، واعتماد استراتيجية وطنية لزيادة الإنتاج وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة ورفع القدرة التنافسية للزيت السوري وحصر تصديره بمعامل مرخصة لها مصافٍ وخطوط تعبئة بعبوات محددة السعة، مضيفاً: من المهم تطوير معاصر الزيتون لكي تناسب معايير الجودة السورية والعالمية وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي ووضع إجراءات حماية للمنتج المحلي من خلال فرض رسوم على المنتج المستورد.
سؤال يطرح نفسه
بما أننا بلد 100 مليون شجرة زيتون وإنتاجنا يفوق 100 ألف طن من زيت الزيتون، لماذا لا يزال المواطن السوري غير قادر على شراء كيلو واحد منه، وبالتالي انخفاض حصة الفرد السوري السنوية من زيت الزيتون المقدرة عالمياً بحوالي 6 كيلو تقريباً إلى أقل من 3 كغ سنوياً ؟.
وفي هذا الاتجاه، يوافقنا قصار الرأي بأن المواطن السوري أيام النظام السابق لم يكن قادراً فعلاً على شراء ذلك المنتج الغذائي المهم لضعف دخله بشكل عام، وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية وصعوبة انتقال المادة من أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها في المحافظات الأخرى، بسبب كثرة الحواجز والإتاوات والرشاوى آنذاك لتمرير عبور أي مادة، وهذا ما رفع سعر المنتج النهائي وإضافته إلى التكلفة الكلية للمنتج التي يتحملها بالنهاية المستهلك.
حصة الفرد السوري السنوية من زيت الزيتون أقل من 3 كغ سنوياً مقابل بحوالي 6 كيلو تقريباً عالمياً
ويضيف قصار: لكن اليوم وبعد التحرير الكامل من النظام الفاسد، أصبحت الأمور أفضل مما سبق حيث انخفضت الأسعار إلى النصف وأصبحت تنكة الزيت التي وصل سعرها إلى 1,5 مليون ليرة أقل من نصف مليون ليرة، ما أتاح للمستهلك متوسط الحال شراء منتجات حُرٍم منها سابقاً.
غش وفساد غذائي
بدوره، بيَّن نائب رئيس جمعية حماية المستهلك ماهر الأزعط لـ “الحرية” عدم وجود إقبال على شراء زيت الزيتون بسبب نسبة الغش الكبيرة فيه رغم أن ملامح انخفاض أسعاره عملياً لم تنزل كثيراً بعد أن صار المنتج متوفراً وتوفرت المحروقات وقلت أسعار النقل، وبالتالي من الطبيعي أن ينخفض سعر التنكة إلى ما دون المليون ليرة، فأسعاره ليست منطقية للآن والسعر الحقيقي للتنكة ما يزال أكثر من مليون ليرة وما دون ذلك ليس زيتاً أصلياً بل مغشوشاً بعدة أساليب كونها مادة قابلة للغش بشكل مخيف.
متطرقاً إلى أشكال غشه من خلال خلطه بزيت الصويا أو النخيل وإضافة الأصبغة الضارة صحياً إليه وإعلان البعض عبر وسائل التواصل بأن سعر (بيدون الزيت) 700 ألف ليرة وأقل.
السعر الحقيقي للتنكة ما يزال أكثر من مليون ليرة وما دون ذلك ليس زيتاً أصلياً بل مغشوشاً بعدة أساليب
ودعا إلى تفعيل دور مديريات حماية المستهلك وسحب عينات دائمة وتحليلها لضبط الغش لهذه المادة التي يعجز المواطن عن فحص الزيت وتحليله، فالأمر يحتاج لضوابط صارمة بهذا الموضوع حيث لا يزال يشوبه فساداً غذائياً واضحاً.
وقال: يجب أيضاً عدم تصدير زيت الزيتون لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه وأن يكون هناك أتمتة للموضوع لدراسة الحاجة الفعلية بالسوق المحلية ومن ثم تحديد فائض الإنتاج للتصدير.
وتابع: فينبغي التريث واستبيان حاجة السوق وأن يكون فيه وفرة وليس ندرة، لأن الوفرة تحقق انخفاض الأسعار والتنافسية، أما الندرة والاحتكار كما حصل بالسنة الماضية وما قبلها بلجوء البعض إلى عدم بيع زيت الزيتون ما أدى لرفع سعره كثيراً، لذلك نؤكد على منع احتكار الزيت حتى لا تضطر الدولة لاستيراده.
ورغم ضعف التسويق مع تراجع تصنيف سوريا العالمي والسماح إبان النظام السابق بالتصدير على حساب حاجة المواطن، يتوقع الأزعط زيادة الإنتاج في الموسم القادم لأكثر من 50٪ بسبب عودة إنتاج مناطق إدلب وشمالي حلب، ويجب أن تنخفض الأسعار في ضوء ذلك لإن المواطن صار غير قادر على شراء زيت الزيتون بسبب التصدير، مؤكداً وجود صعوبة في الحصول على إحصائيات الإنتاج لزيت الزيتون من وزارة الزراعة.
ولفت إلى سلبية احتباس السيولة وانعكاسها سلباً على المواطن والتاجر والصناعي، مناشداً وزارة المالية حول الضرائب التي تتراكم وتتصاعد وضرورة تعديلها للأحسن كي يشعر المواطن بالارتياح وتتحسن قدرته الشرائية من خلال تحقيق ثلاثية خفض الأسعار وخلق التنافسية وإيقاف التصدير.
اقرأ أيضاً:
تصدير الفائض أفضل من كساده.. سعر زيت الزيتون محلياً يهدد منتجيه بالخسائر