150 مليون دولار خسائر شركاته.. والحاجة ملحة لإستراتيجية جديدة تضمن عودة قطاع الغزل إلى واجهة المساهمين في الاقتصاد السوري

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية– سامي عيسى– مركزان الخليل:
ليس أمامنا خيارات كثيرة للنهوض بالقطاع الصناعي كما نحب ونرضى نحن السوريين، مستهلكين كنا، أم منتجين، وقبل هذا وذاك القطاع الزراعي الذي يؤمن المادة الأولية لتأميم ديمومة غالبية منتجاتنا الوطنية، وخاصة الصناعات النسيجية والغذائية، فالخيار الوحيد الذي يفرض حاله اليوم على الواقع الصناعي، يكمن في الاستثمار الأمثل للموارد، وفق رؤية وطنية، وإستراتيجية تنفيذ تتبناها الحكومة للخروج بمخرجات قابلة للتنفيذ، وقبلها تأمين موارد الدعم المادية والفنية لتأمين منتج صناعي جيد، مطلوب ليس في السوق المحلية فحسب، بل في الأسواق الخارجية أيضاً.
البداية يجب أن تكون من قطاع الصناعات النسيجية لاعتبارات كثيرة، أهمها قوة الإنتاج والإنتاجية، وحجم العمالة المشغلة، والعائد الاقتصادي الكبير، شرط الترجمة الصحيحة لمدخلات ومخرجات هذه الصناعة، وخاصة قطاع الغزل، الذي لم يلقَ الاستثمار المطلوب خلال عقود من الزمن مرت من عمر الصناعة النسيجية، والتي قادت عملية التصنيع خلال المراحل السابقة، مع خسارات كبيرة رافقتها، فرضت واقعاً رديئاً مازلنا نعيش تفاصيله بشكل يومي، والسؤال المهم الذي يخطر في بال الجميع: هل استطاعت الحكومة الحالية تجاوز هذه المشكلات وإعادة انعاش هذه الصناعة من جديد؟

علي: القيمة المضافة للقطن المحبوب تساوي عشرة أضعاف وحتى عشرين ضعفاً عن الواقع السابق..

واقع مؤلم
“الحرية” حاولت الدخول إلى ميدان العمل في صناعة الغزل لمعرفة الواقع الفعلي لقطاع الغزل مع المدير العام للشركة العامة للغزل والنسيج د.عماد علي والإستراتيجية المعتمدة بعد التحرير لتطوير هذا القطاع، وإعادة الإقلاع بالمعامل القائمة، وخاصة أنها تعاني من توقفات كثيرة ولحقت بها خسارة مادية كبيرة، إلى جانب معرفة حجم الخسائر التي تعرضت لها خلال المرحلة السابقة، وهل هناك خطط فورية للمعالجة، وغيرها من معلومات تحكي قصص معاناة هذا القطاع..؟!
“علي”لم يخف في حديثه لـ”الحرية” الواقع المؤلم لشركات الغزل خلال العقود الماضية نتيجة سوء الإدارة وفسادها، مؤكداً أن أولى خطوات المعالجة، كانت بإصدار القرار رقم ٢٢١٤ تاريخ 31/ 12 للعام 2024 والمتضمن تشكيل شركات النسيج حسب المناطق، حيث تم تشكيل كل من الشركات التالية: الساحلية والجنوبية والوسطى, وتم تحويل الشركات سابقاً إلى معامل تابعة للشركات المحدثة.
وبالتالي الشركة العامة للغزل والنسيج معنية بإنتاج الغزول، التي ضمت المعامل التي نجت من الخراب والتدمير خلال المرحلة الماضية، وهي معمل الوليد بحمص، ومعمل حماة للخيوط القطنية، ومعمل أصواف حماة.
أما فيما يتعلق بالواقع الفني والإنتاجي فقد أكد علي خلال حديثه لـ”الحرية” صعوبة هذا الواقع، وما يعانيه من مشكلات كثيرة أثرت سلباً على الأداء الانتاجي والتسويقي لهذه المعامل، الأمر الذي أدى لارتفاع كبير في تكاليف المنتج وعدم القدرة على منافسة المنتجات المشابهة المستوردة، وهنا يمكن تحديد هذه المشكلات بعدة نقاط أساسية: ارتفاع أسعار المادة الأولية- ارتفاع أسعار حوامل الطاقة- قدم الآلات وارتفاع تكلفة الصيانة، حيث إن كافة الآلات الموجودة في المعامل قد اهتلكت تماماً- الاعتماد على أنظمة فاسدة لقيادة عمليات الإنتاج والعمالة.

الفائدة معدومة
أما فيما يتعلق بالمعامل التي تعرضت للتخريب وبعضها للدمار الكامل، فقد أكد علي أن معمل السورية للغزل والنسيج بين مدمر ومنهوب، الآلات المتبقية غير صالحة للاستثمار بوضعها الحالي، ومعمل الحسكة جاهز للإنتاج ولكن بانتظار تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، في حين باقي المعامل التابعة للشركة مدمرة كلياً وهي: مصابغ حمص- معملي غزل إدلب- الأهلية والشهباء والسجاد بحلب– معمل دير الزور.
ويرى “علي” أن إمكانية إعادة تشغيل تلك المعامل غير مجدية اقتصادياً والفائدة معدومة في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من مواد أولية، ومصادر الطاقة وغيرها.

إستراتيجية معقولة
لكن على ضوء المتوافر من إمكانات، يمكن وضع المعامل السليمة في الاستثمار الفعلي، وتبني استراتيجية تشغيل معقولة، تبدأ بإعادة هيكلية المعامل التابعة، واتباع الأساليب الإدارية والإنتاجية الحديثة، والقضاء على الهدر، والبحث عن المواد الأولية الجيدة والرخيصة، والبحث عن مستثمرين شركاء في الإنتاج، والمطالبة بتحديث القوانين الناظمة لإدارة الشركة، وطرق تأمين مستلزمات الإنتاج.

علي: كل ١٫٥ طن قطن محبوب يساهم في تشغيل عامل واحد لعام كامل وبأضعاف الراتب الحالي

وبالتالي ما سبق يتعلق بالشركات القابلة للاستثمار وإعادة التشغيل، أما فيما يتعلق بالمدمر فقد رأت الشركة البحث عن أفضل الطرق لإعادة تشغيلها واستثمارها، إما عن طريق طرحها للاستثمار المؤقت أو المشاركة، وتحقيق مصالح كافة الأطراف شريكة العمل والإنتاج، علماً أن حجم الخسائر التي لحقت بها جراء القصف والنهب من النظام السابق تقدر بأكثر من 150 مليون دولار.
ونوه علي بأن معظم المخازين تتركز في المعامل السليمة في حمص وحماة، وهذه المخازين قد تم تقدير قيمتها وفق التكلفة الفعلية، مضافاً إليها هامش ربح بسيط، وهو أعلى من قيمتها السوقية بحوالي الضعف، وتسعى الشركة حالياً إلى بيعها بموجب مزاد ووفق أفضل الأسعار.

عودة للواجهة
وأضاف علي: الحكومة ووزارة الصناعة والشركة لديهم التصميم من أجل العمل على إعادة موقع الغزل والنسيج إلى واجهة القطاعات المساهمة في الناتج القومي المحلي، والمساهمة الفعالة في تشغيل اليد العاملة، وتحقيق أعلى قدر من القيمة المضافة لهذه الصناعة.
وللعلم فقط فإن كل ١٫٥ طن قطن محبوب يساهم في تشغيل عامل واحد، ولعام كامل وبأضعاف الراتب الحالي للعامل، وكذلك فإن القيمة المضافة للقطن المحبوب تساوي عشرة أضعاف حتى عشرين ضعفاً عما كان في السابق، ويساهم في رفد الخزينة العامة بالقطع الأجنبي.

للتذكير فقط
معالجة المشكلات واضحة فهي تتركز في قضايا إستراتيجية، والجميع يعرفها في السابق واليوم المتابع لهذا القطاع منذ سنوات مضت، إلا أن الإرادة في الحل كانت معدومة، والأمل اليوم أن تتوفر الإرادة لحل المشكلات والبدء بعملية إقلاع الشركات والمعامل العاملة في قطاع الغزل والنسيج، ليس على مستوى العام فحسب، بل الخاص أيضاً.
ويمكن حصر هذه المعالجة بعدة قضايا أساسية في مقدمتها: معالجة مشاكل الطاقة والمحروقات، والديون والاستيراد والتصدير، وتأمين التمويل اللازم، وتسريع عملية إعادة تأهيل وتشغيل المنشآت المتوقفة والمتضررة، وإعداد ملفات فرص الاستثمار المجدية والتي تتضمن الفائدة لكافة الأطراف، والترويج لإقامتها في المنشآت العامة والخاصة، والأهم من ذلك تشكيل لجنة وطنية عالية المستوى مهمتها الأساسية النهوض بصناعة الغزل والنسيج، ومعالجة المشكلات الطارئة، تضم في عضويتها خيرة الخبرات الوطنية والكفاءات الملمة بواقع الصناعة الوطنية وكيفية إدارة استثماراتها وعائداتها الاقتصادية لزيادة الإنتاجية، والمساهمة بصورة أكبر بالناتج الإجمالي المحلي.

Leave a Comment
آخر الأخبار