الحرية– إلهام عثمان:
في قلب الفضاء الرقمي، حيث تتشكل الروايات وتُبنى الآراء، تتعرض سوريا لهجوم غير مسبوق، حيث شهدت منصة “تويتر (X) “انفجاراً في خطاب الكراهية الطائفي تجاوز 400 ألف تغريدة تحريضية، هذا الهجوم الممنهج والذي تُغذيه مئات الآلاف من الحسابات الوهمية القادمة من خارج الحدود وبمعدل يتجاوز 1000 تغريدة طائفية يستهدف بشكل مباشر النسيج الاجتماعي السوري المتنوع.
ومع ما تشير إليه التحليلات من نشاط منسق لحسابات مصدرها لبنان والعراق إضافة إلى حسابات إسرائيلية والتي تسعى إلى زعزعة الاستقرار عبر بث الانقسام، فما هي أبعاد هذا الهجوم الرقمي الشرس ومن يقف وراء هذه الحملة الممنهجة التي تُهدد السلم الأهلي في سوريا؟
– رنجبال: على الدولة ملاحقة الحسابات الوهمية أو اللجان الإلكترونية المنظمة والمطالبة بمحاسبة الجهة الداعمة دولياً
أشد فتكاً
كشفت الباحثة الاجتماعية ومديرة المعهد المتوسط للاقتصاد الأسري م. رنا رنجبال من خلال حديث خاص لصحيفتنا “الحرية”، أن ما حدث في محافظة السويداء هو جزء من أسباب هذه الحملة الإلكترونية الشرسة، وأنها في حقيقة الأمر متممة لما يدور على أرض الواقع.
مضيفة: لم يعد يخفى على أحد أن أسلحة الحرب الإلكترونية لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية بل هي أشد فتكاً، وذلك لانتشارها السريع بين الناس وبأقل التكاليف من حواسيب مبرمجة وحسابات وهمية، حيث تكثر من التعليقات والمنشورات والتغريدات وحتى الإعجاب مع ملاحظة تشابه المحتوى وأحياناً تكراره ونشر مكثف بنفس التوقيت، والهدف من كل ذلك أن يعمل على تأجيج الصراع الدائر والتأثير على الرأي العام، وبالتالي الحصول على وجهة نظر تخدم الجهة الممولة للهجمة الإلكترونية.
مبينة أن سوريا بعد سقوط نظام الطاغية، والذي لم ينل رضا بعض الدول الداعمة له، تتعرض الآن لأكبر حملة شرسة وممنهجة من هذه الدول لغايات هدفها التقسيم وتمزيق أشلاء المجتمع السوري والمساس بوحدته الوطنية، وخاصة بعدما شهدت وحدة مشاعر كل الطوائف المرحبة بسقوط الطاغية.
– يجب الإمساك بزمام المبادرة والانتقال من وضعية صد الهجمات الإلكترونية إلى وضعية الهجوم عن طريق تعزيز الوحدة الوطنية
منابر
كما أكدت رنجبال أنه منذ السقوط إلى الآن تحولت كثير من مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل ملفت وسريع وبجهود واضحة وممولة، إلى منابر هدفها التعبئة والتغذية الطائفية وبث سموم الكراهية، وإيجاد ميادين لمعارك افتراضية بين مختلف شرائح الشعب السوري.
تجييش إلكتروني
كما أضافت قائلة: لمسنا مؤخراً تصاعد الحملة الإلكترونية وخاصة من بعض المناطق بالعراق ولبنان و”إسرائيل”، والتي بدأت بتكوين جيش إلكتروني، الغاية منه تكوين تبعية فكرية من خلال إنشاء صفحات متنوعة على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر ولاءها لفئة ما وتؤيدها وتشاركها معتقداتها وتعرف مشاكلها وترسم أولوياتها وتحدد انحيازاتها السياسية والقيمية وتوجد بيئة فكرية تناسب تطلعاتها وصولاً إلى كسب ثقتها العمياء.
ثم تنتقل إلى المرحلة التالية المتمثلة بزرع أفكارها المسمومة، إلى أن يعتقد المتابع أن تلك الأفكار تمثله، وبالتالي يبدأ تسريب السم الطائفي وإثارة النزعات المناطقية وزرع الفتنة ونشر البغضاء بين أبناء الوطن، وهو ما يحدث الآن وباحترافية متزامنة مع التصعيد الإسرائيلي، وتآمر بعض السوريين للأسف، على الحكومة السورية وافتعال أحداث أمنية الهدف منها زعزعة الوحدة الوطنية وتأجيج الحس الطائفي لأهداف تقسيمية معروفة.
تحريض عابر للحدود
كما أوضحت رنجبال أن منصة (x) كغيرها من المنصات الإلكترونية والتي باتت الحاضنة الأمثل للذباب الإلكتروني، كما شهدنا بالأيام الماضية والتي ساهمت وما زالت تساهم بتعزيز الانقسام الطائفي.
جهود ووعي
ومن هنا أصبح لزاماً على الحكومة السورية متمثلة بوزارة الإعلام من خلال منصاتها الإلكترونية الرسمية وغير الرسمية الإمساك بزمام المبادرة، والانتقال من وضعية صد هجمات الجيش الإلكتروني إلى وضعية الهجوم عن طريق تعزيز الوحدة الوطنية وتوفير مساحات للحوار الفكري، ونشر قيم التسامح والتعايش السلمي، وتسريع العدالة الانتقالية بين أجزاء المجتمع السوري وأيضاً مكافحة الخطاب السلبي بما يتناسب مع كل مكون من مكونات المجتمع السوري.
وهنا أشارت رنجبال إلى إن الآثار الناتجة عن خطاب الكراهية وتعزيز الطائفية، لا تقف عند مرحلة معينة أو تنتهي عند تحقيق الغاية، وأنها كالسرطان الذي يهدف لتدمير خلايا الجسم السليم منها قبل المريض، وذلك من خلال نشر الضغائن وتعزيز فقدان الثقة بين مكونات المجتمع ككل، وبين مكونات المجتمع والدولة السورية من جهة.
وبالتالي تنقسم الجماعات وتتشتت الصفوف، والتي ستؤدي لاضطرابات اجتماعية واقتصادية تساهم في تفتيت النسيج الواحد الى جماعات متناحرة وضياع العقائد الصحيحة، وأيضاً فقدان الثقة وسوء الظن بين الحكومة ومكونات المجتمع.
ملاحقة الحسابات الوهمية
واقترحت رنجبال أن الحل يبدأ من الدولة السورية ومؤسساتها وذلك من خلال ملاحقة هذه الحسابات الوهمية أو اللجان الإلكترونية المنظمة، والمطالبة بمحاسبة الجهة الداعمة دولياً، والعمل على رفع سوية الوعي عند المجتمع السوري، وخاصة أنه منهك من الحرب وتبعاتها لسنوات طوال، وذلك من خلال الصفحات الوطنية الرسمية ونشر ثقافة الوعي الإلكتروني لمعرفة الخطر الناتج من الحسابات المأجورة وخاصة مجهولة الهوية والانتماء، والتي تأتي بأسماء مستعارة وصورة مزيفة لا تمثلها.
كما نصحت بعدم التفاعل مع مثل هذه الصفحات بتعليق أو إعجاب، حتى لو كان التفاعل لا يصب بمصلحة الخطاب الطائفي وذلك لمنع انتشاره والتركيز على التوعية بحيل الذباب الإلكتروني والتي تعتمد على تزييف الحقاىق.
وختمت حديثها بأنه كلما زاد وعي الشعب لأضرار مثل هذه الهجمات المدارة كلما استطاعت الدولة الحد من تبعات هذه الهجمات الممولة من إسرائيل وأتباعها.