6 أشهر بـ60 عاماً.. انقلاب سياسي دبلوماسي صنع الفرصة التاريخية واغتنمها.. سوريا على رأس طاولة التوازنات الإقليمية والدولية

مدة القراءة 12 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

ما بين فرصة سوريا، وفرصة الشرق الأوسط.. كان هذا هو التحدي الرئيسي الذي واجه القيادة السورية والرئيس أحمد الشرع، وما زال، منذ يوم التحرير في 8 كانون الأول الماضي. كيف يمكن أن يكون عهد التحرير عهدٌ لسوريا القوية المزدهرة، وفي الوقت نفسه عهد لسوريا التي لا تضيع مصالحها وسيادتها وأمنها (وقوتها الهائلة الكامنة سياسياً واقتصادياً) في غياهب صراعات الشرق الأوسط ومصالح دوله المتشابكة/المتناحرة، بينياً ودولياً؟

في 13 أيار الجاري، قبض الرئيس الشرع – عملياً – على فرصة سوريا، وجيّرها لتكون فرصة للشرق الأوسط، من دون تناحر، من دون الدخول في صراعات مع شركاء أو خصوم، لا سابقين ولا حاليين، ومن دون الدخول في حسابات الرابحين والخاسرين. أراد الرئيس الشرع أن يكون ميزان سوريا ميزان للربح فقط، لها ولغيرها شرط أو يكون هذا الغير ملتزماً بمبادئ سيادة سوريا واستقلالها وأمنها، وأيضاً بمصالحها الاقتصادية ورفاه شعبها.

– فرصة سوريا

في 13 أيار الجاري، لم يكن لقاء الرئيس الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجرد خطوة إجرائية، أو استعراض سياسي هدفه مراكمة أوراق قوة على المستوى الفردي، ولم يكن لقاء منعزلاً بذاته ليس له ما بعده.. بل كان لحظة سياسية/اقتصادية مفصلية أعادت سوريا إلى طاولة التوازنات الإقليمية والدولية، ووضعتها في دائرة التركيز الشديد لناحية ما هو قادم لها، ومنها للمنطقة، بعد عقود من العزلة، وبعد 14 عاماً من الحرب والانهيار السياسي والاقتصادي، والاجتماعي.

فرصة سوريا وفرصة الشرق الأوسط .. قيادة الشرع وبناء الدولة أولاً.. السياسة كقاطرة للاقتصاد وإعادة الإعمار

وما زالت سوريا ضمن دائرة التركيز الشديد حيث لم تتوقف التطورات منذ لقاء الشرع- ترامب. وفيما كانت التوقعات بمجملها تتجه نحو أنه لن يكون هناك تطورات مفصلية ما بعد ذلك اللقاء إلا في نطاق الأخذ والرد إلى ما لانهاية، وسيبقى رفع العقوبات حبراً على ورق من دون أي شيء ملموس على الأرض..

.. انهالت الاستثمارات إقليمياً ودولياً وبمليارات الدولارات، لم يكن قرار رفع العقوبات مجرد قرار سياسي أو مالي، بل محطة مفصلية في مسار بلد جُرّد لسنوات من أدوات التنمية والاستقرار.

في غضون أسبوعين فقط بدا وكأن سوريا تحولت إلى أرض مال وأعمال، أرض فرص بلا نهاية… وبالنسبة للسوريين هي «الحرب على الفقر» التي اطلقها الرئيس الشرع، وأعلن عنها بصورة مباشرة الثلاثاء الماضي في كلمته خلال  الفعالية الجماهيرية «حلب مفتاح النصر» التي أقيمت على مدرج قلعة حلب، مؤكداً أن رفع العقوبات كان «أمراً مستحقاً للسوريين من العالم لما بذلوه من تضحيات وسطروه من بطولات». وخاطب السوريين قائلاً: لا تخذلوا أنفسكم فتخذلوا عالماً تعلقت آماله عليكم، الطريق أمامكم ممهد فشمروا عن سواعد الجد وأتقنوا العمل وتفننوا في الإبداع.. أنتم فرصة الشرق في زمن الخراب، وفرصة الاستقرار في زمن الأزمات والحروب، فلنستثمر الفرصة السانحة ولنتكاتف جميعاً ونستعين بالله في معركة البناء وصنع مستقبل مشرق لبلد عريق وشعب يستحق.

ونحن نقول بدورنا: «.. والرئيس يستحق». لم يلتفت لكل ذلك الضجيج والتشويش والتحريض الذي رافقه منذ اليوم الأول، مضى في طريقه وكأنه لا يسمع ولا يرى سوى ذلك الطريق الذي رسمه مسبقاً، وبعد التحرير مشى عليه ليحقق في أقل من ستة أشهر ما عجزت عنه دول.

– بدأنا للتو

مع ذلك لن نقول إن التحديات انتهت، فما زالت كبيرة جداً داخلياً وخارجياً (فاتورة الإعمار هائلة تلامس حاجز التريليون دولار وفق تصريحات وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار أمس الخميس) وهذا أمر منطقي ومفهوم، حيث إن مسيرة النهوض السياسي والاقتصادي بدأت للتو صحيح أن الطموحات والآمال كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تحتاج بصورة دائمة للحماية والتحصين والعمل الدؤوب لتتحول واقعاً، ولتستمر ديمومتها في خط بياني تصاعدي، فتكون النتيجة أن تحمي هذه الديمومة ذاتها بذاتها، لما ستكتسبه مع الوقت من عوامل قوة وحصانة.

لم يكن لقاء الشرع – ترامب مجرد خطوة إجرائية أو استعراض سياسي هدفه مراكمة أوراق قوة على المستوى الفردي ولم يكن لقاء منعزلاً بذاته ليس له ما بعده.. بل كان لحظة سياسية/اقتصادية مفصلية أعادت سوريا إلى طاولة التوازنات الإقليمية والدولية

هنا يبدو السؤال واجباً.. كيف تحقق ذلك في أقل من ستة أشهر، وكيف استطاعت القيادة السورية والرئيس الشرع الوصول إلى هذه النقطة، أي دبلوماسية مكنتها من الإمساك بسياق تاريخي كامل في ذروة التحديات الجيوساسية إقليمياً ودولياً، لتقتنص شهادة /ثقة واعتراف/ دولية بأن عزل سوريا لم يعد خياراً واقعياً، وأنها تستحق وعلى كامل الاستعداد للمرحلة المقبلة بكل تحدياتها وبكل ما ستفرزه تباعاً من تحديات واستحقاقات؟

ورغم أن كل الحديث ينصب على الاقتصاد والاستثمارات إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن السياسة كانت هي القاطرة، وأن الدبلوماسية التي اتبعتها القيادة السورية والرئيس الشرع طوال الأشهر الستة الماضية، هي من قادت بجدارة مسارات السياسة إلى خواتيمها الاقتصادية، التي تمثلت بداية برفع العقوبات الأميركية، ثم الأوروبية، إلى جانب دول أخرى، كاليابان اليوم.

– دعامات الدبلوماسية الجديدة

والسؤال، على ماذا قامت دعامات هذه السياسة، وأي طريق سلكته هذه الدبلوماسية؟

في غضون أسبوعين فقط بدا وكأن سوريا تحولت إلى أرض مال وأعمال..أرض فرص بلا نهاية.. وبالنسبة للسوريين هي «الحرب على الفقر» التي اطلقها الرئيس الشرع مؤكداً أن رفع العقوبات كان «أمراً مستحقاً للسوريين»

تتركز الإجابة بالإجمال عن عدة خطوط رئيسية كانت بارزة، بمعنى معلنة، في سياقاتها وأطرافها وأهدافها النهائية، وكان هناك إصرار على هذه الخطوط الرئيسية رغم كل ما أحاط بها من تشويش وتحريض، كان هناك اقتناع بأن لا بد من:

– عكس الاتجاه بالكامل (دون التصادم مع الاتجاه القديم الذي كان سائداً) ونحن نتحدث عن الخارج بصورة أساسية، كان لا بد من اعتماد الواقعية في التعاطي مع القضايا الإقليمية/الدولية المؤثرة جذرياً على سوريا. هنا تبرز إسرائيل، هذا لا يخفى على أحد. الواقعية هنا تنطلق من أنه لا مزيد من الحروب، وسوريا لن تكون تهديداً لأي دولة، هذا ما قاله الرئيس الشرع منذ البداية. الحروب لن تقود إلا إلى مزيد من الحروب، وإلى تأجيل بناء الدولة، فلنبني الدولة أولاً ونعمل على تحصينها وترسيخ قواعد قوتها. كيف يمكن دخول حرب، أو مواجهة، أو حتى منافسة في ظل حالة اللادولة، وفي ظل انتفاء كل مقومات القوة؟.. كيف يمكن الحديث عن حرب وعن انتصار في ظل بلد يرزح ثلاثة أرباع أهله تحت خط الفقر، وفي ظل نظام يفوت الفرصة تلو الأخرى لاستعادة البلاد والدولة والاقتصاد؟

الحروب لن تقود إلا إلى مزيد من الحروب وإلى تأجيل بناء الدولة.. فلنبني الدولة أولاً ونعمل على تحصينها وترسيخ قواعد قوتها.. كيف يمكن دخول حرب أو مواجهة أو حتى منافسة في ظل حالة اللادولة، وفي ظل انتفاء كل مقومات القوة؟.. 

.. عطفاً، كان لا بد من اغتنام الفرصة التي أحدثها التغيير (التحرير) ويجب اغتنامها كاملة إذا ما كان الهدف استقرار البلاد وتحقيق الأمن والأمان واستعادة المكانة والعلاقات الدولية، وهذا ما يعمل عليه الرئيس الشرع.

– إعادة التموضع

– تصفير المشاكل/الأزمات إلى الحدود القصوى، وهذا يحتاج برغماتية شديدة الحرص والحذر في آن، فلا تتحول إلى تبعية وإملاءات. وعليه بدأت مسيرة بناء علاقات جديدة على المستويين الإقليمي والدولي، بما يعيد التموضع السوري وفق استراتيجية متكاملة مع الداخل.

– استراتيجية اكتساب النفوذ، عبر البناء على نفوذ الحلفاء لتسويق صورة جديدة عن سورية. وكان الحلفاء نعم السند والدعم، هذه الاستراتيجية كانت مفاجئة للجميع تقريباً، لكن الشرع أراد سرعة التحرك والإنجاز، وأنت تنظر إلى المستقبل لا تلتفت إلى الماضي، حتى لو كان ليوم واحد.

في أقل من 6 أشهر كيف استطاعت القيادة السورية والرئيس الشرع الوصول إلى هذه النقطة وأي دبلوماسية مكنتها من الإمساك بسياق تاريخي كامل في ذروة التحديات الجيوساسية إقليمياً ودولياً، لتقتنص شهادة /ثقة واعتراف/ دولية بأن عزل سوريا لم يعد خياراً واقعياً.

– الأهم في اكتساب النفوذ والانطلاق نحو سوريا المستقبل كان «الحامل العربي». هذا ما كان يدركه الشرع مسبقاً، وفي هذا الإطار برزت ثلاث دول رئيسية، السعودية والإمارات (وقطر الحليف الأساسي).. بالإضافة إلى تركيا كحامل إقليمي وهي بدورها حليف أساسي. في البداية بدت ملامح هذا المسار غير واضحة، دول كالسعودية مثلاً لم تكن تخفي حذرها أو لنقل ترددها إزاء القيادة السورية الجديدة، لكنها سرعان ما تخلت عنه لمصلحة أوسع العلاقات مع هذه القيادة، وهذا يعود أساساً إلى دبلوماسية هادئة جداً ومتينة جداً اعتمدها الرئيس الشرع في سبيل طمأنة المستوى العربي، خصوصاً دول وازنة قائدة كالسعودية، أو الإمارات. هذا المسار غير الواضح تحول استراتيجية متكاملة قادت إلى انفتاح أميركي/غربي تدرج وصولاً إلى النقطة المفصلية الأهم، وهي إنجاز رفع العقوبات عن سوريا، ثم توقيع عقود كبرى مع شركات، عربية إقليمية دولية، في أهم حوامل الإنتاج والنهوض الاقتصادي، وهي الطاقة.

التحدي الأهم/ الأخطر كان اقناع السوريين بالسياسات الخارجية خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل واعتماد نهج جديد في التعاطي معها (طالما أن القديم فشل كلياً)

– إقناع السوريين

– التحدي الأهم، أو الأخطر بعبارة أدق، كان إقناع الداخل، إقناع السوريين بهذه المسارات الخارجية. خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل واعتماد نهج جديد في التعاطي معها (طالما أن القديم فشل كلياً)، ورغم اقتناع معظم السوريين بأنه لا بد من كسر حلقة الجمود التي سيطرت طوال عقود مضت، خصوصاً في الـ14 عاماً الماضية من عمر الحرب والتي قادت البلاد إلى حافة الانهيار، إلا أن كسر النهج السائد ليس بالأمر السهل، وإذا ما أضفنا التحديات الأمنية، فهذا يعني أن قيادة الرئيس الشرع كانت أمام تحد مزدوج.

بكثير من الحزم والهدوء والتوازن (والحذر) تم العمل ضمن استراتيجية بمسارات مختلفة ومتقاطعة في آن، وتم تحقيق نجاحات مهمة في استعادة الأمن والاستقرار. صحيح أن بؤراً لا تزال قائمة (ولن نقول مشتعلة) إلا أن لا شيء غير قابل للحل، لا شك في أن التطورات الإيجابية الخارجية انعكست على الداخل بالصورة نفسها. يتابع السوريون كل التفاصيل، يترقبون ويحللون ويجادلون، لكنهم يتفقون في نهاية الأمر أن ما تحقق على المستوى الخارجي هو إنجازات كبيرة، فكيف وهم يرون هذه الإنجازات تتحول إلى اتفاقات دولية كبرى على أرض بلادهم.. وبما يعزز الطموحات والآمال.. مهما كان من حال الداخل وشؤون السوريين وشجونهم، الوطن غالب، ومعه نتفق جميعاً.

رغم اقتناع معظم السوريين بأنه لا بد من كسر حلقة الجمود التي سيطرت طوال عقود مضت إلا أن كسر النهج السائد ليس بالأمر السهل، وإذا ما أضفنا التحديات الأمنية، فهذا يعني أن قيادة الرئيس الشرع كانت أمام تحد مزدوج

لكل ما سبق، وغيره كثير، وحيث التفاصيل والعرض والشرح والتحليلات لا تتوقف عند حد ولا مستوى، يتسع الإجماع، بين السوريين، وعلى المستوى الخارجي، أن سوريا اليوم تتجه نحو المكانة التي تستحقها. وأن قيادتها ورئيسها أحمد الشرع يمهدان كل الطرق في سبل أن تكون سوريا دولة آمنة مستقرة ومزدهرة.. والأيام المقبلة حاكم وحكم لا يوارب ولا يجامل.

Leave a Comment
آخر الأخبار