الحرية -بشرى سمير:
هل شعرت يوماً بأن هاتفك يهتز في جيبك، لتفاجأ بأنه ساكن؟ أو هل تساءلت لماذا تتحسس هاتفك باستمرار حتى دون سماع رنين؟ أنت لست وحدك. إذ تشير دراسات حديثة إلى أن 89% من مستخدمي الهواتف الذكية حول العالم يعانون من “متلازمة هلوسة الاهتزاز الوهمي”، وهي ظاهرة تُظهر كيف تحوّل التكنولوجيا تفاعلاتنا الحسية والعقلية، وتدفعنا إلى عوالم من التوقعات والقلق المُفرط.
أحمد، موظف يعمل في شركة تقنية، غالباً ما يشعر بأن هاتفه يهتز في جيبه خلال الاجتماعات، رغم أن الهاتف موضوع على الطاولة أمامه. هذا الشعور المتكرر جعله يبدأ في تقليل اعتماد هاتفه أثناء أوقات العمل لتقليل هذه الهلوسات الحسية.
أما مريم، طالبة جامعية، فتعتمد بشكل كبير على هاتفها لمتابعة المحاضرات والتواصل مع الأصدقاء، تشعر أحياناً أن هاتفها يهتز أثناء المحاضرة، وعندما تحققت، وجدت أنها لم تتلقّ أي إشعارات بالفعل. نصحها زملاؤها بتقليل الإشعارات غير الضرورية لتحسين تركيزها أثناء الدراسة.
ويؤكد سامر “أعمال حرة” أنه يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، غالباً ما يتفقد هاتفه ظناً منه بوجود إشعار أو رسالة جديدة. ولكن مع تكرار هذه الحالة، أدرك أنها مجرد وهم ناتج عن انتظاره الدائم للتفاعل على منشوراته.
عادات مكتسبة
بدورها، توضح الخبيرة الاجتماعية سوسن السهلي لصحيفة الحرية أن السبب في ذلك يعود إلى العادات الجسدية المكتسبة، مشيرة إلى أن الهاتف أصبح امتداداً للجسد، كما النظارات التي ننسى وجودها أحياناً بسبب الاعتياد عليها.
معاناة متكررة
وترى السهلي أن الأرقام الأكثر إثارة تكمن في تفاصيل تكرار النوبات: إذ يعاني 89% من المصابين من هذه الهلوسة مرة واحدة على الأقل كل أسبوعين.
وتشير إلى أنه وفقاً لدراسات نشرت في دوريات علمية متخصصة، يعاني 9 من كل 10 أشخاص من نوبات متكررة لـلاهتزاز الوهمي، حيث يخطئ الدماغ في تفسير إشارات مثل حركة الملابس أو تقلص العضلات على أنها اهتزازات هاتف ما يؤشر إلى ارتباط الظاهرة بالاستخدام المكثف للتكنولوجيا.
البحث الموجه بالفرضية
بدوره، يشرح الدكتور جهاد الأتاسي اختصاصي أمراض عصبية ونفسية أن المتلازمة تعكس آلية معالجة الدماغ للمعلومات في عصر التدفق الرقمي. فمع تعرض الإنسان لنحو 63 إشعاراً يومياً في المتوسط ، يلجأ الدماغ إلى المرشحات العصبية لتجنب الإرهاق، عبر توقع الإشارات المألوفة مثل اهتزازات الهاتف.
ويضيف: إن العقل يعتمد على ما يسمى البحث الموجه بالفرضية، أي إنه يملأ الفراغات الحسية بناءً على التوقعات، إذا اعتاد على تلقي اهتزازات متكررة، فيبدأ باختلاقها وهمياً.
القلق النفسي
وبين الأتاسي أن الآثار لا تقتصر على الهلوسة الحسية، بل تمتد إلى القلق النفسي. فانتظار الرسائل النصية، أو متابعة تفاعلات منشورات السوشيال ميديا، أو تفحّص البريد الإلكتروني باستمرار، توجد حالة من اليقظة المُفرطة، تجعل المستخدمين في حالة تأهب دائم.
ويلفت الأتاسي إلى أن الدماغ يربط بين الهاتف والمكافأة (مثل الإعجابات أو الرسائل)، ما يدفعه لاستباق الأحداث، حتى لو كانت وهمية.
وتساءل الدكتور الأتاسي: هل يجب أن نقلق؟
رغم إن المتلازمة تصنف كـغيرها ضارة طبياً، إلا أنها جرس إنذار لفهم تأثير التكنولوجيا في بنية الدماغ. فالدراسات بينت أن الاستخدام المفرط للهواتف يقلل القدرة على التركيز المتواصل، ويضعف الذاكرة العاملة. كما إن ظواهر مثل “الرقبة النصية” و إدمان الإشعارات تؤكد أن التكنولوجيا تعيد تشكيل سلوكياتنا الجسدية والنفسية.
مقترحات
لعلاج هذه الحالة تقترح السهلي تفعيل فترات الرقمية، أي إيقاف الإشعارات لساعات محددة.وعند الشعور بالاهتزاز، يحب التحقق من الهاتف دون تسرع. إضافة إلى إعادة ترتيب الأولويات، تخصيص أوقات للتفاعل الحقيقي بعيداً عن الشاشات
ليس مجرد غلطة
وفي نهاية حديثه، يبين الأتاسي أن متلازمة الاهتزاز الوهمي، ليست مجرد غلطة عصبية، بل دليل على أن أدمغتنا تحاول التكيف مع عصر لم تعد فيه التكنولوجيا أداة، بل بيئة حياتية كاملة، وعلينا إعادة تعريف الحدود بيننا وبين أجهزتنا قبل أن تتحول الهلوسة إلى واقع دائم.