الحرية – عمار الصبح :
لم يكن التأجيل الدراسي بالنسبة لطلاب الجامعات مجرد إجراء روتيني سهل وميسر، بل تحول في عهد النظام البائد إلى كابوس مقيت بالنسبة لهم، حمل في طياته قصصاً مؤلمة، باتت بمثابة ذكريات تركوها خلف ظهورهم وهم يتطلعون إلى المستقبل.
كانت رحلة الانتظار أمام شعب التجنيد للحصول على وثيقة التأجيل الدراسي تبدأ منذ ساعات الفجر الأولى، حيث يبدأ توافد الطلاب والاصطفاف في طابور طويل كان يصل إلى المئات منهم يومياً، كان المشهد يتكرر كل يوم وعلى مدى شهور ثلاثة في ساحات ضيقة لا تحمي الواقفين فيها من برودة الطقس ولا من هطول الأمطار.
يصف الطالب أنس حميد ما كان يحدث أمام شعب التجنيد بـ”المهين”، فبالرغم من أن الأمر لم يكن يتعدى سوى دقائق للمصادقة على ما يسمى “مصدقة التأجيل” التي يحصل عليها الطالب من جامعته وتدوين التأجيل على دفتر الخدمة، كان الأمر يطول عمداً كما يقول الطالب، لتمر ساعات الانتظار دون تمكن أقل من نصف الحاضرين من الحصول على الوثيقة، لتبدأ في اليوم التالي رحلة جديدة وانتظار قد يمتد لأيام.
غالباً كان التأخير متعمداً كما يضيف “أنس”، إذ من شأن هذا التأخير أن يفتح باب الابتزاز للعناصر وموظفي شعب التجنيد لإجبار الطلاب على دفع مبالغ مالية لتعجيل حصولهم على الوثيقة وتجنيبهم الحضور في اليوم التالي، وهو ما فتح باب “السمسرة” من قبل أشخاص من خارج موظفي الشعب، الذين كانوا “مفاتيح” لمن هم داخلها، هذا فضلاً عن الواسطات والمحسوبيات والكلمات النابية التي كان يسمعها الطلاب دون أن يتمكن أحد من الاعتراض، والذي وإن حصل يعني حرمان الطالب من الحصول على التأجيل، وتالياً الانقطاع عن دراسته.
ولم يكن التأجيل يقتصر فقط على الطلاب الجامعيين، بل أيضاً كان ينسحب على الشباب المغتربين الذين كان يُفرض عليهم الحصول على مصدقة أيضاً، وهنا يزداد الأمر صعوبة، إذ يتطلب الأمر استخراج حركة عبور للمغترب من أحد مراكز الهجرة وإحضارها الى الشعبة، حيث تتواصل المعاناة وتتنوع فصولها.
يشير الشاب محمد خطاب من منطقة الصنمين، الى أن استخراج تأجيل لأخيه المغترب كان يتطلب منه استنفاراً يمتد لأيام، كان هذا الاجراء المفترض أنه روتيني، أشبه بالكابوس، على حد وصفه، فالتعقيدات هنا أكبر من التأجيل الدراسي، لأن مجرد انقضاء المدة المخصصة لتقديم الأوراق معناه دفع غرامة مالية قدرها ١٠٠ دولار عن كل سنة تأخير.
ولأن صاحب التأجيل مغترب، تبدو المغريات أكبر حسب قول الشاب والذي يتذكر كيف طلب منه أحد العناصر 500 ألف ليرة لإنجاز معاملته سريعاً، لافتاً إلى أن كثيراً من أولياء المغتربين كانوا يتجنبون الذهاب إلى شعب التجنيد خشية الملاحقة أو الاعتقال.
من جهتهم ، ناشد عدد من الطلاب المستنفذين والذين لم يستطيعوا إكمال تحصيلهم الدراسي، الجهات المعنية للنظر في أوضاعهم ومنحهم فرصة جديدة للعودة إلى مقاعد الدراسة مجدداً.
وأشار مجد الصلخدي وهو أحد الطلاب المستنفذين إلى أنه ومع زوال السبب الرئيسي لحصر سنوات الدراسة بمدة معينة، وهي التجنيد الإلزامي وعدم التمكن من الحصول على تأجيل دراسي، لم يعد من دواعٍ لاستبعاد أعداد كبيرة من الطلاب لم يتمكنوا من إكمال دراستهم، إما بسبب الخوف من الملاحقات الأمنية حينها أو بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي حالت دون تمكنهم من إتمام الدراسة، وخصوصاً أن عدداً من الطلاب وقف تخرجهم على بضعة مواد فقط، ما يستدعي على الأقل منحهم دورة تكميلية تعيد لهم أملاً كان مسلوباً.