الحرية – هبا علي أحمد:
من مؤتمر دافوس الذي عقد الشهر الماضي في سويسرا إلى مؤتمر باريس حول سوريا الخميس القادم، إلى قمتي الجامعة العربية في القاهرة وبغداد في الفترة المقبلة وكل ما ذُكر بمشاركة سوريا، ومابينها من زيارات تشهدها البلاد متعددة المستويات والأهداف والأسباب، يرتسم تموضع سوريا الجديدة أو بمعنى أدق دورها ومكانتها وموقعها خارجياً وإقليمياً وتداعيات وانعكاسات ذلك على الداخل السوري، ولاسيما في الوضع الاقتصادي الذي يبدو في كثير من الأحيان والزيارات السورية الخارجية أو بالعكس متقدماً على السياسة وليس مبالغاً القول: إن السياسة مكملة له راهناً بعد أن كان العكس.
الانفتاح المزدوج الذي شهدته سوريا ولاسيما على الإقليم العربي فتح الباب واسعاً أمام التفكير كمرحلة لاحقة وضرورية في إحياء تكتلات اقتصادية واعدة، تفرضها حتمية الجغرافيا والتاريخ واللغة، مثل هذه التكتلات تدفع بالدول العربية لتنتج قوة اقتصادية تؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، ولاسيما في ظل تطور الاقتصادات الدولية وتكتلاتها، فضلاً عن الفوائد المتبادلة العائدة على الدول المعنية في التكتل من حيث تعزيز الإنتاج والعمل العربي المشترك وتقسيم العمل بين الدول.
وإذا أردنا الحديث عن مقومات تحكم أي تكتلات، فإن أكثر مايتوفر منها في الدول العربية، من موارد مادية وبشرية وسوق عربية واسعة، ورؤوس أموال ضخمة مع فرص واعدة للاستثمار، ومساحات جغرافية واسعة إضافية وهذا الأهم الموقع الجغرافي الجيو- استراتيجي للدول العربية.
يُجمع الخبراء أن الاقتصاد يعد القوة الناعمة للدول والذي يُمكن من خلاله لم شمل ما تفرقه السياسة، ويذكر المفكر الأميركي جوزيف ناي في كتابه «القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية»، أن القوة الناعمة لدولة ما أو لمجموعة متجانسة كالعالم العربي، ترتكز على ثلاثة موارد هي: ثقافته، وقيمه السياسية، وسياسته الخارجية. وتستطيع أن تضيف التجارة والاقتصاد والاستثمار، والنفط والغاز العربي، وبناء على ما ذكره ناي فإن العوامل جاهزة في الدول العربية وما ينقص فقط إيجاد أرضية وبيئة مؤاتية للاتفاقات والمشاريع ذات الصلة بما يُنتج حالة من التكامل الاقتصادي تسري تبعاته تكاملاً سياسياً.
مما لا شك فيه أن الدول العربية ونحن في مقدمتها أمام جملة من التحديات والمعوقات التي قد تعترض طريق التكتل والذي بدوره يحتاج إلى تنسيق السياسات الاقتصادية، ورغم أننا تحدثنا كثيراً عن الفرص، لكن اليوم الفرص متاحة بشكل أكبر ولابد من الاستفادة من التجارب السلبية السابقة وتخطيها وصولاً إلى بناء استراتيجيات سياسية/ اقتصادية ذات نفعية متبادلة تنهض بالواقع الاقتصادي العربي- الإقليمي يُمكن أن ننافس به عالمياً.
الأهم اليوم كيف ينعكس ذلك على سوريا الجديدة؟ لا شك أن في مقدمة الأولويات ملف إعادة الإعمار مع التوجه لبناء الاقتصاد، والأكيد أن بناء التكتلات وتفعيل دورها يحتاج إلى وقت ليس بالقليل، والأولويات السورية لاتنتظر، لكن تشكيل لبنة مبدئية لتلك التكتلات تساهم إلى حدٍّ كبير في الملفات السورية المُلحة، ويُمكن القول: إن هذه الزيارات السورية الخارجية والتي بدأت من الإقليم والوفود الغربية والعربية إلى سوريا ومايتم التباحث فيها كلها تُمهد او تعطي دفعاً لأن تكون سوريا ضمن مكانها الطبيعي السياسي والاقتصادي بعد مساعدتها على تحقيق نهضتها الشاملة.
بطبيعة الحال فإن الحضور السوري في المحافل العربية والدولية، سياسياً واقتصادياً، اعتراف عالمي بأهمية الدور السوري في مختلف الملفات التي تشهدها الساحة الدولية.