في ديوانهـا «رفات فراشة».. خلـود شرف تحتفي بِفوضى الاحتمالات

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- لبنى شاكر:

“لا حرج على الهواجس”؛ هكذا تدفع خلود شرف عبء المُساءلة عن ديوانها الأول “رفات فراشة” الصادر عن دار التكوين، فلا حدود للأفكار، ولا ضوابط على الخيال، في ذهنية شاعرةٍ تُشرّع أبوابها أمام فوضى الاحتمالات، حتى إن تجربتها عموماً تخضع لهذه الأريحية المُغرية والانفتاح تجاه كل جديد، بدءاً من حصولها على جائزة ابن بطوطة، وصدور كتابين لها تُرجِما إلى البولندية والإنكليزية، ومن ثم حصولها على عدة منح استضافة ككاتبة، من ألمانيا وأميركا والسويد وبولندا ولاتفيا، وصولاً إلى مجموعتها الشعرية الثانية “أسرار”.

“رفات فراشة” دعوةٌ للتفكير لا لمجرد الاستمتاع بمفهومه الدارج عن طريق فتح تساؤلاتٍ مستمرةٍ

نَهَم الإنسان البدائي
تُؤمن شرف أن تجربتها مازالت في نَهَم الإنسان البدائي، ورغبته باكتشاف كل ما حوله، لذا تستجيب لهواجسها الذاتية من النفس الإنسانية التي سرعان ما تتحد مع فضاءاتٍ أرحب وتساؤلاتٍ أكثر اتساعاً من البسيط المكرَّر. ولأن ديوانها حصيلة سنوات الثورة، وما عايشت فيها من مشاعر مُتقاربة ومُتباعدة، بين التشرد والموت والأمومة والصدق، كان هذا سبباً دفعها لكثير من التعديل على ما كتبته حذفاً وإضافةً وإعادةً من جديد، فكانت لقصائدها إمكانية التشكل مع كل مرةٍ تستسلم فيها لرحلة اكتشاف، لم تنجُ هي نفسها منها كما كتبت بعنوان “ما عرفت نفسي”: ما رميت القصيدة
لأتعثر بظلها
حلمت يوماً أن أرتدي اللون
كي أصير بشراً
فارتديت العنب
وجلست على اللون
أرقب الضباب كيف يغتسل
هاربةً من الإغواء
وأرقب نفسي.

تأمل الشاعرة دوماً ببدايات جديدةٍ لا تمتنع عن رسمها كمن يرسم في خياله باباً أو نافذة نحو عالم آخر

بداياتٌ جديدةٌ دوماً
الكتابة في زمن الجوع والاختناق، تترك أثرها في كل شيء، وفي مفارقةٍ ما، تقول الشاعرة «كالفراشة تماماً»، في تنقلها بين أطوارٍ وأشكالٍ مختلفةٍ رغم حياتها القصيرة قياساً لأيامنا، تترك أثراً ما، في شرنقتها وطيرانها وحتى في موتها الصامت، لذا كانت الحرب رفات، ستنهض منه الحياة مجدداً، ليكون لها كلمتها وصوتها، ومن ثم فإن البحث في كل ما هو كائن أو مفترض، يمتد إلى لغةٍ خاصةٍ، فيها شيءٌ من المراوغة والغموض، تبتعد عن الحسم واليقين والمحدد، وفي كل قصيدة اختصار لحلم أو قصة ما، مرات توجز بالتفاصيل وتفسح المجال لتأويلاتٍ كثيرة، وأحياناً تتكئ على إشارات معينة لتوحي بما لديها، لكنها تأمل دوماً ببدايات جديدة، لا تمتنع عن رسمها كمن يرسم في خياله باباً أو نافذة نحو عالم آخر، وفي قصيدتها «التباس» تقول:
أنا القصيدة التي تمر بي
أقول الكثير كمن يحدّث ماء وجهه
بسيرة الحصان الذي مرّ منسياً على صهوة الخلود
حين أدرك أن الفردوس ضاع
في لوحة «شاغال»
كاد يفلت من لجامه ومن الوقت
فما نجا من نفسه ولا من دور الضحية
وما نجوت على صهوته.

الإجابة دليلٌ على نهاية
في قصائدها تتجاوز شرف المحسوس باتجاه الفلسفي واللامادي، ومع اعتقادها بأنها تبحث عن الحقيقة لكنها تستمتع بالدوران فيها وافتراض إجابات ثم نقضها إلى غيرها، فالشعر عندها مفتاحٌ فلسفيٌّ، ورغم وجودنا في الواقع، نحن لا ندرك حقيقة ذلك بين الواقع والخيال، وهنا مكمن الشعر، في المقاربة بين هذين البعدين، كخيط سرّي يصل كل ما هو حقيقي مع عكسه.

تستحضر الشاعرة أسئلةً ملحةً، بعضها مرهون بالحاضر، وكثيرٌ منها لا يرتبط بزمنٍ أو كينونةٍ ما

وفي السياق ذاته، اشتغلت الشاعرة أيضاً على فكرة الأسطورة، التي فسّرتْ بها البشرية ما عجزت عن فهمه، لذلك لا يمكن أن تكون الكتابة بـ «لغة بسيطة» خياراً بالنسبة لها، كان لا بد من التدرج بين الأسطورة والحالة العقلانية والوعي العلمي، على اعتبار أن الأثر لذلك كله لم يكن بسيطاً قط. وفي ديوانها دعوة للتفكير لا لمجرد الاستمتاع بمفهومه الدارج عن طريق فتح تساؤلات مستمرة، ليست الإجابات غايتها، ففي كثير من الأحيان الإجابة دليل على نهاية.
وفي قصيدة «ورقة الأجاص» تقول:
الشجر الذي يصل الأرض بالسماء مشى
فأوصلني صوتي إلى الأفق وعاد
كدعسوقة تعتقد أن لونها شجرة
رقد خيالي مولياً وجهه للحائط
وذهبت لأعد المربَّيات
كثير من السكر الأبيض
ليحرقني على مهل في فصل الشتاء الطويل.

لا مُسوّغ للتوقف والانتظار
تستحضر الشاعرة أسئلةً ملحةً، بعضها مرهون بالحاضر، وكثير منها لا يرتبط بزمن أو كينونة ما، لكنها لا تقف أو لا ترى مسوغاً للتوقف والانتظار، فكل ما في الوجود ينتظر رفع الوصاية عنه نحو المتداول والمتاح نقاشاً وتأويلاً. وتحت عنوان “مهاجرون” تقول:
عبروا الغيب منهكين
وصلتِ الأشجار قبلهم
ومواءُ القطط
والطيور
والأضواء
التي رأوا وجوههم من خلالها في المرآة
والأحلام عبرت خفيفة كريشة
حتى الكوابيس عبرت
وما دونوه على دفاتر وكتب وأبواب
وما بقي سوى عكازِ أبي
عالقاً على كتفي
فما وصلنا بعدُ إلى معنىً
نحن من صنع الحدود
ونحن من صدّق.

Leave a Comment
آخر الأخبار
كتلة قطبية باردة إلى شديدة البرودة يتخللها فرص لهطول زخات من الثلوج خاصة مساء اليوم وغداً حلب تتحضّر لاستقبال شهر رمضان الكريم.. ومبادرات اجتماعية لمساعدة الأسر المتعففة والأكثر احتياجاً تهدف إلى معالجة الفقر والتمييز والظلم.. ما هو واقع تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية في سوريا؟ القائم بأعمال وزارة الصحة يبحث سبل تعزيز التعاون الصحي مع وفد من الهلال الأحمر‏ القطري مربو الثروة الحيوانية في مأزق.. وخبير يدعو إلى تطوير البادية كخطوة أولى لإنقاذ القطيع ثروة ضائعة استنزفها التهريب والسرقة.. لا إحصائية حقيقية للإبل الشامية و75٪ منها صار في العراق لجوء السوريين إلى مدخراتهم مؤشر على تدهور الحالة الاقتصادية العامة خبير يدعو إلى نظام ضريبي عادل بعيداً عن تكريس حالة الإلغاء للرسوم الضريبية والجمركية ترامب يقود حملة "تطهير" في الجيش الأميركي  مسارات الثقة والتفاؤل تتعزز.. اجتماع أوروبي الإثنين يعلق رسمياً العقوبات على قطاعات المصارف والطاقة ...