الحرية – سامي عيسى:
قطاع الثروة الحيوانية في سورية تعرض لكوارث كثيرة خلال السنوات الماضية، بفعل الكثير من الأحداث، منها الحرب التي طالت كل شيء، وحالات التهريب التي شهدت انتعاشاً كبيراً تحت تأثير ما ذكر، ناهيك بصعوبات التربية وغلاء المستلزمات، وتأمين بدائلها، في مقدمتها الأعلاف التي ما زالت تئن تحت وطأة سلبيات الحرب، وأهل الخبرة في تهريب ثروات الوطن، وبقاء ذلك تحدّ مزدوج “اقتصادي اجتماعي” أمام الحكومة..؟!
خبير الانتاج حيواني لدى منظمة المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة المهندس عبد الرحمن قرنفلة أكد أن استقرارها يحتاج مقومات كثيرة، بعد تعرض الكثير منها للتخريب والتدمير خلال سنوات الحرب، في مقدمتها “مصادر الثروة العلفية”، والتي تعتبر عامل التمكين الأول للثروة الحيوانية، ولا يمكن تحقيق إنتاجية اقتصادية من تربية الحيوان من دون توفير أعلاف بتكلفة منخفضة، ومن مبادئ اقتصاديات الإنتاج الحيواني أن حجم الربح من تربية الحيوان يرتفع كلما أمكن توفير احتياجات الحيوان من مزرعة المربي دون اللجوء إلى الشراء.
تنوع في المصادر
وهنا يؤكد “قرنفلة” على حالة هامة في مجال تربية الثروة الحيوانية، وتجعلها أكثر اقتصادية وإنتاجية، تكمن في تنوع مصادر الثروة العلفية، والتي تحتل فيها المراعي الطبيعية المركز الأول في الأهمية، حيث تعد منذ القديم الطابع المميز للحياة في البادية السورية، والتي تفوق مساحتها عشرة ملايين هكتار منها 7.5 ملايين هكتار تشكل منطقة المراعي الطبيعية للحيوانات والتي تؤمن أكثر من 70% من احتياجاتها العلفية عن طريق الرعي ولمدة /5-7/ أشهر في السنين الخيرة دون الاستعانة بمصادر أعلاف أخرى، وخاصة أن المراعي تعتبر مورداً رئيسياً له أهميته ودوره المتميز في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على التنوع الحيوي وفي حماية البيئة. وتوفير الغذاء للحياة البرية ومازالت تعتبر المصدر الرئيسي لتوفير احتياجات الثروة الحيوانية..
رغم ذلك فقد تعرض هذا الجانب لتأثيرات كبيرة أدت لتدهوره وحدوث تغيرات في بيئته وتقليص مساحته وأيضاً تقلص في إنتاجيته كماً ونوعاً واختفاء كثير من الأصول الوراثية لبعض نباتات المراعي الهامة والانقراض للكثير منها، وإحلال النباتات الغازية والمتزايدة محل النباتات الجيدة، وبالتالي كنتيجة حتمية تحولت كثير من المناطق الرعوية المعمرة إلى مراعي حولية ذات إنتاجية موسمية قليلة الاستساغة. وتدنت إنتاجية الأعلاف الطبيعية في وحدة المساحة، مما أدى إلى اختلال النظم البيئية على الكائنات الدقيقة والنظم الزراعية ودورة الماء.
والنوع الثاني من الأعلاف “المزروعة” ويشمل محاصيل الحبوب كالشعير والجلبان والفول العلفي وغيرها إضافة للأعلاف الخضراء.. والكميات المنتجة منها لا تغطي 30% من إجمالي احتياج الثروة الحيوانية المحلية. وبلغت المساحة المزروعة بالأعلاف الخضراء 44 ألف هكتار فقط، والنوع الثالث يكمن في المخلفات الزراعية والتي تشمل المخلفات النباتية والحيوانية وتبلغ بالمتوسط 12 مليون طن سنوياً منها “أتبان” القمح والشعير وأتبان البقوليات وقشور الفول والبازلاء وقوالح وسيقان الذرة وعروش الفول السوداني، إضافة إلى مخلفات صناعة وغربلة الحبوب وصناعات الكونسروة والمعكرونة، وبقايا صناعة السكر من الشوندر السكري (تفل الشوندر والمولاس)، ومخلفات الصناعات الغذائية والإنتاج الحيواني وغير ذلك من هذه السلسة..
وهذا يقودنا للحديث عن الأعلاف المصنعة، الناتجة عن تصنيع الحبوب العلفية مع نخالة القمح وكسبة بذور القطن أو كسبة حبوب فول الصويا كأعلاف مركزة أو يتم تصنيع أعلاف متكاملة تضم كل من الأعلاف المركزة مع المخلفات الزراعية، وذلك بعد تحسين القيمة الغذائية للمخلفات عن طريق معالجتها ميكانيكياً وكيميائياً، إلا أنها تعمل بأقل من 25% من طاقتها التصنيعية نتيجة عدم توفر المواد الأولية اللازمة للتشغيل.
بعض الحلول
أمام هذا الواقع لا بد من حلول تعيد لهذا القطاع ألقه الاقتصادي والاستفادة من إنتاجيته المتنوعة في استقرار الأسواق وتلبية حاجة الناس، وفي رأي الخبير “قرنفلة” هناك مجموعة من الحلول المتاحة لسد عجز الموارد العلفية عن تلبية احتياجات الثروة الحيوانية منها: خفض أعداد الثروة الحيوانية بما يتناسب والطاقة المتاحة من الموارد العلفية، وهو احتمال غير واقعي نظراً لوجود نقص في المنتجات الحيوانية المحلية أصلاً، وتستورد البلاد كميات كبيرة من المنتجات الحيوانية، والثاني زيادة المساحات المزروعة بالأعلاف: وهو أيضاً احتمال غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توفر مساحات كافية وتعذر تحويل مساحات مخصصة لإنتاج غذاء الإنسان إلى زراعة الأعلاف، والاحتمال الثالث يكمن في استيراد الأعلاف لتغطية حاجة الثروة الحيوانية: وهو أيضاً احتمال غير قابل للتنفيذ في ظل محدودية مصادر القطع الأجنبي المتاح لهذا الغرض، والرابع أيضاً يكمن في الاستفادة من المخلفات الزراعية وذلك عن طريق تحسين قيمتها الغذائية بالمعاملات الميكانيكية / تقطيع وطحن وجرش (المعاملات الكيميائية) معالجة بمحلول اليوريا بالماء أو المعاملة بغاز الأمونيا، وإضافة الأملاح المعدنية والفيتامينات والمولاس لاستكمال قيمتها الغذائية، وتتوفر حالياً مصانع تقوم بعمليات تحضير الأعلاف المتكاملة وبذلك نتمكن من إغلاق الفجوة العلفية البالغة 2.5 مليون طن سنوياً..
إعادة نظر
ومن الملاحظ بدقة تباين أنواع وعروق أصناف الثروة الحيوانية باحتياجاتها من الغذاء والماء ومن المساحة الأرضية، حيث تحتاج الدواجن إلى مساحات أقل من 3 هكتارات لإنتاج 20 كغ بروتين سنوياً، بينما تحتاج الأغنام/ 5 هكتارات/ لإنتاج 20 كغ بروتين سنوياً، وأبقار اللحم تحتاج /6 هكتارات/ وأبقار الحليب من1-3 هكتارات، لإنتاج نفس الكمية من البروتين بالسنة، وتحتاج الأبقار الحلوب إلى 115 لتر مياه شرب باليوم وأبقار اللحم تستهلك 55 لتر ماء شرب باليوم، بينما يبلغ استهلاك النعاج الحلوب 10.4 لترات باليوم بينما استهلاك الألف طائر دجاج تسمين /فروج/ حوالي 450 لتراً باليوم واحتياج الألف طائر دجاج بياض تبلغ 250 لتراً باليوم. وفي ضوء محدودية المتاح من الموارد المائية والعلفية لا بد من إعادة النظر بنسب تركيبة الثروة الحيوانية والتوسع بتربية الأنواع والعروق والسلالات الأقل استهلاكاً للمياه وللموارد الأرضية، بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية وتوفير الاحتياجات الفعلية للثروة الحيوانية من الغذاء والماء، بما يحقق الاقتصادية المطلوبة من الإنتاج الحيواني وتعظيم فائدتها الاجتماعية أيضاً .
للعلم فقط..!
وهنا لا نريد أن نجلد أنفسنا كثيراً ونلقي اللوم هنا وهناك، على حالات التقصير لإنعاش قطاع الثروة الحيوانية، بالشكل المطلوب وذلك لعدم استقرار البلد خلال العقود الماضية، واتجاه التفكير الاقتصادي نحو التصنيع والاستيراد الأمر الذي أدى إلى التراجع المذكور، وهنا يقدم قرنفلة دليلاً على هذا التراجع من خلال مقارنة الإنتاجية في بعض الأصناف في الدول الأخرى والتي تظهر تواضع إنتاجيتها، رغم أن الثروة الحيوانية السورية وراثياً معروفة بامتلاكها قدرات عالية على توريث صفات الإنتاج المرتفع لنسلها، والسلطات البيطرية لم تسجل جوائح مرضية تساهم بخفض إنتاجية الحيوانات، مما يعني أن تلك الحيوانات لا تحصل على احتياجها الحقيقي من الغذاء ومن الرعاية..
نعم لدينا حيوانات “جائعة..”، حيث يبلغ متوسط إنتاج البقرة الحلوب من الحليب في سورية 2500 كغ بينما يبلغ متوسط إنتاج البقرة في الدول المتقدمة 8500 كغ وتصل إلى 10000 كغ في بعض الدول، كما يبلغ وزن ذبيحة البقر في سورية 117 كغ، بينما وزن نظيرتها في الدول المتقدمة يتجاوز 227 كغ. وهذه الأرقام تنسحب على باقي أصناف الثروة الحيوانية من أغنام وماعز وإبل ودواجن.
بحاجة لإعادة نظر على مستوى عالٍ من المسؤولية الوطنية لإنقاذ ما تبقى من قطاع الثروة الحيوانية ومصادر البقاء في مقدمتها الثروة العلفية.