تفاؤل وتساؤل.. بيدرسون في دمشق هذا الأسبوع فهل يعود بالمهمة نفسها أم إن «التحوّل» في سوريا يفرض تعديلها؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

في جلسة حوارية السبت الماضي ضمن مؤتمر ميونيخ/ ألمانيا الذي اختتم أعماله الأحد الماضي.. مازح وزير الخارجية أسعد الشيباني المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، متوجهاً إلى الحضور، قائلاً: «إذا أردتم معرفة ما إذا كان الوضع في سورية يدعو إلى التشاؤم أو التفاؤل، فإن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها السيد بيدرسون مبتسماً.. وهذا مؤشر جيد».
وردَّ بيدرسون: لم يمضِ ثلاثة أشهر على التحول في سوريا، أعتقد حتى الآن أن الأصدقاء في دمشق يقولون أموراً صائبة ورسائلهم جيدة جداً، وما أسمعه من السوريين جميعاً أنهم يريدون أن ينجح هذا التحول، ولا يستطيعون تحمل إخفاق آخر، هذه الفرصة تأتي مرة واحدة فقط ويجب اغتنامها من قبل السوريين.
على هذه الأرضية الإيجابية المتفائلة يستعد بيدرسون لزيارة سوريا، التي ستتم خلال هذا الأسبوع وفق المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك.

لأول مرة يزور بيدرسون دمشق على أرضية متفائلة منذ تعيينه عام 2018 خصوصاً وأن الزيارة تتزامن مع انطلاق الجلسات التحضيرية للحوار الوطني

لا شك أن أجواء الجلسة ستكون حاضرة في أذهان السوريين. هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها بيدرسون دمشق على أرضية متفائلة منذ تعيينه في منصبه عام 2018 (خلفاً لستيفان دي ميستورا) خصوصاً وأن الزيارة تتزامن مع انطلاق الجلسات الحوارية للجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري.
وسبق لبيدرسون أن زار دمشق، والتقى السيد الرئيس أحمد الشرع مرتين (في 12 و 20 كانون الأول الماضي).
السؤال المطروح اليوم حول زيارة بيدرسون المرتقبة، ليس تحديداً ماذا يحمل، بل السؤال: هل يزور دمشق بالمهمة نفسها ما قبل التحرير في 8 كانون الأول الماضي؟
المفترض أن لا تكون المهمة نفسها، أو على أقل أن يكون هناك تعديلات عليها وفق مسار التحول في سوريا وتطوراته التي يشيد بها بيدرسون ويراها صائبة وجيدة جداً.
اليوم لم يعد هناك أزمة سياسية أو ميدانية تحتاج إلى حل، لم يعد هناك أزمة بين السلطة والسوريين، وبيدرسون يعلن بلسانه أن المرحلة الانتقالية تتناسب مع القرار الأممي 2254، بمعنى أنها تستجيب لمتطلباته. هذا إعلان مهم جداً على اعتبار أن الأمم المتحدة (والمجتمع الدولي بالعموم) لطالما تمسكت بالقرار 2254 وأكدت أنه أساس الحل السياسي في سوريا في عهد النظام البائد. (وللتوضيح فإن بعض القلاقل الأمنية في هذه المحافظة أو تلك، لا يمكن ادراجها بالمطلق في سياق أزمة ميدانية، بل هي مسار طبيعي للتحول الجذري في البلاد.. حتى ما يخص المكون الكردي، ففي النهاية سوريا الجديدة أبوابها مفتوحة لجميع أبنائها).
دوجاريك الذي أعلن عن الزيارة قال إن بيدرسون «سيستكمل اتصالاته مع مسؤولي حكومة تسيير الأعمال وممثلين عن مختلف شرائح المجتمع».

إذا كان بيدرسون يرى أن التحول في سوريا فرصة تأتي مرة واحدة فقط فإن نجاح هذا التحول لا يتوقف على السوريين بل على المجتمع الدولي أيضاً

الآن.. إذا كان بيدرسون يرى أن السوريين لا يستطيعون تحمل إخفاق آخر، وأن التحول في سوريا اليوم هو فرصة تأتي مرة واحدة ويجب اغتنامها، فهذا المسار لا يتعلق بالسوريين فقط أو بقيادتهم الجديدة، بمعنى أن نجاح أو إنجاح التحول، بعبارة أدق، هي مسؤولية يقع عاتقها على مستويين: السوري، والأممي/الدولي… وعليه فإن مهمة بيدرسون يجب أن يُعدل عليها، أو لنقل  يُضاف إليها بنود جديدة تدعم هذا التحول وتسهم في نجاحه.
هنا تبرز بالدرجة الأولى مسألة العقوبات الدولية المفروضة على سورية أيام النظام البائد، والتي لم يعد هناك من مبررات لاستمرارها خصوصاً وأنها تقف جداراً ضخماً في طريق القيادة السورية الجديدة وجهودها في سبيل تعافي البلاد والعباد.
وقد تطرق بيدرسون مرات عدة لهذه المسألة وطالب بإلغاء العقوبات، والجميع تقريباً يتفق أن ما يسمى «هواجس ومخاوف» متعلقة بالقيادة الجديدة والعملية الانتقالية هي في حدها الأدنى، إن لم تكن منتهية.
وللتوضيح، فإن تعبير «الحد الأدني» لا يشير بالضرورة إلى حقيقة الحال، بقدر ما يشير إلى «هامش» تحتفظ به قوى دولية، إفساحاً للمناورة والكسب، في سياق مسارات التفاوض التي تجري، ففي النهاية السياسة عملية قائمة على فن الممكن، وعلى الكسب، واقتناص الفرص، وهذا ما تفعله جميع الدول، وبدرجة أكبر (وأخطر) الدول الكبرى.
يفيد هنا العودة إلى جلسة مؤتمر ميونيخ، لاستكمال رد بيدرسون على وزير الخارجية أسعد الشيباني. بيدرسون قال: هناك الكثير من القرارات التي يجب أن تصدر في دمشق وينبغي أن تكون صائبة، ليس هناك مجال للخطأ، يجب أن نرى بداية آذار المقبل حكومة جديدة شاملة.

هنا يمكن ملاحظة ذلك «الحد الأدنى» فرغم «ابتسامة» بيدرسون وحديثه عن إجراءات صائبة وجيدة جداً من قبل القيادة السورية الجديدة وبما يتناسب مع القرار 2254 إلا أن المطلوب لم يكتمل بعد، وما زالت كلمة «يجب» حاضرة.
هذا لا ينفي بأي حال مسار التفاؤل الذي يتسع كل يوم، مدعوماً بنشاط عربي/ دولي مهم وبارز ومستمر تجاه سوريا الجديدة وقيادتها، ورئيسها أحمد الشرع.. ولا يقلل من أهمية زيارات بيدرسون طالما أن سوريا تنشد التعاون والدعم، وتعمل على أن يكون على أسس تحقق المصلحة والكسب لها كدولة وشعب.

Leave a Comment
آخر الأخبار