بقلم: ناظم عيد – رئيس التحرير:
لم يُحسمِ القرار بعد، ومازال رؤيةً أوليةً لخيارات التعاطي مع أكبر قطاع إنتاجي مُمأسسٍ في سوريا، القطاع الصناعي الحكومي الذي طالما وصفه محبّو الإنشاء بأنه “قطاع الريادة التنموية”، وآخرون رأوا فيه قاطرةَ التنميةِ الحقيقية، في إمعانٍ غريب بالإطناب والدفع المعنوي لمؤسساتٍ لم تنجح يوماً في الثبات بمنتجاتها حتى أمام منافسة سلعٍ يتسلل بها المهربون من وراء الحدود إلى الأسواق المحليّة، ومصير معظمها كان في مستودعات الكساد الخانق.. والآن باتت “رجلاً عجوزاً” نختلف في وجهات النظر بشأن التخلص منه.
وإن كان وزير الاقتصاد والموارد في الحكومة السورية الانتقالية، قد أفصح عن إمكانية خصخصة 107 شركات حكومية، فإن ذلك لا يعني أن الأمر مبتوت فيه وغير قابل للنقاش، ونستغرب بالفعل سبب عدم تداول “أهل الرأي” لآرائهم في هذا الشأن، على الرغم من أهميته وحساسيته، وبالتالي ضرورة الحوار الخلّاق للوصول إلى أفضل الصيغ التي تضمن أكبر عائدٍ للدولة.. وفي المحصلة الشعب.
وإن كان ثمة مساحةً للرأي هنا، قد تكون مناسبةً لاستقطاب آراء أخرى ولو مختلفة ومتباينة، فإننا نرى أن الموضوع جدليٌ يحتاج إلى دراسة متأنية قبل القرار، وهذا الموضوع بالتحديد كان محور عمل لجانٍ كثيرةٍ على مرّ سنوات غير قليلة، تناوبت على دراسة خيارات معالجة القطاع العام الصناعي المتهالك.. وما لم يعلن صراحةً في خلاصات عمل كل اللجان، هو أن المشكلة في الإدارات، إن على مستوى آليات الاختيار، أو شخص المدير، وهو تشخيصٌ مسكوتٌ عنه لأسباب لا يمكن أن نرجعها إلا إلى بيئة الفساد المستحكمة بالبلاد، والإبقاء على هذا القطاع.. لا عام ولا خاص.. بل “خصوصي”.. وسنشرح:
لقد انحصرت الاستفادة الحقيقية من معظم مؤسسات القطاع العام -الصناعي بالدرجة الأولى- بشخص المدير العام المُعيّن عبر سلسلة مقترحاتٍ وتدابير شكليةٍ، تفضي بمسؤولية الإدارة غالباً إلى شخصٍ توافقي طيّع.. مرنٍ.. وليّنٍ.. وتكون مهمته المعلنة إدارة المؤسسة أو الشركة، ومهمة الظل هي الجباية وجمع العائدات المجزية، وهذا ما قد لا يوافقنا عليه كثير من الأصدقاء المسكونين بالنيات النبيلة، ولهؤلاء نسأل على عجالة: بماذا تفسّرون أن يخرج مدير عام شركة- توالت الميزانيات الخاسرة فيها لسنوات وسنوات- كناجٍ وحيد من الخسارة، والرابح الوحيد.. وصاحب العلاوات التراكمية الوحيد، ليؤسس إما مشروعه الخاص، أو ليصبح من أصحاب الإيداعات الدولارية في بنوك الجوار.. وقد تكون البنوك اللبنانية شاهداً في يوم من الأيام عندما تتكشف المستجدات عن أسماء المودعين السوريين هناك.
إذاً مشكلتنا في القطاع العام مشكلة نمط إدارة وبالتالي إدارات يوردهم قانون العاملين ويزكيهم الفساد غالباً لتبوؤ مراكز وظيفية متقدمة، ويعلم كثيرون أنه حتى الوزراء لم يكونوا يملكون القرار الحاسم في إسناد مهمة مدير عام إلى شخص يرون فيه ما فيه من كفاءة مشفوعة بالنزاهة.
الإدارة.. هي الحلقة – اللغز في مجمل حكاية القطاع العام السوري، وهذا يعني أنه من الأفضل تركيز العناية في المعالجة هنا مبدئياً، وعدم الذهاب بسرعة إلى قرار التخلّي المطلق بيعاً وخصخصةً.
لدينا في سورية قوانين تسمح بالتشاركية بين العام والخاص، وإن كانت غير كافية لتغطية الإجراء.. يمكن سنّ تشريعات جديدة عندما تتبلور المؤسسة التشريعية الجديدة “مجلس الشعب”..
والواقع هناك أصول من الأفضل بيعها، لكن ثمة أخرى يمكن أن تُطرح للتشاركية الفاعلة، بحيث تبقى مصدراً لعائدات تبدو الدولة بأمس الحاجة إليها لتلبية استحقاقات كبيرة جداً.
وبرأينا فإن اعتماد خيار الاقتصاد الحر.. لا يمنع مطلقاً احتفاظ الدولة بأصول دسمة.
ففي الاقتصاد الحرّ هناك مفهوم الصناديق السيادية التي تدير أصولاً متعددة الاختصاصات والاتجاهات بين المالي والإنتاجي والخدمي.
خيارات كثيرة في الواقع.. علينا ألا نستعجل اعتمادها.. فمازلنا بحاجة لدراسات مكثفة يجب ألا تطول كثيراً، ثم قرار سريع لكن ليس متسرّعاً.