تهدف إلى معالجة الفقر والتمييز والظلم.. ما هو واقع تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية في سوريا؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- حسيبة صالح:

العدالة الاجتماعية هي مجموعة من المبادئ والقيم التي تهدف إلى تحقيق التوازن والإنصاف في توزيع الموارد والفرص بين أفراد المجتمع، وتشمل مجموعة متنوعة من الجوانب بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتهدف إلى معالجة الفقر والتمييز والظلم الاجتماعي من خلال تبني سياسات وإجراءات تضمن تحقيق المساواة والإنصاف.
منذ القدم وحتى اليوم تبحث الناس عن العدالة، فهل تطبق فعلاً؟ أم إنها شعار فقط؟.. بهذا التساؤل بدأت الدكتورة هناء برقاوي أستاذة في قسم علم الاجتماع، اختصاص علم الاجتماع الجنائي والقانوني بجامعة دمشق، حديثها لصحيفة الحرية، مضيفة: تعني العدالة الاجتماعية بمفهومها العام كونها أحد المبادئ الأساسية التي ينبغي تطبيقها في أي مجتمع من أجل العمل على تحقيق المساواة والإنصاف في المجتمع، وإذا طبقت لن يحتاج أي منا للشكوى من الظلم، وتتفاوت العدالة الاجتماعية من خلال المسؤولين عن تطبيقها في المجتمع عندما لا يطبقونها بشكلها الصحيح والقائم على تطبيق القوانين في المجتمع وغياب القضاء العادل المعني أصلاً بحفظ الحقوق لضمان وصول كل فرد في المجتمع للعدالة.

لعل أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم المساواة في المجتمع هو غياب التوزيع العادل للحقوق، (مع عدم فهم الواجبات والقيام بها) وقلة الفرص، وعدم توزيع الموارد بين أفراد المجتمع جميعهم، كما أن عدم المساواة يتجلى بكون العدالة الاجتماعية عند الغالبية مفهوم موجود على الصعيد النظري فقط وغائب عن التطبيق والممارسة العملية فالقانون موجود والقاضي يحكم ولكن لمصلحة من يحكم؟ وكيف يطبق القانون؟

التعليم
وفي السياق تضيف برقاوي: يعد التعليم هو الأساس وحجر الزاوية ليس فقط في تعزيز العدالة الاجتماعية، بل هو الضمانة الأكيدة لبناء مستقبل أفضل للجيل الحالي كما للأجيال القادمة، ويلعب التعليم دورا أساسياً في تطوير المجتمعات على كافة الأصعدة، حيث يُساهم في تحسين الواقع الاقتصادي من خلال تمكين الأفراد وتزويدهم بالمهارات التي تتيح لهم الانخراط في سوق العمل وهم مسلحين بالمعرفة والمهارات اللازمة التي يتطلبها العمل.
وهنا لا بد من التأكيد على إعداد المعلم الواعي الذي بفضله يمكن الوصول إلى العدالة الاجتماعية من خلال تعليم طلابه الحقوق والواجبات وكيفية الوصول لحقوقهم دون المساس بحقوق الآخرين أو التعدي عليها.
والمعلم المجتهد هو الذي يحدث الفرق بين الطلاب، ويترك بصمته الإيجابية عندما يتناقش معهم حول موضوع العدالة الاجتماعية ويعقد جلسات عملية لتصل إلى أذهانهم بشكلها الصحيح.

برقاوي: أهم الأدوات تكمن في الاستخدام الصحيح للقانون

مبادىء أساسية
وتبين برقاوي بأن أهم الأدوات تكمن في الاستخدام الصحيح للقانون، ومن المعلوم أن العدالة الاجتماعية لا بد أن تستند إلى مبادئ أساسية تعد بحد ذاتها أدوات تحقيق العدالة، لعل منها احترام كرامة الإنسان، وهو أحد حقوقه بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه وطائفته وهي الأهم.
مردفةً: لا بد من تجاوز الطائفية لأننا كلنا سواء، ونعيش في ذات البقعة الجغرافية، وبتجاوز الطائفية يمكن لنا أن نكون طبقنا إحدى أدوات العدالة إضافة إلى  تكافؤ الفرص، والتضامن المجتمعي الذي يمكن أن ينقلنا نقلة نوعية من مجرد “أنا إلى النحن”.
كما وتهدف العدالة الاجتماعية إلى ضمان الوصول العادل إلى الخدمات الأساسية؛ كالتعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق لأفراد المجتمع جميعهم، بحيث لا يبقى شخص بلا عمل وبلا مردود، مما يخفف من ظاهرة انتشار المتسولين والنشالين وغيرها من المظاهر الانحرافية.

دور المجتمع
أما عن دور المجتمع المدني، فتوضح برقاوي أن له دوراً كبيراً في العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع كافة العاملين في المجتمع من الجهات الحكومية المعنية بالأمر.
ولعل المراقب لعملهم في سوريا إبان الثورة يجد أن النضال لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير متطلبات الناس التي فقدت حقوقها، وهناك الكثير من العاملين في المجتمع المدني والناشطين في حقوق الإنسان لعبوا دوراً كبيراً ودفعوا أثمان غالية كلفت البعض حياتهم في سبيل تحقيقها.
ولتأدية المجتمع المدني لدوره لا بد من أن يتمتع  بالاستقلالية والنزاهة من أجل مواصلة العمل لتوفير الكرامة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف المكفولة لجميع افراد المجتمع.
كما ويساهم المجتمع المدني يومياً في تعزيز وحماية وتحسين حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم.

ومهما اختلفت تسميتهم –المدافعون عن حقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، نقابات المحامين، النوادي الطلابية، نقابات العمال، المعاهد الجامعية، المدونون أو الجمعيات الخيرية التي تعمل مع فئات عرضة للتمييز-، فإن العناصر الفاعلة في المجتمع المدني تعمل لأجل مستقبل أفضل وتتشارك في أهداف عامة لتحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية.

كما وتقوم العناصر الفاعلة في المجتمع المدني بتأدية عملها في مجال حقوق الإنسان عبر عدة طرق من أهمها: حمل هموم المواطنين، العمل على رأب الصدع في المجتمعات التي تعاني من الصراعات، الدفاع عن الفئات التي تعاني من التمييز أو الحرمان، تبادل المعلومات، مناصرة ومراقبة تنفيذ معايير حقوق الإنسان،
التبليغ عن أي انتهاكات تتعلق بهذا الموضوع، ولعل تجربة عملهم في سوريا خلال الثورة وما بعدها تظهر بوضوح دورهم الفاعل في القيام بكل ما سبق، قائلة: نعول على القائمين في المجتمع المدني توخي الحذر في اختيار موظفيهم لتجنب حصول انتهاكات من قبل العاملين أنفسهم، فبدلاً من أن يكونوا مصدراً لتوثيق للانتهاكات، يكونون هم أحد منتهكي الحقوق وهذا يصب في مصلحة الهدف الأساسي من عملهم وهو تحقيق العدالة الاجتماعية.

واقعها في سوريا
وعن تطبيق العدالة الاجتماعية في سوريا تقول برقاوي : بالنظر إلى المحاكم، تبقى قضايا المواطنين المدنية سنوات دون الوصول إلى قرار قطعي يعطي مثالاً عن الوصول أو عدم الوصول إلى العدالة الاجتماعية.. والمعتقلون السابقون في أقبية السجون السياسية سابقاً خير مثال على عدم تطبيق العدالة الاجتماعية
للمعتقلين الذين تم صدور قرارات بإعدامهم، خلال جلسة واحدة ودون التأكد من أدلة الإدانة تعطي صورة واضحة عن تطبيق العدالة الاجتماعية في سوريا سابقاً وما خفي كان أعظم.

لم تكن تطبق في سوريا لذلك لا بد اليوم من الاحتكام للقوانين واختيار ووضع القضاة العادلين

وأكدت برقاوي أن العدالة الاجتماعية في سوريا لم تكن تطبق، ولكي تطبق لا بد من الاحتكام للقوانين واختيار ووضع القضاة العادلين الذين يحكمون بالعدل لتحقيق العدالة الاجتماعية، فهي أساس بناء مجتمع متقدم ومستدام من خلال تبني سياسات وإجراءات تضمن تحقيق المساواة والإنصاف، وبناء مجتمع يسوده السلام والازدهار، ويحقق العدالة الاجتماعية ما يتطلب جهوداً متكاملة من الحكومة والمجتمع المدني والأفراد.

Leave a Comment
آخر الأخبار