الحرية – مها سلطان:
لا شيء خرج للعلن عن اجتماع الرياض «الأخوي» ولا نأتي بجديد هنا، فهذا كان أمراً متوقعاً.. وعليه عادت الأنظار لتتركز على القمة العربية الطارئة التي ستستضيفها مصر بعد تأجليها من 27 شباط الجاري إلى 4 آذار المقبل، حسب المعلن حتى الآن، والتي تبحث ملفاً واحداً هو مستقبل قطاع غزة، في ظل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على تهجير أهله بشكل أساسي، ثم مطالبة ترامب الدول العربية الرافضة لخطته أن تضع «خطة بديلة أفضل».
ورغم أن اجتماع الرياض جاء مقتضباً نوعاً ما، ومن دون صور كاشفة، ورغم أن السعودية حرصت على الإعلان أنه اجتماع ودي/أخوي/ غير رسمي، وبالتالي الهدف هو التشاور وليس تصدير اتفاق نهائي.. إلا أن هناك شبه إجماع على أنه اجتماع حاسم ونحن على بعد 10 أيام فقط من القمة العربية الطارئة.
هناك من يعتبر أن هذه القمة ستعقد تحت مظلة اجتماع الرياض أياً يكن من شأن تغيير التسمية، من قمة خماسية مصغرة، إلى اجتماع أخوي غير رسمي. وربما في هذا بعض مبالغة. يجب ألا ننسى هنا أن أطرافاً رئيسية لم تكن حاضرة، خصوصاً الطرف الفلسطيني، إلا إذا اعتبرنا أن اجتماع الرياض كان يركز على مصر والأردن باعتبارهما الطرفين المعنيين بخطة ترامب، وبالتهديد المباشر الذي تفرضه عليهما، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية أن التركيز على بحث خطة بديلة كانت مصر أعلنت أنها تعمل عليها وأنها شبه منتهية.
هل يمكن السماح بالفشل؟
أيضاً هناك من يعتبر أن اجتماع الرياض- الذي لم يخرج عنه شيء للعلن – يجعل التوقعات مفتوحة فيما يخص القمة العربية الطارئة، بما في ذلك توقع الفشل. فهل في هذا مبالغة، هل يمكن السماح بالفشل؟
ربما.. وربما نحتاج عملياً لانتظار انعقاد القمة.
لكن السؤال المفترض هنا بناء على مجمل التوقعات التي تنحو باتجاه تشاؤمي، هو: هل أن اجتماع الرياض انتهى حقاً إلى لا شيء؟
المجتمعون في الرياض آثروا – ربما – أن تبقى التوافقات غير مُعلنة بانتظار أن تعرض رسمياً في القمة الطارئة، فتكتسب صفة رسمية عربية في المناقشات وفي القرارات النهائية
يبدو من المبالغة طرح هذا السؤال، فكيف بالإجابة عليه. لا شك أن الاجتماع اتسم بأكبر كم من الصراحة والشفافية في مناقشة مسألة قطاع غزة ومستقبله (وحل الدولتين بالعموم كون خطة ترامب تلغيه باتجاه دولة اسرائيلية فقط). ربما آثر المجتمعون أن تبقى التوافقات التي تمت غير مُعلنة بانتظار أن تعرض رسمياً في القمة الطارئة، فتكتسب صفة رسمية عربية في المناقشات وفي القرارات النهائية. فريق واسع من المراقبين لا يميلون لقراءة اجتماع الرياض على أنه مجرد اجتماع عادي، بل هو محطة مهمة، أو لنقل تمهيد لاتفاقات نهائية، قد يتم إعلان بعضها في القمة الطارئة.
جديد ترامب
سؤال آخر يُفترض أن يتم طرحه هنا ويتركز حول تصريحات ترامب أمس، والتي تزامنت مع اجتماع الرياض (وقبلها تصريحات مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف قبل يومين). والرأي السائد أن ترامب تعمّد هذا التزامن، علماً أن تصريحاته تم وضعها في إطار «التراجع قليلاً» بهدف ترك هامش مناورة ربما، عبر النزول قليلاً عن أقصى التصعيد، حيث أن ترامب في تصريحاته الجديدة لم يكرر تهديده المعتاد بتحويل المنطقة إلى جحيم إذا لم يتم حل قضية قطاع غزة، وبما يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية.
ترامب قال إن خطة لغزة «ليست إلزامية» وإنما هي «مجرد توصية». وأضاف: خطتي جيدة، لكنني لا أفرضها، وسأكتفي بالتوصية بها. وجدد ترامب أن غزة مكان غير صالح للعيش، ولو ترك الخيار لسكانه لاختاروا المغادرة. وأكد أن الولايات المتحدة ستلعب دوراً رئيسياً في تطوير غزة «ولن تكون هناك حماس» وفي نهاية المطاف فإن «الولايات المتحدة ستمتلك غزة حسب خطتي».
قبل يومين، تحدث ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، في الاتجاه ذاته، مشيراً إلى أن خطة ترامب أسيء فهمها، وأنها لا تعني إخلاءً قسرياً لأهل غزة.
الإدارة الأميركية تقول بأن ترامب أراد بخطته استفزاز الدول العربية للتفكير والبحث بما هو قابل للتطبيق في غزة وترى أنه نحج في ذلك؟
ويتكوف اعتبر أن ترامب أراد أن يحث (بمعنى يستفز) الدول العربية للتفكير «بما هو قابل للتطبيق في غزة وما هو الحل الأفضل للشعب الفلسطيني». وقال: خطة ترامب أثارت نقاشاً في جميع أنحاء العالم العربي حول أنواع من الحلول لم يفكروا بها من قبل، وهذا أمر جيد.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن ويتكوف كان يتحدث أمام جلسة لمؤتمر مبادرة الاستثمار – FII – تحت عنوان: «هل بدأ عصر التعاون الاقتصادي بين أميركا والشرق الأوسط». وفي هذا دلالة على أن التركيز الأميركي ينطلق اقتصادياً لحل أعقد وأخطر قضايا الشرق الأوسط.
تحرّك جدّي
بكل الأحوال، ربما كان في كلام ويتكوف الشيء الكثير من الصحة. عملياً قادت خطة ترامب إلى هذا النقاش على مستوى العالم العربي، وقياساً لحجم الاستفزاز الذي أثارته الخطة فإن التحرك كان واسعاً، وجدياً هذه المرة، وصولاً إلى عقد قمة طارئة، مروراً باجتماع الرياض الذي أثار بدوره الكثير جداً من التوقعات باتجاه ما ستخرج به القمة العربية الطارئة.
في الأيام العشرة المقبلة، ما قبل القمة الطارئة، قد تتكشف بعض الأمور حول اجتماع الرياض وما دار من نقاشات ومواقف، وقد يكون الكشف متعمداً لضرورات التمهيد والتحضير على مستوى الرأي العام العربي لاتجاه مختلف (مفاجئ) قد تخرج به القمة الطارئة.. وقد لا يتكشف أي شيء. قد يكون المتفق عليه أن تترك الأمور ليتم الكشف عنها دفعة واحدة في القمة الطارئة.. كل شيء متوقع، لننتظر ونر.