الفنانة نورا مراد: أخشى أن يكون النظام سقط لكن بقيت ثقافته فينا  

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- بديع صنيج :

لطالما استطاعت الممثلة والفنانة الحركية ومؤسسة فرقة ليش “نورا مراد” أن تُعلي من صوت أفكارها الفريدة، وأن تُبقي تفكيرها خارج الصندوق، بعيداً عن الرضوخ للسائد وكل ما هو تقليدي، إذ لطالما آمنت بضرورة الريادة في كل مجال، وأن يكون الهاجس الفكري هو الأساس في إنشاء أي مشروع ثقافي، فدون ذلك تبقى أساسات بنائه ضعيفة ومضعضعة وقابلة للانهيار في أي لحظة.

هذا الفهم جعلها في مواجهة مستمرة مع المؤسسات الثقافية الرسمية، وتدافع عن استقلالية مشاريعها بكل ما أوتيت من قوة لذلك، وبالمثل فإنها تمنح شركاءها نصيبهم من الحرية بلا أي نوع من التأطير أو الإقصاء، فهي لا تُريدهم روبوتات بل فنانين ينطلقون معها في فضاءات عالم المسرح الحركي الرحبة بكل ما ينضوي تحته من أسئلة الفن والثقافة الأصيلة والوعي بالمتغيرات.

البناء على الأسئلة

وفي حوار مع صحيفة الحرية أوضحت “مراد” أنها أسست فرقة ليش عام 1999، وحينها لم يكن هناك أي مسرح حركي في سوريا، ولا خريجين من قسم الرقص، لذا ركزت أول خمس سنوات على ورشات عمل وتدريب الراقصين والتجريب مع الجمهور، وفي عام 2005 بات لديها فريق أسست معه طريقة عمل مبنية على الأسئلة من مثل: أين نحن كمجتمع اليوم؟ وماذا نريد أن نقول؟ وكيف نقوله لا سيما في إطار العلاقة بينها كمصممة حركة مع المؤدي الذي لديه حصة تفوق الخمسين بالمئة من التصميم لأنها تعتمد على لغة جسده، وذلك وصولاً إلى 2006 حيث بدأ فريقها بمشروع “هويات” وهو عبارة عن بحث في الطقوس الاجتماعية والدينية الخاصة ببلاد الشام، وفيه قدموا عرضين وأبحاثاً نظرية وكان يتم التحضير لكتاب لكنه توقف في عام 2011، وكذلك الفرقة كلها توقفت لخمس سنوات، إذ لم يكن من الممكن أن يفكروا بأي مشروع فني وهناك دم في الشارع، لذا فإن جزءاً كبيراً من فريقها تفرغ للعمل الإغاثي.

وفي عام 2015 عادت نورا بورشة عمل بين راقصين وممثلين وقدموا عرضاً في مطعم بباب توما، ثم عرض “بقاء” عام 2016 و”معانقات” عام 2018.

هذان العرضان غيَّرا تماماً التوجه والشكل والموضوع والبحث الذي كانوا يعملون به في السابق، ثم جاءت الكورونا فقرر الفريق أن يبدأوا العمل أونلاين تدريباً وعروضاً، ورغم أن تجهيز ذلك استغرق عدة سنوات إلى يوم سقوط النظام، حينها كان القرار بالعودة إلى المسارح، واليوم تسعى مراد مع فريقها ليفهموا ويكتشفوا ما يحصل في البلد، وما رأيهم فيه وكيف سيساهمون في تعزيز ذاك الرأي فنياً.

الوصاية الثقافية

وفي حديثها عن الاستقلالية والوصاية الثقافية قالت نورا: الجسد كبصمة الإصبع، وهو ليس فقط شكلاً خارجياً، وإنما ارتباط التعبير الحركي بالتفكير والجسد العاطفي وكل العملية الداخلية للراقص، بمعنى أن الاستقلالية الفنية موجودة في المسرح الحركي كنوع، وكانت متوفرة بعملنا قبل 2011، لأننا مثلاً في 2003 قررنا الخروج خارج المسارح، وكان الهدف الأساسي بناء علاقة مع المتفرج وأن نشعره أنه شريك حقيقي بفضاء واحد، لذا كانت عروضنا بمثابة رحلة تشاركية نساهم فيها مع الجمهور بالفهم والعاطفة، وفي عام 2016 عدنا إلى المسرح ليس لأننا فقدنا الصلة مع المتفرج، بل لأنه لم يكن هناك إمكانية للعمل في الأماكن البديلة وسط الوضع الأمني المتوتر”.

وأضافت: “الاستقلالية كلمة يعاد تعريفها دائماً، فهل تعني أنني مستقل مادياً؟ أم أنني أتحدث بلا رقابة؟ أم لدي رأي مختلف بما يحصل حولي من نتاجات فنية وأسعى لإبداء هذا الرأي بعملي لأخلق تنوعاً فنياً أكبر؟ أنا أنتمي إلى عائلة الأب والأم فيها يعملان بالمؤسسات الثقافية، وجزء من عملهم المعارض للحكومة هو سعيهما للإصلاح من داخل المؤسسة، أما جيلي فيرى أن أهالينا مخطئون ويحاربون طواحين الهواء، فقررنا من البداية أن نتخلى عن العمل مع تلك المؤسسات لأننا مستقلين، أما اليوم فتعنيني جداً وزارة الثقافة وأفكر بها حتى قبل فرقة ليش، لأنه من دونها لا وجود للفرقة ولا للفن، مع العلم أننا لم نكن نحارب الوزارة كمؤسسة، وإنما نتجنب التعامل معها فقط.

تابعت نورا: “بتصوري الشخصي ثمة خطوة أولى صعبة جداً، وهي أن نعترف أننا لا نعرف ما معنى إعادة البناء، كما أن الاتكاء على خبراتنا السابقة لن يقدم شيئاً مهماً. أعتقد أنه أمامنا كعاملين بالثقافة تحدٍ كبير هو مع أنفسنا: كم نعرف حقيقة ماذا ينبغي أن نعمل؟ ومدى واقعية رؤيتنا في ظل الخوف أو الاستعجال؟ برأيي هذه فوضى، ومقاومتها صعبة جداً، إذ ثمة طاقات كبيرة لكن هناك كم هائل من الأخطاء لم يتم التوقف عندها أو الاستفادة منها”.

هل بقيت ثقافة النظام فينا؟

وفي العلاقة مع المؤسسة الثقافية قالت مراد: “بالطبع لدينا ملاحظات عليها، وهناك جهد بُذل في المعهد العالي للفنون المسرحية خلال فترة الثورة هو جهد جبار لمدرسين وأساتذة لم يكتفوا بتدريس الطلاب، وإنما حافظوا على السلم الأهلي حقيقةً، كنا نجرب المحافظة على تلك الثقافة، واليوم نخشى أن يكون النظام سقط لكن بقيت ثقافته فينا من دون أن نعرف”.

وأضافت: “عمري الآن 52 سنة وواجبي كمواطنة سورية الانتباه كم بقي فيَّ من ثقافة النظام، وما مقدار الجرأة لدي للاعتراف بذلك والسعي لأن أغيره. الموضوع ليس ذي صلة فقط بالمؤسسات، وإنما بإعادة البناء عموماً، والمسألة لا علاقة لها بإعادة هيكلة وزارة الثقافة والمؤسسات وآليات العمل، فهذا سهل، لكن الخطورة أنني أرى أن أغلب الدوافع للعمل هي ما دون وطنية، يحكمها الحماس فقط، الخوف فقط، من دون وعي لما يحصل على الأرض، وماذا بإمكاننا أن نفعل، وكيف يمكننا أن نكسر قلة الثقة بيننا وبين النظام الجديد في ظل المخاوف والتباعد المتبادل بيننا، لكن الثقة تحتاج إلى أن نقترب من بعض، لذا شعاري في هذه المرحلة هي إعادة التقييم والتعلم من جديد.

Leave a Comment
آخر الأخبار