معرضُ «من سِنان إلى دي أراندا»… موسيقا الهندسة المعمارية!

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – جواد ديوب:

أقامَ (مركزُ دراسات الماجستير لترميم المباني التاريخية وإعادة تأهيل المواقع الأثرية) معرضاً بعنوان (من سِنان إلى دي أراندا)، في دار فخري البارودي الدمشقي وبدعم من جامعة دمشق – كلية الهندسة المعمارية، حيث قدم فريق العمل المكون من ثلاثين طالباً وطالبة صوراً و(ماكيتات) مصغرّة ورسوماً هندسية تخطيطية ولوحات مرسومة بطريقة النقش والزخرفة والتظليل الشفيف… قدّموا مخططاتهم التي اشتغلوا عليها لتوثيق أبنية أثرية وتاريخية عريقة في دمشق وحلب، هدفهم من ذلك حسبما قالوه لصحيفة الحرية:
أولاً: محاولة الحفاظ على تلك الأبنية بأكثر ما يمكن من القرب والدقة لشكل المخطط الأصل الذي بنيت عليه كنوع من توثيقٍ للقيمة التاريخية والهوية الثقافية للبلد.
وثانياَ: تسهيلاً لعمليات ترميم ما هو متضرر ومهدم من تلك المباني بما يزيل عنها التشويهات التي طالتها بفعل عمليات الترميم الخاطئة ونوعية مواد البناء غير المناسبة.

تقاطعاتٌ حضارية وهندسية!
المهندسة ساندي قره جيلي خريجة مركز البارودي للتراث تُحدِّث جريدة (الحرية) حول فكرة إقامة المعرض، وتقول:
“اكتشفنا نحن طلاب مركز البارودي للدراسات المعمارية أن لدينا مشاريع هندسية وتقاطعات بين المعماريَين سِنان المولود في كهرمان في الأناضول لعائلة مسيحية/أرمنية عام ١٤٩٠ والذي أصبح كبير المعماريين في الإمبراطورية العثمانية وشغل هذا المنصب لمدة نصف قرن، وبين المعماري (فرناندو دي أراندا تولد ١٨٧٨ في مدريد إسبانيا) خاصة أنهما تركا لنا أجمل تشكيلات معمارية لأبنية صارت معالم دينية أثرية ومقاصد لطلاب الفنون والمهندسين وللزوار الأجانب”.
قره جيلي توضح لنا أكثر: “ندرس تاريخَ الأبنية من الوقفيّات التي مرت عليها بموجب وزارة الأوقاف؛ بمعنى كيف تم التخطيط للبناء بحيث يحتوي مثلاً على جامع أو اثنين وحوله يوجد رواقان مع مطابخ وغرف للفقراء والمساكين، وندرس الحالات التاريخية التي مر بها البناء ثم نعتمد التوثيق الهندسي عبر مخططات دقيقة جداً نعتمد فيها على برامج تقنية كمبيوترية لتعطينا قياسات دقيقة ثلاثية الأبعاد تمكننا من رؤية شاملة للأبنية، ثم ندرس الأضرار الإنشائية للمبنى وما هي ضرورات تدعيمها إنشائياً والمواد اللازمة لذلك”.

انهداماتٌ وتجفيف جائر!
المهندسة قره جيلي( وهي مشاركة في المعرض أيضاً بمشروعها عن أحد تصاميم المعماريّ سنان) تشير إلى أن “هناك أبنية تضررت بفعل الزمن وأخرى جرت عليها مفاعيل الحرب، وأكمل عليها الإهمال المقصود من الناس أو التأهيل الخاطئ أو الأحداث الطبيعية من زلازل أو انهدامات في التربة. في التكية السليمانية مثلاً اكتشفنا العديد من “التخبيصات” والأخطاء القاتلة التي ارتكبها مكتبٌ هندسي استقدمته الأمانة السورية للتنمية، اكتشفنا كمية التشويهات التي ارتكبت بحق مشروع ترميم التكية!”.
*ماذا عن الانهدامات في أرضية المدرسة المجاورة للتكية؟! نسألها.
تقول: “سببها التجفيفُ الجائر في أبنية مجاورة ضخمة منها قديم مثل مجمع يلبغا أو الفندق الضخم المقابل والذي تسبب عبر الزمن بهذه الانخفاسات في تربة التكية والجامع والمدرسة فيها.. لأن الأعمدة الحجرية الحاملة للسقوف كان قد فكر المعماري سنان بتدعيمها بأعمدة خشبية غائصة في تربة نهر بردى مع الانتباه الذكي لموضوع الانهيارات في كتفيّ النهر ونوعية التربة.”

صورٌ توضيحية!
ضم المعرض أيضاً تفاصيل السيرة الذاتية للمعماري خواجا سنان مشروحة في لوحات قياس وسط مع صور توضيحية حيث نقرأ أنه صمم عام ١٥٣٥ جامع علي باشا في ديار بكر، وصمم التكية السليمانية عام ١٥٥٤ بدمشق ثم ألحقت بها المدرسة السليمانية علم ١٥٦٦، كما صمم جامع محي الدين بن عربي بدمشق، ومجمع الخسروية في حلب (مهدّم بالكامل اليوم بحسب كلام وصور المهندسة ساندي) وأن المعماري سنان كان يضع المخططات، ويتم التنفيذ بأيدٍ سورية محلية… توفي سنان عام ١٥٨٨ عن عمر ٩٨ عاماً ودفن في الضريح الذي صممه بنفسه في استانبول، وطبعت صورته على ورقة نقدية تركية.

نوطةٌ موسيقيةٌ مقابِلة!
أما المعماريُ (فرناندو دي أراندا) فقد جرت في دمه جينات الموسيقا التي اكتسبها من والده الموسيقي عازف البيانو والذي عاش زمناً طويلاً في استانبول، لذلك تأثر (دي أراندا) بأجواء السلطنة هناك وانتقل إلى دمشق عام ١٩٠٦ وعاش فيها وفاز بتصميم مخططات محطة الحجاز في المسابقة التي شارك فيها مهندسون معماريون من جميع الجنسيات. استقر أراندا هنا في دمشق/منطقة الحلبوني، وتزوج للمرة الثانية من (صبرية حلمي) وأشرف بنفسه على تنفيذ ما صممه من تحفٍ معمارية لها بصمته الموسيقية مثل:

عام ١٩٠٦ مبنى العابد (حيث كلفه أحمد عزت باشا العابد أمين سر السلطنة العثمانية بتنفيذ المخططات).
عام ١٩١٧ بناء محطة الحجاز بدمشق.
عام ١٩٢٤ فندق زنوبيا الذي نزل به الملك ألفونسو الثالث عشر والكاتبة أغاثا كريستي.
عام ١٩٣٠ بناء جميل مردم بك وبناء خالد العظم (بين الربوة ودمر) وبناء مديرية الأوقاف اتجاه القصر العدلي)، ومقر المصرف التجاري السوري.
عام ١٩٤٠ صادقَ على بناء قصر العدل الذي صممه عبد الرزاق ملص، وصمم بناء مسجد المرابط في المهاجرين.

زينةُ المعرض!
بالنسبة لي؛ كانت زينةُ المعرض هي نسخٌ مصورة عن لوحاتٍ لفنانين سوريين مثل لؤي كيالي ومحمود حماد وميشيل كرشة وخالد معاذ… رسموا فيها تلك الأبنية بتعبيريتهم أو برهافة تلك الروح التي ترفرف حول المكان كأنها روحُ معمارييها.
وتم عرض المخططات الهندسية لتلك الأبنية في منزل فخري البارودي في حي القنوات الدمشقي وفي القاعة الفخمة بقيمتها الرمزية حيث غنت فيها أم كلثوم وعبد الوهاب، وضمت جلسات تاريخية لثوار دمشق زمن الاحتلال الفرنسي.

Leave a Comment
آخر الأخبار