الحرية- زهير المحمد:
تتصاعد روائح الطبخ في أزقة أحياء المدن القديمة قبيل ساعة من موعد الإفطار، ويعرف الجيران الذين تتعانق جدران بيوتهم على الوجبة الرئيسة في كل بيت من بيوت الحي ، ومن تلك الوجبة هنالك عدة أطباق سوف توزع على الجيران، وغالباً ما يتم التأكد ممن ليس لديهم وجبة مشابهة وهذا يعتمد على التقصي من خلال تبادل الأطفال للمعلومات أو على حاسة الشم أو من خلال لقاء النسوة أو الدردشة الهاتفية.
وبالتالي فإن “سكبة رمضان” كانت في دمشق وفي معظم المدن والقرى السورية أحد أهم طقوس الإفطار الرمضاني باعتبارها مفتاحاً للبركة وللمشاركة والتعاون والتعاضد بين الجيران الذين يتبادلون أطباق الطعام الشهية، وتتنوع الأطعمة على موائدهم حتى وإن اكتفت العائلة بطهو نوع واحد إلى جانب الشوربة والسلطات، فيما تكون السكبة للجيران الفقراء هي نوع من المساندة وعمل الخير.
وربما لم تعد سكبة رمضان كما كانت في الماضي حيث فرضت الظروف الاقتصادية الصعبة على الكثير من الأسر الاكتفاء بالحد الأدنى من مستلزمات الإفطار، لكن هذا الموروث الشعبي يدفع الكثيرين لتنفيذه مرات عديدة في الشهر ، بينما كان في السابق طقساً يومياً أضف إلى ما كان يقوم به الموسرون والجمعيات الخيرية بتوزيع وجبات الطعام أو إقامة موائد الخير، فكيف لا ورمضان شهر الخير والبركة تعزز فيه روح التعاون والإيثار وعمل الخير وصلة الأرحام التي تتكامل مع الطقوس الإيمانية الأخرى.
عادة متوارثة
المواطنة ثناء هيثم أوضحت أن “سكبة رمضان” من العادات السورية المتوارثة في الشهر الفضيل، اذ لا يهنأ الجار بإفطاره، إلا إذا أرسل صحناً لجاره في البناية أو الحي، مضيفة: بكل تأكيد انعكست الأوضاع الاقتصادية الصعبة سلباً على هذه العادة الرمضانية الجميلة والمحمودة إذ انحسرت قسرياً لدى الكثير من العائلات ولاسيما لدى ذوي الدخل المحدود، فكل شيء بات غالي الثمن وبالكاد تتمكن الأسر من تحضير وجبة إفطار متواضعة تكفي أفرادها.
تعزيز الألفة
المواطن سمير محمد أكد أن “سكبة رمضان” موروث جميل وقديم تناقلناه من الأجداد، هدفه تعزيز الألفة والمحبة، وهي نوع من التعاون والتعاضد بين الجيران، مؤكداً أنه على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة إلا أن هناك الكثير من الأسر مازالت تتمسك بهذه العادة الرمضانية، مضيفاً: حتى لو كانت مكونات “السكبة” متواضعة كصحن “شوربا” أو “مجدرة” إلا أنها بكل تأكيد تعني الكثير من المحبة والتعاضد، وليست أمراً للتفاخر بما لذ وطاب من الطعام.
مبادرات
وظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة على صفحات “الفيس بوك” العديد من المبادرات التي تدعو لتفعيل “سكبة رمضان”، ويقول أحد المنظمين لمبادرة سكبة رمضان على صفحته “نحن بحاجة للمساهمات الفردية التي هي صحن وسكبة من طبختكم، صحن مهما كانت نوعية الطبخة، يمكن إرسال السكبة مع ابنك الصغير أو ابنتك، لتزرعوا فيهم حب عمل الخير ومساعدة الفقير حتى لو بالقليل، وفي حال لم يكن لديكم أحد يوصل السكبة فريقنا جاهز للقدوم الى باب البيت ويستلم السكبة.
تغيرت أنماط الحياة
الباحث الاجتماعي أحمد المحمود أوضح في تصريح خاص لصحيفة “الحرية” بأن تطور المجتمعات والحالة الاقتصادية والاجتماعية للأسر وتعقيدات الحياة كلها تلعب دوراً مهماً في تغير العادات وطرائق التعاون والتواصل بين الجيران، ونجد أن المجتمعات الريفية وسكان الأحياء الشعبية في المدن هم الأكثر تمسكاً بالعادات والتقاليد، لأن ظروف الحياة البسيطة تفرض عليهم التعاون لمواجهة الصعوبات الحياتية سواء أكان من خلال تبادل أطباق الطعام في شهر رمضان، أو في الأيام الأخرى أو من خلال استعارة الخبز أو الطناجر أو الأدوات المنزلية الأخرى أو طلب المساعدة في إنجاز عمل ضمن البيت أو خارجه، حيث نجد في الأرياف أن الجيران كانوا يتساعدون في جني المواسم قبل أن تتعاظم سطوة المال ومن كان يساعد في جني الزيتون من جيرانه يتلقى المساعدة في جني العنب أو التين أو مواسم الحصاد.
وأضاف: أما الآن فقد بات النقد على الأغلب يحسم الأمر ويحدد الأجر، أما سكان المدن للأسف وفي كثير من الأحيان فقد لا يجتمع الجار مع جاره الذي يسكن في ذات البناء وربما يسكن في الشقة المقابلة، وربما في المدن يستطيع الإنسان أن يحصل على السلعة التي يريد إن كان يملك المال أما في الريف فقد يتعذر الحصول على ما تريد في الوقت الذي تريد وهذا ما يجعل الاستعانة بالجوار أو الاستعارة أو تبادل الطعام أو الخدمات مسألة حتمية في كثير من الأحيان.
مسألة اخلافية
وبحسب المحمود فإنه فيما يتعلق بسكبة رمضان فإن الكثيرين ما زالوا يعدّونها مسألة أخلاقية ودينية وموروثاً يعتزون بالتمسك به رغم ضيق ذات اليد وخاصة في هذا الشهر الفضيل الذي يتطهر فيه الإنسان من كل النوازع الأنانية ويسمو بفكره وفي ممارسته ليرقى إلى الإفادة من كل ما تقدمه المدرسة الرمضانية من قيم دينية وروحية وأخلاقية.