المؤسسات العلمية البحثية تفتقر إلى توحيد المعايير العلمية.. وخلل في ميزان التقييم البحثي

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – محمد زكريا:
مضت عقود من الزمن على تأسيس المؤسسات العلمية البحثية في سورية، ولم تستطع هذه المؤسسات مجتمعة إلى الآن توحيد معاييرها العلمية، وما زالت رهينة النشر الكمي للأبحاث من دون النظر في التأثير والجودة لقيمة هذه الأبحاث، الأمر الذي يضعف القيمة العلمية لهذه الأبحاث، ويقلل من حضورها على المستوى العالمي.
حيث يُعدّ تقييم الأداء البحثي للباحثين أمراً جوهرياً في تطوير البحث العلمي، وبالتالي تعتمد المؤسسات الأكاديمية والبحثية العالمية على مقاييس محددة لتحديد مدى تأثير الباحث وإنتاجه العلمي، ومن بين أهم هذه المقاييس معامل هيرش (h-index) ومؤشر HI، اللذان يقيسان الإنتاج العلمي للباحث وتأثيره من خلال عدد الاستشهادات التي تحظى بها أبحاثه، هذه المؤشرات لا تقتصر على عدد الأوراق البحثية المنشورة، بل على جودة وتأثير تلك الأبحاث، ما يجعلها أدوات أكثر دقة وموضوعية في تقييم النشاط البحثي.

الجباوي: الوضع يستدعي إدراج مؤشرات التأثير العلمي، مثل h-index وHI، كجزء أساسي من معايير تقييم الباحثين في سورية

مصداقية التقييم
لكن للأسف في سورية، وحسب عدد كبير من الباحثين المحليين، إن معايير التقييم في المؤسسات البحثية السورية لا تزال تعتمد بشكل أساسي على عدد الأبحاث المنشورة من دون الأخذ بعين الاعتبار تأثيرها العلمي الحقيقي، وبالتالي فإن المقاييس في التوصيف العلمي داخل المؤسسات البحثية السورية تعد خطوة ضرورية لضمان تقييم عادل ودقيق لنشاط الباحثين، فهذا المنهج لا يساعد فقط في تحديد مدى مساهمة الباحثين في إنتاج المعرفة، بل يعزز أيضاً من مصداقية التقييم الأكاديمي، ويؤثر إيجابياً على قرارات الترقية الأكاديمية، ومنح التمويل، وأيضاً على استراتيجيات البحث العلمي.
كما أن إدراج هذه المعايير من شأنه أن يشجع الباحثين على التركيز على جودة أبحاثهم، بدلاً من السعي لنشر أكبر عدد ممكن من الأوراق البحثية من دون مراعاة التأثير العلمي الفعلي لها، وهذا بدوره يسهم في تطوير البحث العلمي، ويجعل المؤسسات البحثية السورية أكثر قدرة على المنافسة على المستوى الدولي.

غياب للمعايير الحقيقية
عضو لجان التحكيم للأبحاث العلمية العالمية الدكتورة انتصار الجباوي، أشارت إلى أن المعايير الحقيقية التي تعكس جودة وتأثير الأبحاث غير مدرجة في أنظمة التقييم في معظم المؤسسات البحثية والجامعات السورية، الأمر الذي يحدّ من تطوير البحث العلمي ويجعل التقييم أقل دقة.

تختلف في التفاصيل
وأوضحت الجباوي في تصريح خاص لصحيفة الحرية أنه توجد في سورية معايير عامة لتقييم الباحثين، لكنها تختلف في التفاصيل بين المؤسسات البحثية ، فحسب القانون رقم 14 فإن معايير التقييم قد تتباين وفقاً لخصوصية كل مؤسسة بحثية، ما يعني أن لكل مؤسسة حرية وضع معاييرها الخاصة طالما أنها تلتزم بالإطار العام المذكور في القانون. لكن المشكلة تكمن في أن القانون المذكور يمنح مجالس إدارات المؤسسات البحثية حرية تحديد المعايير التفصيلية، وهذا يؤدي إلى غياب توحيد المعايير العلمية الدقيقة التي تقيس الأثر الحقيقي للباحث، فبعض المؤسسات لا تزال تعتمد بشكل أساسي على عدد الأبحاث المنشورة من دون الأخذ بعين الاعتبار جودة الأبحاث وتأثيرها الفعلي في الوسط العلمي، وهو ما يجعل التقييم غير متوافق مع المعايير العالمية الحديثة التي تعتمد على مدى الاستشهاد بالأبحاث وجودتها العلمية.

دور اللغة كعامل حاسم
وأضافت: إن هذا الوضع يستدعي إدراج مؤشرات التأثير العلمي، مثل h-index وHI، كجزء أساسي من معايير تقييم الباحثين في سورية، ما يضمن قياس الأثر العلمي الحقيقي بدلاً من الاكتفاء بعدد الأوراق البحثية المنشورة فقط، كما أن توحيد معايير التقييم بين المؤسسات البحثية والجامعات سيساعد في إيجاد بيئة أكثر شفافية وإنصافاً، ويشجع الباحثين على التركيز على جودة أبحاثهم وتأثيرها العلمي بدلاً من مجرد النشر الكمي، منوهة بأنه لا يمكن تجاهل دور اللغة كعامل حاسم في انتشار الأبحاث العلمية، فالكثير من الباحثين ينجزون أبحاثاً متميزة، لكنها تظل غير معروفة عالمياً بسبب حاجز اللغة.

إجراءات استراتيجية
ولفتت الجباوي إلى أنه لضمان تطور البحث العلمي في سورية، لا بد من اتخاذ إجراءات استراتيجية، تتضمن إدراج معامل هيرش ومؤشرات التأثير العلمي في التقييم الأكاديمي، بحيث يتم قياس جودة الأبحاث وتأثيرها الحقيقي بدلاً من الاعتماد فقط على عدد المنشورات، إضافة إلى تعزيز مهارات اللغة الإنجليزية لدى الباحثين من خلال دورات متخصصة في القراءة الأكاديمية والكتابة العلمية، ما يسهل عليهم الوصول إلى الأبحاث الحديثة ونشر أبحاثهم في مجلات عالمية مرموقة، مع تشجيع النشر العلمي في مجلات دولية والتعاون مع باحثين من مؤسسات عالمية، ما يزيد من انتشار الأبحاث السورية، ويعزز الاعتراف بها على مستوى أوسع، فضلاً عن تحفيز الباحثين على متابعة أحدث الأبحاث والتقنيات عبر منصات النشر العلمي، والاستفادة من قواعد البيانات العالمية مثل Scopus وWeb of Science..

تحول حقيقي
وأمام ما تم ذكره، فإن تطوير البحث العلمي في سورية يتطلب تحولاً حقيقياً في آليات التقييم الأكاديمي، بحيث يتم التركيز على تأثير البحث وجودته بدلاً من عدّه مجرد رقم في قائمة المنشورات، إضافة إلى ضرورة إزالة العوائق اللغوية من خلال تحسين مهارات اللغة الإنجليزية لدى الباحثين، وبالتالي سيؤدي إلى رفع مستوى الأبحاث المنشورة وزيادة تأثيرها عالمياً، وعليه فإن امتلاك الباحثين للأدوات الصحيحة، سواء كانت مؤشرات تقييم علمية دقيقة أو مهارات لغوية متقدمة، سيضمن لهم موقعاً متقدماً في الساحة العلمية العالمية، وسيسهم بشكل مباشر في تطوير مجتمعاتهم وتعزيز مكانة البحث العلمي السوري على الخريطة الدولية.

Leave a Comment
آخر الأخبار