الحرية- لمى سليمان:
تقاس قوة البلدان المزدهرة بقدرتها على النهوض بعد سنين حرب أتت على جلّ مرافقها واقتصادها ولم ترحم يدها العاملة. ويقاس نجاح عملية إعادة إعمارها بتنسيق أولوياتها وتنظيمها من الألف إلى الياء بتحديد المهم والأهم والعاجل والإسعافي. وإيذاناً ببدء عملية إعادة الإعمار، أصبح من الضروري ترتيب هذه الأولويات وفقاً لأهميتها وحاجتها وحاجة المصلحة العامة.
وفي الحديث عن أولويات عملية إعادة الإعمار، يتحدث المحلل الاقتصادي والخبير في شؤون الاقتصاد الدولي د.علي محمد عن نقطتين أساسيتين تعتبران “حصان السَبق” في إعادة الإعمار؛ أولهما إصلاح البنية التحتية بما يندرج ضمن هذا المصطلح المتشعب من مصطلحات فرعية، وثانيهما التنمية الاقتصادية وما تعقبها من نتائج تُلقي بظلالها على الأفق الاقتصادية داخلياً ودولياً.
محمد: الأولويات هي إصلاح البنية التحتية بما يندرج ضمن هذا المصطلح المتشعب من مصطلحات فرعية والتنمية الاقتصادية
الأولوية للأكثر تضرراً
يتحدث د. علي محمد عن أن الأولوية في الفترة المقبلة هي للبنية التحتية التي تعرضت لدمار كبير سواء كشكل جزئي أو كلي. وقد تباين هذا الدمار بين المحافظات السورية لتشكل حلب وريفها وكذلك ريف إدلب وريف دمشق وحمص نسباً كبيرة في الدمار والتضرر، ولذلك تبرز إعادة إعمار البنى التحتية كضرورة بالغة الأهمية في المرحلة المقبلة.
وحين نتحدث عن البنى التحتية فالمقصود بها شبكات المياه وشبكات الكهرباء والصرف الصحي وكذلك الجسور والطرقات مروراً بالمنافذ الحدودية سواء أكانت برية أو بحرية كالموانئ أو جوية كالمطارات، ويشكل هذا الموضوع النواة الأساسية لبقية الأولويات التي سيتم ذكرها تباعاً.
وحسب محمد فإن إعادة تأهيل هذه المفردات سيكون لها دور كبير في تأهيل الأولويات الأخرى فعلى سبيل المثال تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي توفير أبسط الخدمات الواجب توفيرها للمواطن السوري والتي تضررت خلال الحرب.
وكذلك بالنسبة لإصلاح شبكات الكهرباء سواء محطات توليد أو شبكات توزيع الكهرباء فهي أيضاً لخدمة المواطن أولاً وثانياً، فإن تأهيلها سيكون له تأثير على تنفيذ البرامج الاقتصادية التي سيتم وضعها، وسيكون الإنتاج في مقدمتها ومن دون الكهرباء سيكون الواقع أصعب بالنسبة لبقية الأولويات.
من المهم تقسيم مرحلة إعادة الإعمار على جدول زمني يتضمن الأكثر والأشد ضرورة ومن الضروري ومن ثم الواجب إتمامه
وباعتبار أن موضوع توفير الرعاية الصحية للمواطن يعتبر ألف باء إعادة الإعمار، فإن ضرورة تأهيل المستوصفات والمستشفيات أمر بالغ الأهمية كون هناك إحصائيات متعددة للضرر الذي أصابها لتتراوح نسبة الضرر بين ٣٠ إلى ٥٠ بالمئة (جزئي وكلي).
المنافذ الحدودية
أما فيما يتعلق بالمنافذ الحدودية البرية والبحرية وكذلك الجوية , فيؤكد محمد في تصريحه لصحيفة الحرية, أن هذه المرافق من شأنها تعزيز الأولوية الثانية من أولويات إعادة الإعمار بما ينتج عنها من تسهيل حركة التجارة والتبادل مابين المحافظات السورية من جهة وبين بقية بلدان العالم من ناحية أخرى سواء بشقي الاستيراد والتصدير وهو أمر بالغ الأهمية ومتزامن مع ضرورة تأهيل شبكات الاتصالات كوننا في عالم يعتمد بشكل هائل على الاتصالات سواء بتسيير المعاملات اليومية والاقتصاد اليومي وحتى التجارة العالمية وكل ما يتعلق بكل التفاصيل البسيطة لكل مشروع صغير أو متوسط أو شركة كبرى.
إضافة إلى ما سبق، فإن أولوية توفير السكن للمواطنين الذين تضررت منازلهم بشكل جزئي أو كلي وهذا الأمر يتطلب حلولاً إسعافية قد لا تكون حلولاً دائمة ولكنها لازمة لضرورة توفير الخدمات المعيشية الكريمة واللائقة للمواطن.
جدول زمني
من المهم حسب محمد تقسيم مرحلة إعادة الإعمار على جدول زمني يتضمن الأكثر والأشد ضرورة ومن الضروري ومن ثم الواجب إتمامه. وما يعنيه الأمر أنه خلال فترة زمنية معينة قد تكون سنتين أو أكثر أو أقل نسبة إلى تقدير حجم الأضرار، فإن الفترة الأولى ستكون تحت مسمى الاستجابة السريعة لمتطلبات المجتمع من كل النواحي مع تحديد الضرر الأكبر الذي يجب أن يتم التركيز عليه.
أما المرحلة التي تلي عملية الاستجابة السريعة فلا بد من أن تكون استكمال عملية إعادة الإعمار في القطاعات التي لم تلحظها الاستجابة السريعة أو المحافظات التي لم تلحظها عملية الاستجابة السريعة أو ترميم ما لحظته هذه الاستجابة والزيادة في تحسين عملية إعادة الإعمار في المرافق أو المحافظات التي شملتها فترة الاستجابة السريعة وتم العمل عليها وهذه المرحلة تتطلب فترة زمنية معينة قد تصل إلى خمس سنوات مثلاً. أولويات إعادة الإعمار..من الاستجابة السريعة إلى التنمية والازدهار
تنمية الاقتصاد
ويتابع د. محمد واصفاً ثاني الأولويات فيقول: أما ما يلي عملية الاستجابة السريعة واستكمال إعادة الإعمار أو ما تسمى بالتوصيفات النظرية إعادة إعمار مستدامة، فهي عملية التنمية الاقتصادية التي تركز على المفردات التي تم العمل عليها في المرحلة الأولى والثانية وتتوسع أكثر بحيث يكون هناك عمل جماعي كامل لإنهاء هذه المرحلة التي قد تحتاج بضع سنوات أيضاً لنكون ومن خلالها عدنا إلى نقطة معينة أقرب ما يكون إلى مرحلة الرضا عن عملية إعادة الإعمار ككل.
إضافة إلى ما سبق فإن من أهم الأولويات هي تنمية الاقتصاد الوطني بما هو عليه الآن من خلال عودة تشجيع الإنتاج وتشجيع المشاريع بشتى أنواعها وخاصة أن الاقتصاد السوري يمتاز بمشاريع متنوعة من متناهية الصغر إلى صغيرة ومتوسطة والعمل على التدرج في النموذج الاقتصادي الذي أعلنته الحكومة السورية وسمي بنموذج الاقتصاد الحر بما يلائم طبيعة الاقتصاد السوري ويشجع المنتج المحلي لاسيما أننا في فترة تضافرت فيها العوامل العالمية لتزيد من عبء الاستيراد عالمياً نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي ستؤدي بشكل أو بآخر إلى زيادة أسعار المستوردات عالمياً وستنعكس على كل دول العالم ومنها سوريا. ومن هنا تكمن أهمية تنمية الاقتصاد الوطني كإحدى أولويات عملية إعادة الإعمار.
تجارب البلدان
من الجدير بالذكر كما يرى محمد فإن عملية إعادة الإعمار التي جرت في البلدان التي خرجت من حروب لم تحدث بين ليلة وضحاها ولكن كان تخللها تقسيم للأولويات سواء لأولويات إعادة الإعمار بشكل عام أو تقسيم أولويات المحافظات التي تضررت أكثر من غيرها بما يسمى بالتنمية المستدامة في الاقتصاد وإعادة الإعمار المستدام.