عندما أطاح الشعب السوداني بنظام عمر البشير في 2019، لاحت في الأفق بارقة أمل لبناء دولة مدنية حديثة، لكن هذا الحلم سرعان ما تبخر بانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول 2021، ليُدخل السودان في دوامة حرب أهلية مدمرة بدأت في نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في المقابل، كان الشعب السوري قد ثار في 2011 ضد نظام بشار الأسد، ليواجه مصيراً مماثلاً من القمع والتدمير.
كلا النظامين، السوري والسوداني، اختارا الحسم العسكري على حساب مستقبل شعوبهما، غير عابئين بالأجيال القادمة، ليتركا خلفهما أزمات إنسانية غير مسبوقة
اليوم، وبينما تكمل الحرب السودانية عامها الثاني، تجاوزت فظاعتها ما شهدته سوريا في سنواتها الأولى، مكررةً نفس الأساليب المدمرة التي اعتمدها الأسد، بدعم متزايد من إيران والحركات الإسلامية المتطرفة.
تدمير سوريا بإصرار منهجي.
لقد أصر نظام بشار الأسد على الخيار العسكري، رافضاً أي حل سياسي، مما حول سوريا من بلد ذي تنوع ثقافي واجتماعي إلى خراب شامل، ووفقاً لتقارير الأمم قتل مئات الآلاف ونزح نصف الشعب السوري، وخلال هذه الحرب استخدم الأسد البراميل المتفجرة، التي وثقتها منظمات دولية مثل «هيومن رايتس ووتش» والعفو الدولية وهي عبوات كبيرة ذات قدرة تدميرية هائلة تلقى من طائرات نقل على الأحياء السكنية بشكل عشوائي ومن دون تمييز، ولجأ أيضاً إلى السلاح الكيميائي، كما في مجزرة الغوطة في آب 2013 التي أودت بحياة 1400 شخص.
هذا الإصرار على الحسم العسكري لم يكن مجرد رد فعل، بل استراتيجية سياسة ممنهجة لتدمير التعايش الاجتماعي، وكان لفشل وتقاعس المجتمع الدولي في فرض وقف الحرب نتيجة قاسية على حاضر ومستقبل سوريا التي حتى الآن تعيش مخاضاً عسيراً ومجهول المآلات.
في السودان يبدو الجيش بقيادة البرهان، بدعم من الإخوان المسلمين، مصمماً على تكرار مسار الأسد. بعد انقلاب 2021، اندلعت الحرب في 2023، وفي أقل من عامين، تجاوزت الأزمة الإنسانية السودانية نظيرتها السورية في سرعتها وفظاعتها، وفي تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شباط 2025 أشارت فيه إلى نزوح نحو 15 مليون سوداني عن ديارهم، فيما تتحدث الأرقام عن مقتل ما لايقل عن 150 الف سوداني وهو ما يفوق أرقام سوريا في السنوات الأولى.
كما حذرت لجنة الأمن الغذائي (IPC) في آب 2024 من مجاعة تضرب البلاد حيث أن هناك نحو 30 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.
ومثل الأسد، يعتمد البرهان والجيش السوداني على البراميل المتفجرة، حيث وثقت تقارير محلية في أيلول 2024 قصف سوق بالخرطوم أودى بحياة العشرات، ووثقت صحيفة «نيويورك تايمز» في آذار الماضي مجزرة ارتكبها الطيران الحربي مستخدما فيما يبدو براميل متفجرة حارقة في قصف سوق شعبي أسبوعي في منطقة طُرة بإقليم دارفور ما اودى بحياة المئات، قالت تقارير محلية حينها إن عدد الضحايا بلغ 1500 قضى معظمهم حرقا كما أظهرت مقاطع مصورة، فيما قال المفوض السامي لحقوق الإنساني الأمم المتحدة إن المئات قتلوا بينهم 13 فرداً من عائلة واحدة فيما وصفه بالانتهاك الصادم
وكما الأسد يتزايد اعتماد البرهان على إيران، التي زودته بأسلحة وبطائرات مسيرة وفقاً لـ«نيويورك تايمز» في تموز 2024، في تكرار لدعم طهران للأسد.
فيما كل المؤشرات تؤكد ان الإخوان المسلمين، الذين يقفون خلف البرهان، يدفعون باتجاه تعزيز نفوذهم عبر مليشيات مثل كتيبة البراء بن مالك، التي اتهمتها «هيومن رايتس ووتش» في تشرين الأول 2024 بارتكاب فظائع ضد المدنيين في دارفور.
ومما يزيد من خطورة الحبر على مستقبل السودان الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني وكتائبه الإسلامية بطابع عرقي مؤخراً، حيث وثقت تقارير ميدانية في كانون الثاني 2025 إعدامات ميدانية واغتصابات استهدفت قبائل غير عربية في الخرطوم، أو مدنيين من مناطق معينة في محاولة لفرض هيمنة النخبة النيلية.
إن استمرار الجيش السوداني في نهج الأسد ينذر بتدمير شامل للسودان، الاعتماد على القوة العسكرية، بدعم إيراني وإسلامي متطرف، يهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي، كما حدث في سوريا، ويعكس قلقاً متزايداً حيث يواجه أسوأ حرب في تاريخه الحديث، وتكرار أخطاء سوريا سيقضي على أي أمل في المستقبل.
والسودان اليوم على شفا هاوية تشبه ما واجهته سوريا، البرهان، مثل الأسد، يراهن على الحسم العسكري دون اعتبار لمستقبل البلاد، ومن دون ضغط دولي حاسم، سيتحول السودان إلى أرض خراب، تُدفن فيها آمال الأجيال تحت أنقاض حرب عبثية، والتاريخ يعيد نفسه.