السودان.. هل يسير البرهان على طريق الأسد

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

عندما أطاح الشعب السوداني بنظام عمر البشير في 2019، لاحت في الأفق بارقة أمل لبناء دولة مدنية ‏حديثة، لكن هذا الحلم سرعان ما تبخر بانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول 2021، ‏ليُدخل السودان في دوامة حرب أهلية مدمرة بدأت في نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم ‏السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في المقابل، كان الشعب السوري قد ثار في 2011 ضد نظام ‏بشار الأسد، ليواجه مصيراً مماثلاً من القمع والتدمير. ‏
كلا النظامين، السوري والسوداني، اختارا الحسم العسكري على حساب مستقبل شعوبهما، غير عابئين ‏بالأجيال القادمة، ليتركا خلفهما أزمات إنسانية غير مسبوقة
‏ اليوم، وبينما تكمل الحرب السودانية عامها الثاني، تجاوزت فظاعتها ما شهدته سوريا في سنواتها ‏الأولى، مكررةً نفس الأساليب المدمرة التي اعتمدها الأسد، بدعم متزايد من إيران والحركات الإسلامية ‏المتطرفة.‏
تدمير سوريا بإصرار منهجي.‏
لقد أصر نظام بشار الأسد على الخيار العسكري، رافضاً أي حل سياسي، مما حول سوريا من بلد ذي ‏تنوع ثقافي واجتماعي إلى خراب شامل، ووفقاً لتقارير الأمم قتل مئات الآلاف ونزح نصف الشعب ‏السوري، وخلال هذه الحرب استخدم الأسد البراميل المتفجرة، التي وثقتها منظمات دولية مثل «هيومن ‏رايتس ووتش» والعفو الدولية وهي عبوات كبيرة ذات قدرة تدميرية هائلة تلقى من طائرات نقل على ‏الأحياء السكنية بشكل عشوائي ومن دون تمييز، ولجأ أيضاً إلى السلاح الكيميائي، كما في مجزرة ‏الغوطة في آب 2013 التي أودت بحياة 1400 شخص.‏
هذا الإصرار على الحسم العسكري لم يكن مجرد رد فعل، بل استراتيجية سياسة ممنهجة لتدمير التعايش ‏الاجتماعي، وكان لفشل وتقاعس المجتمع الدولي في فرض وقف الحرب نتيجة قاسية على حاضر ‏ومستقبل سوريا التي حتى الآن تعيش مخاضاً عسيراً ومجهول المآلات.‏
‏ في السودان يبدو الجيش بقيادة البرهان، بدعم من الإخوان المسلمين، مصمماً على تكرار مسار الأسد. ‏بعد انقلاب 2021، اندلعت الحرب في 2023، وفي أقل من عامين، تجاوزت الأزمة الإنسانية السودانية ‏نظيرتها السورية في سرعتها وفظاعتها، وفي تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شباط 2025 ‏أشارت فيه إلى نزوح نحو 15 مليون سوداني عن ديارهم، فيما تتحدث الأرقام عن مقتل ما لايقل عن ‌‏150 الف سوداني وهو ما يفوق أرقام سوريا في السنوات الأولى. ‏
كما حذرت لجنة الأمن الغذائي (‏IPC‏) في آب 2024 من مجاعة تضرب البلاد حيث أن هناك نحو 30 ‏مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.‏
ومثل الأسد، يعتمد البرهان والجيش السوداني على البراميل المتفجرة، حيث وثقت تقارير محلية في ‏أيلول 2024 قصف سوق بالخرطوم أودى بحياة العشرات، ووثقت صحيفة «نيويورك تايمز» في آذار ‏الماضي مجزرة ارتكبها الطيران الحربي مستخدما فيما يبدو براميل متفجرة حارقة في قصف سوق ‏شعبي أسبوعي في منطقة طُرة بإقليم دارفور ما اودى بحياة المئات، قالت تقارير محلية حينها إن عدد ‏الضحايا بلغ 1500 قضى معظمهم حرقا كما أظهرت مقاطع مصورة، فيما قال المفوض السامي لحقوق ‏الإنساني الأمم المتحدة إن المئات قتلوا بينهم 13 فرداً من عائلة واحدة فيما وصفه بالانتهاك الصادم
وكما الأسد يتزايد اعتماد البرهان على إيران، التي زودته بأسلحة وبطائرات مسيرة وفقاً لـ«نيويورك ‏تايمز» في تموز 2024، في تكرار لدعم طهران للأسد.‏
فيما كل المؤشرات تؤكد ان الإخوان المسلمين، الذين يقفون خلف البرهان، يدفعون باتجاه تعزيز نفوذهم ‏عبر مليشيات مثل كتيبة البراء بن مالك، التي اتهمتها «هيومن رايتس ووتش» في تشرين الأول 2024 ‏بارتكاب فظائع ضد المدنيين في دارفور.‏
‏ ومما يزيد من خطورة الحبر على مستقبل السودان الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني وكتائبه ‏الإسلامية بطابع عرقي مؤخراً، حيث وثقت تقارير ميدانية في كانون الثاني 2025 إعدامات ميدانية ‏واغتصابات استهدفت قبائل غير عربية في الخرطوم، أو مدنيين من مناطق معينة في محاولة لفرض ‏هيمنة النخبة النيلية.‏

إن استمرار الجيش السوداني في نهج الأسد ينذر بتدمير شامل للسودان، الاعتماد على القوة العسكرية، ‏بدعم إيراني وإسلامي متطرف، يهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي، كما حدث في سوريا، ويعكس قلقاً ‏متزايداً حيث يواجه أسوأ حرب في تاريخه الحديث، وتكرار أخطاء سوريا سيقضي على أي أمل في ‏المستقبل.‏
والسودان اليوم على شفا هاوية تشبه ما واجهته سوريا، البرهان، مثل الأسد، يراهن على الحسم العسكري ‏دون اعتبار لمستقبل البلاد، ومن دون ضغط دولي حاسم، سيتحول السودان إلى أرض خراب، تُدفن فيها ‏آمال الأجيال تحت أنقاض حرب عبثية، والتاريخ يعيد نفسه.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار