مع إعلان حالة الطوارئ المائية.. حلول واقتراحات لتخطي شحها وتجنب الجفاف

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – لمى سليمان:

أدت قلة الأمطار الهاطلة إلى تراجع في منسوب المياه في الأنهار والينابيع التي تغذي المحافظات، الأمر الذي ينتج عنه جفاف التربة وتضرر الغطاء النباتي ونقص في مياه الشرب.
وحفاظاً على المياه الموجودة وبغية استثمارها في الاتجاه الصحيح, تنتهج البحوث العلمية الزراعية أفكاراً وخططاً عديدة لترشيد المياه والاستهلاك العملي تجنباً لتوسيع رقعة الضرر الحاصل في الغطاء النباتي.
وعن هذه الأفكار يتحدث الدكتور في البحوث العلمية الزراعية بهاء الرهبان فيقول: عانت سوريا كثيراً من التغيرات المناخية والذي تجلى بانحباس الأمطار وقلة الهطولات المطرية إذ لم تتجاوز كمية الأمطار الثلث في معظم المناطق السورية الأمر الذي نتج عنه تعرض البلاد للجفاف.

الرهبان: يجب إعادة التخطيط للزراعات تبعاً للهطولات المطرية وتبعاً للجفاف الذي تعاني منه سوريا حالياً.. وزراعة المحاصيل المتحملة للإجهادات المائية والجفاف

نوعين من الزراعات
وفيما يخص الزراعات وحاجتها للأمطار وكيف يتم الاستعاضة عن مياه المطر, يبين الرهبان، أنه يوجد نوعان من الزراعات وتشمل الزراعات البعلية المعتمدة على الأمطار والزراعات المروية المعتمدة على مشاريع الري الحكومية أو المشاريع الخاصة في بعض المحافظات.

من المفترض أن يتم تحديد عدد ساعات الري للمزارعين تبعاً للمحاصيل أو الأشجار المزروعة وحاجتها من مياه السقاية ومن ثم فرض ضريبة على ساعات التشغيل الإضافية للحد من الهدر الزائد للمياه

وتكمن المشكلة في الزراعات البعلية أو المطرية بسبب انحباس الأمطار وتأخرها فمن الضروري إجراء دراسات معمقة فيما يتعلق بزراعة المحاصيل قصيرة العمر والتي تتراوح مدتها من الزراعة حتى الحصاد ٣-٤ أشهر كالبقوليات و العدس والحمص مثلاً، آخذين بعين الاعتبار أن مناطق زراعتها بالظروف الحالية يجب أن تكون في مناطق الاستقرار الأولى أو الثانية كحد أقصى والتي نضمن فيها هطول أمطار تكفي حاجة المحصول، وتجري البحوث العلمية الزراعية العديد من الدراسات في هذا المجال ومن الممكن تطبيقها آخذين بعين الاعتبار الخطة الزراعية.
وهناك العديد من المحاصيل ذات الاحتياج المائي القليل يمكن الاعتماد عليها، ولكن ليس التوسع الكبير على حساب الزراعات الأساسية التي يحتاجها بلدنا، ولذلك يجب إعادة التخطيط بالزراعات تبعاً للهطولات المطرية وتبعاً للجفاف الذي تعاني منه سوريا حالياً وزراعة المحاصيل المتحملة للإجهادات المائية والجفاف.
أما بالنسبة للمزروعات المعتمدة على مشاريع الري الحكومية أو المشاريع الخاصة فيوجد لدى الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية برنامج لحساب المقنن المائي لكل محصول وبالتالي يمكن حساب الاحتياجات الفعلية لكل محصول من مياه الري بغرض إعطائه كميات المياه المناسبة ومنع هدر المياه المستخدمة للري سواء السطحي أو الري بالغمر.

طرق الري الحديث
إضافة إلى ما سبق، يبين الرهبان أن البحوث العلمية الزراعية تمتلك خبرة كبيرة في مجال أساليب الري الحديثة، وقد تم تعديل بعض طرق الري مثل الري السطحي المطور بالنسبة للمحاصيل الصيفية، إضافة إلى الري بالرذاذ والري بالتنقيط والتي توفر من ٦٠ إلى ٧٠ بالمئة من مياه الري. كما يساهم الري السطحي المطور في تقليل استخدام مياه الري بنسبة ٣٠ إلى ٤٠ بالمئة، إضافة إلى العديد من الطرق الأخرى مثل الري بالمصاطب التي توفر من ٧٠ إلى ٨٠ بالمئة من مياه الري، وتم اتباع هذه الطريقة في “إيكاردا”، وكان للبحوث العلمية الزراعية الكثير من التجارب الناجحة والمشجعة والتي من الممكن تعميمها على عدة محاصيل في المحافظات السورية. ولا بد من التركيز على موضوع حصاد مياه الأمطار للاستفادة منها في ري الحقول وقد نفذت البحوث الزراعية حصاد مياه الأمطار بعدة محافظات سورية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه تم في السنتين الماضيتين تركيب مجموعات طاقة شمسية على الآبار، وكما يشرح الرهبان هناك استهلاك مائي عالٍ أثناء سقاية المزروعات من قبل المزارع الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف مائي كبير باستمرار تشغيل الطاقة لفترات طويلة. ومن هنا كان من المفترض أن يتم تحديد عدد ساعات الري للمزارعين تبعاً للمحاصيل أو الأشجار المزروعة وحاجتها من مياه السقاية، ومن تم فرض ضريبة على ساعات التشغيل الإضافية للحد من الهدر الزائد للمياه.
ومن المهم، بحسب الرهبان، العمل على رفع كفاءة استخدام المياه وهناك مجموعة من الطرق التي يمكن اتباعها لترشيد المياه ولرفع كفاءة استخدام المياه والاستفادة منها بالحد الأقصى لتوفير نسبة تصل إلى ٦٠ أو ٧٠ بالمئة من مياه الري.

حساب المقنن المائي
ومنعاً للهدر الحاصل أثناء سقاية المزروعات، فقد عملت البحوث الزراعية على حساب المقنن المائي لكل محصول، وهناك حساب فعلي لكمية المياه التي يحتاجها كل محصول، وبالتالي ومن خلال مشاريع الري يمكن حساب كميات المياه اللازمة لكل محصول وبالتالي توفير كميات كبيرة من مياه الري.

مياه الشرب
أما بالنسبة لمياه الشرب فينوّه د.الرهبان بأن حوض دمشق هو حوض مغلق، وبالتالي هناك عجز في كمية المياه الواردة يصل لنسبة تفوق الـ٣٥ بالمئة. وعلى الرغم من أن موضوع شح مياه الشرب هو موضوع ليس بجديد ولكن بالنسبة للسنة الحالية كان الأمر أكثر وضوحاً بسبب قلة الهطولات الثلجية والمطرية في المناطق المحيطة بدمشق والتي تغذي مياه الينابيع المغذية لدمشق وريفها.
ومن الجيد أن تكون هناك مجموعة من القوانين الناظمة واللوائح التي تمنع هدر المياه بفرض بعض الغرامات المالية بحق من يهدر المياه لغير الأغراض الأساسية. إضافة إلى الاستفادة من جميع مصادر المياه العذبة والصالحة للشرب.
كما يؤكد الرهبان أن شبكات المياه قديمة ويجب العمل على صيانتها بشكل دوري ومراقبتها منعاً للتسرب والهدر الحاصل وبالتالي يجب رصد نسبة من الميزانية لهذا الأمر.

قرنفلة: تقدر كمية المياه المفقودة في الأنهار والسدود والمسطحات المائية في سوريا حتى عام 2022 بنحو 2.2 مليار متر مكعب

ارتفاع نسبة وقوع الجفاف
بدوره يؤكد الخبير الزراعي عبد الرحمن قرنفلة في تصريح لـ”الحرية” أن سوريا وخاصةً المناطق الصحراوية الجنوبية والشرقية عانت من قلة الهطولات المطرية ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي، وأدى الجفاف الناتج عن ذلك إلى آثار شديدة على الزراعة وتوفر المياه الصالحة للشرب وتناقص الأحواض المائية، وتؤكد الأبحاث العلمية أن احتمال وقوع الجفاف في المنطقة كان (قبل ظاهرة التغير المناخي) مرة كل 250 سنة، ويزداد ليصبح مرة كل عشر سنوات عند ازدياد الحرارة 1.2 درجة مئوية، وقد يصبح احتمال حدوث الجفاف مرة كل خمس سنوات عند وصول الحرارة إلى 2 درجة مئوية. وهناك عاملان يؤثران على حدوث الجفاف وهما انخفاض الهطولات المطرية وزيادة التبخر، ورغم وجود تغير طفيف في كمية الهطولات المطرية وغزارتها، لكن هناك زيادة ملحوظة في ارتفاع درجة الحرارة، ما يزيد من معدل تبخر المياه، ويؤدي إلى جفاف التربة، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، والتقلص المستمر للمسطحات المائية في الأنهار والبحيرات والسدود التي تقدر كمية المياه المفقودة منها في سوريا حتى عام 2022 بنحو 2.2 مليار متر مكعب.

الزراعة تعتبر المستهلك المهيمن على المياه بنسبة 87%

وبحسب قرنفلة فإن الزراعة تعتبر المستهلك المهيمن على المياه، بنسبة 87% من إجمالي استهلاك المياه، وبالتالي المساهم الرئيسي في العجز الحالي في الميزان المائي والذي أدى إلى استخراج المياه الجوفية وجفاف العديد من الينابيع. ورغم سعي الدولة لنشر تقانات الري الحديث وتشجيع المزارعين على تبني واستخدام أساليب تلك التقانات، إلا أن التطبيق لم يحقق الأهداف المخططة.

تحديد البصمة المائية
ويؤكد قرنفلة أن هذا الواقع يتطلب تحديد البصمة المائية لكل نوع من الزراعات ولكل نوع من الثروة الحيوانية، واعتماد الأنواع والأصناف الأقل استهلاكاً للمياه والتي تشكل ميزة نسبية في المناطق الجافة والعمل على تبادل جزء من إنتاجها لتأمين حاجة القطر من باقي المحاصيل التي تحتاج مقننات مائية مرتفعة، ولابد من تقييد استنزاف الأحواض المائية ووضع عدادات مياه على فوهات الآبار، وتحديد حجم السحب من المياه تبعاً لحاجة المحصول المقرر.

بالنسبة لمياه الشرب
هناك هدر واسع لمياه الشرب حيث يتم استخدامها في غير مجال الشرب, إذ تستهلك متاجر بيع وشراء السيارات كميات ضخمة من المياه كما تشكل التسربات من شبكات المياه رقماً معنوياً من فاقد المياه.. ومن جانب آخر لابد من تنفيذ توعية إعلامية مستمرة للمستهلكين وتوضيح مخاطر هدر المياه والذي قد يصل إلى تحويل مدن مأهولة كبرى إلى مدن أشباح.

Leave a Comment
آخر الأخبار