الحرية- جواد ديوب:
هو شاب طموح بصوت رخيم وقوي معاً، فيه بحّة أهل الجزيرة السورية المطعّمة بنكهة الحزن العراقي، بدأ شغفه الغنائي عام ٢٠٠٩ على يد أستاذ الموسيقا في الثانوية، بمعلومات بسيطة عن المقامات، ثم اختار الذهاب للغناء في مطاعم دمشق من فكرته أن النجاح يتطلب خوض المغامرة بشجاعة، ومن إحساسه أن لديه صوتاً قوياً سيكون بطاقة عبوره إلى ساحة الفن التي حلم بها. ورغم عدم وجود شركة إنتاج داعمة له، ونظرة بعض الناس السلبية نحو اللون الشعبي في الغناء، إلا أن إصراره واعتماده على طموحه وإمكانياته الشخصية مكّنته لاحقاً من السفر إلى دول الخليج، مصمماً أن يكون لهذا الشاب الريفي ابن البيئة المتواضعة مكاناً وحضوراً في بلدان عربية مليئة بالفنانين النجوم.
المغني الشاب محمد سليمان يحدث صحيفة “الحرية” عن تأثير بيئته الأولى (محافظة دير الزور) في ذاكرته الغنائية… نسأله: هل حفظت موروثاتك من جداتك (حبّاباتك) ومن أهل القرية؟
البيئة في دير الزور تتميز بالألفة الشديدة بين الأهل والأقارب والجيران وحتى مع الغرباء، هذه الألفة أورثتنا حسية عالية تجاه الحياة، وعاطفة حارّة أثرت على نمط أغنياتي، كنت أجلس عند (حبّابتي) جدتي وهي تغني لي مواويل أحفظها في قلبي إلى اليوم:
أبات الليل وآني ببطن حية (أفعى)
معضعض والجروح اليوم حيّة (ساخنة)
لِفوا عزاز قلبي وقلت حيّا ( أهلاً)
هلا بالغايبين وإلهم زِمااان
وتأثرتُ أيضاً باللون العراقي بحكم القرب الجغرافي، ونمط “الأبوذيّات” (والكلمة تعني أبو أذية؛ أي الذي تسبّبَ لي بأذية بسبب الحب) وتشربتُ الطرب من مطربين أمثال سعد البياتي وياس خضر وداخل حسن ورياض أحمد وغيرهم. كنت أجلس مع الأقرباء والأصدقاء ويسمونني تحبّباً “مطرب الرحلات والسهرات الجميلة”.
*وكيف تجد إقبال الجمهور على اللون الفراتي المرِح الذي تغنيه… هل هو مطلوب في الخليج وباقي الدول الذي زرتها؟
إقبال الناس على اللون الشعبي كبير جداً وخاصة منه نوع “الشولاقي” بسرعة بطيئة، و”الزوري” المعتمد على سرعة إيقاعية أكبر، مع وجود عازفين محترفين لهذا النمط مثل عازف “الزمّارة” وآلة الأورغ ويكونون مكملين للمطرب، في دول الخليج تشعر أنك تجالس أهلك في منطقة الفرات، فهم يفهمون ويعشقون كلام أغانينا المليئة أيضاً بارتجال شعري، قد يكون فيه مديحٌ لصاحب العزيمة المُضيف.. وهذه الارتجالات تعطي المغني سمعةً طيبة تضاف إلى قوة صوته وحضوره. بعض المرات كنت أغني نمطاً خليجياً معتقداً أن هذا مناسب لوجودي في الخليج، لكنهم في الإمارات والسعودية مثلاً يصرون عليّ أن أغني اللون الفراتي المرح، ويمازحونني ويقولون: لو أردنا الاستماع للنمط الخليجي لوضعوا أغنيات للمطرب ميحد حمد أو محمد عبدو في مشغلات الصوت في السيارة واكتفينا!
*حدثني عن معاناتك في الوسط الفني!
**يعتقد البعض أن مجالنا مليء بالرقص والفرح والموسيقا والنساء الجميلات، لكن يغيب عن ذهنهم وجود تكتلات وشللية وحرب مافيات وعداوة أصحاب الكار نفسه، ومعاداتهم للفنانين الشباب الجدد. عن نفسي تربيت على طيبة أهل دير الزور وفطرتهم، لذلك عانيت كثيراً من بعض أصحاب الصالات الجشعين، ومن مطربين غيورين، وعازفين غير جديرين بالثقة. بعض أصحاب الصالات كانوا يعطوننا أقل القليل من حقنا المالي بحجة أن الإقبال ضعيف والتكاليف مرتفعة…ومن أصعب الأمور في “مهنتنا” هو الاستنفار الدائم، السهر في الليل، إرهاق السفر المستمر من بلد إلى بلد، الضغط النفسي قبل الحفلات، والتوتر بسبب انتظار ردود فعل الجمهور، لكنني تعلمت الدرس جيداً وألا أصمت عن تحصيل حقي قبل بدء أي حفلة فأنا أجيد اللون الخليجي أيضاً وهذا أعطاني ميزة وثبتني في ساحة المتنافسين.
*هل الشهرة هي مسألة حظ وكاريزما أم هي جهد وصدق ومحاولات مستمرة للوصول إلى قلوب الناس؟
**الشهرة باعتقادي اجتهاد وحظ معاً. اجتهاد بالاستمرارية في ساحة الفن؛ وانتظار لحظة الحظ المناسب! مثلاً نحن في عصر التكتوك والسوشال ميديا يجب التفكير بذكاء، أحياناً مقاطع ريلز يجعلك ترينداً، أو كلمة معينة وحركة كاريزما محببة تجعلك مشهوراَ، لكن الشهرة فخ إذا لم يعرف الفنان كيف يلتقط إشارات الحظ التي قد يغفل عنها الكثيرون.
*ما الذي تحلم أن تحققه في مشوارك الفني في الأيام القادمة؟
**أطمح للانتشار أكثر في بلدي الذي يتعافى من أيام مظلمة ويخرج إلى النور، بعد شهرتي في الإمارات والسعودية والكويت ودول كثيرة… الحلم مستمر والأمل موجود.