المنصة الزرقاء.. تشارك في القتل

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- يسرى المصري:
إذا سمحت للأخبار الكاذبة بالاستمرار في خلق الكراهية عبر تعليق أو مشاركة أو متابعة للصفحات المشبوهة.. فإنك تشارك في قتل الناس دون أدنى شك. والدم سوري حرام.. والقيم الدينية والأخلاقية في كل الشرائع تقدس حياة الناس.. (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).. أما من ارتكب جرماً وما شابه فهناك جهات قانونية تحاسبه ولا يمكن لأي شخص مهما يكن أن يتجاوز القوانين ويأخذ دور الشرطي والقاضي.. والحكم.

وما يحدث على صفحات المواقع الاجتماعية وخاصة الفيسبوك من نشر وتسويق لخطاب الكراهية والطائفية لأغراض لا تخدم إلا أعداء الشعب السوري.. ويبدو أن سوريا باتت تحتاج إلى قوانين جديدة تجرّم التحريض وخطابات الكراهية واستباحة الدم السوري وأفكار التقسيم وربما أكثر من ذلك.. إلى مدونة ‏أخلاقيات موسعة وتفصيلية تشارك في صياغتها مؤسسات إعلامية، ونقابات، ‏وقوى اجتماعية مختلفة، لتكتسب قيمتها الرمزية، قبل أن تُقرها الدولة ‏كمرجعية قانونية لضبط الخطاب الإعلامي والسياسي، وتوضيح الحدود ‏الفاصلة بين حرية التعبير التي يجب أن تكون مكفولة، والفوضى.‏
وليست سوريا الدولة الوحيدة التي وقعت في براثن الفيسبوك والمواقع الاجتماعية، حيث كشفت العديد من الدراسات الحديثة أن مواقع التواصل الاجتماعي تساهم بظهور قيم سلبية تؤثر في عملية بناء خطاب الكراهية في المجتمع.

وتبين أن مواقع التواصل تسهم في نشر أخبار كاذبة بنسبة 85.67%، وتقوم بدور التحريض والتعصب بنسبة 72.67%.

وأوضحت أيضًا أنها تنشر وقائع وأحداث تمييز عنصري بين الذكور والإناث بنسبة 72.33%، ونشر جرائم تاريخية لجماعة دينية بنسبة 73.33% والمساعدة في انتشار العنف والقتل بنسبة 67.67%.
أما تسببها في التقاتل الديني والعرقي فجاء بنسبة 72.33%، وترسيخ التفرقة العنصرية بنسبة 67.33% وأنها تضعف التعاون والتسامح بين الأفراد بنسبة 66.67%.

وفي سوريا لم يمض وقت طويل حتى تحولت “الفوضى الافتراضية” على “فيسبوك”، إلى فوضى فعلية على الأرض، وقودها الناس والحجارة وخلال مرحلة التوتر القصوى التي عاشتها بعض المناطق، انتشر على “فيسبوك” كمّ هائل من الفيديوهات والصوتيات والصور حول الجرائم، جزء منها ينقل تلك الجرائم فعلاً بما فيها عمليات التحريض والشحن الطائفي، وجزء آخر يعود إلى فترات زمنية سابقة، وأحياناً إلى أماكن خارج سورية، رُوّجتْ على أنها حديثة.

محاولة الربط بين الفوضى الواقعية التي جرت على الأرض السورية، والفوضى الإلكترونية على “فيسبوك”، ليس من باب “نظرية المؤامرة”، أو من باب القول إن المعركة الافتراضية تحولت إلى معركة واقعية من دون وجود أسس واقعية عديدة لتلك المعركة؛ ولكنها محاولة لقراءة دور “فيسبوك” في ما جرى.

ونركز على “فيسبوك” ، لأنه من مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً بين السوريين..
حيث سمح “فيسبوك” بنشر فيديوهات تتضمن مشاهد قتل دموية وتعذيب وإذلال وخطابات طائفية وخطابات كراهية وتحريض. باختصار، فقد سمحت المنصة الزرقاء بنشر محتوى يتضمن كل أنواع المخالفات المفترضة في “معايير مجتمع فيسبوك”، وأغمضت الخوارزمية عينيها تماماً، ولم تتدخل بأي شكل من الأشكال في منع نشر خطابات الكراهية، بل بقيت الآليات الترويجية ضمن الخوارزمية فعالةً بالطريقة المعتادة نفسها؛ أي إن “فيسبوك” لم يكتف بعدم منع فيديوهات العنف الدموي أو نشر فيديوهات الإساءة والتحريض.. بل سمح بترويجها وانتشارها نتيجةً للتفاعل العالي معها.

إن مواجهة خطاب التحريض ‏والكراهية والاستقطاب المجتمعي هي مسؤولية الجميع في مرحلة بناء الدولة، عبر ‏استراتيجيات وأدوات مختلفة وهنا لا بد من دور فاعل لوزارة الإعلام التي اعتبرت أن الحرية قيمة ‏كبرى، دفع السوريون أثمانًا باهظة لنيلها، وهي مسؤولية في الوقت عينه، ‏فكراً وممارسة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار