أحمد راتب سلطاني… مُعلّمٌ وفنانٌ نذر حياته للخير والجمال

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- لبنى شاكر:

لم يستطع الفنان والمُعلّم الراحل “أحمد راتب سلطاني” تأمين مكان يعمل فيه، لكن هذا لم يمنعه من الاستمرار في ممارسة كلّ ما يحبه، بين التعليم والرسم وتصليح الساعات، وعلى العكس لعلّ مُلازمته لزاويةٍ خاصةٍ في بيته، ساعدته ليبدع في مجال كان الوحيد فيه زمناً طويلاً، وهو الرسم ببروات أقلام الرصاص والقشور الخشبية أو ما يسمى فن “سقط القلم”، وعلى أنّ مشغولاته وصلت بلداناً عربية وأجنبية، إلا أنه لم يلهث وراء الاهتمام من أي جهة كانت، ليبقى تاريخه الفني الحافل وحياته التي نذرها للخير والجمال، رهناً لمن يبحث عنهما.
في ميدان التعليم
أمضى الرجل وهو من مواليد 1936 حوالي 32 عاماً من حياته في ميدان التعليم، حيث بدأ معلماً في مدرسة ابتدائية ثم أصبح مديراً لمدرسة في “كناكر” بريف دمشق، بعد حصوله على شهادة من دار المعلمين الابتدائية، وكان عمره آنذاك تسعةَ عشر عاماً. خلال ذلك، كان سلطاني يمارس الرسم لأغراض تعليمية، فقدّم لوحات جدارية زيتية وتماثيل إلى جانب رسومات لكتب التاريخ والمعجم المدرسي، لاحقاً كان من المؤسسين في مجال البرامج التعليمية التلفزيونية، عبر مشاركته في إعدادها وتقديمها وإخراجها عام 1960 تحت إشراف الإعلامي ياسر المالح، الذي كان رئيساً لإدارة البرامج التعليمية في تلك المرحلة.

قدّم سلطاني لوحات جدارية زيتية وتماثيل إلى جانب رسومات لكتب التاريخ والمعجم المدرسي

في عوالم التشكيل
يشبّه سلطاني بروة القلم بالفراشة أثناء سقوطها بألوانها وحوافها المزركشة، لذا خطر له أن يجمعها ويشكل منها لوحة، يقول في حديثٍ معه “أحسست أنها تمتلك لغة تشبه اللغات الحية ولكن بشكل فني، إذ كيفما جُمعت تعطي حالة فنية مختلفة، كنت يومها طالباً أدرس الحقوق”. ومع الزمن تطور الأمر ليقدم عام 1958 لوحة ناجحة على حدّ وصفه. وفي عام 1971 كان معرضه الأول في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، ضم حوالي 30 لوحة من بروات الأقلام، وشهد إقبالاً كبيراً. هكذا تتالت المعارض والمشاركات منها في المركز الثقافي السوفييتي والألماني ونقابة المعلمين، حتى أنه باع نماذج من أعماله لمعجبين في عدة دول ولعدة جهات.
يضيف سلطاني: “تنوع ألوان الأقلام يعطي عمقاً ومدلولاً فنياً معيناً، ولتثبيتها استخدم الغراء، لذا هي قادرة على مقاومة العوامل الجوية والزمن الطويل، لكن يجب أن تبقى بعيدة عن النار، هذا العمل متعة حقيقية بالنسبة لي، كنت أواظب عليه بالساعات وأسهر حتى الصباح لإكمال لوحاتي التي تناولت كل جوانب الحياة الاجتماعية ومختلف الشخصيات البارزة”. ومن ذلك لوحة رسمها سلطاني لزوجته الراحلة، التي وقفت إلى جانبه في مشواره الغني، وفي لوحة أخرى يستحضر ذكرياته عند “الكتّاب” حيث كان الأولاد يتعلمون القراءة والكتابة، فيها عناية بتفاصيل المكان والثياب ومعالم الوجوه، وفي غيرها عرض مشهداً من حرب تشرين التحريرية التي شارك فيها، مستخدماً الياسمين الدمشقي رمزاً للسلام.
ولأن عزيمة سلطاني لم تعرف الملل حتى عندما كان عمره 87 عاماً، فقد رمّم قبل رحيله تمثال الطالب في مرحلة التعليم الأساسي في مدرسة نصوح بابيل في دمشق، والذي أنجزه عام 1967، وكان صعوده إلى السلم واستخدامه المطرقة وأدوات النحت، مُستهجناً عند من لم يعرفوه، فالرجل الذي مارس مهناً عديدة، لم تكن الشهرة ضمن حساباته.

في عمر 87 عاماً رمّم سلطاني تمثال الطالب في مرحلة التعليم الأساسي في مدرسة نصوح بابيل في دمشق، الذي أنجزه عام 1967

تصليح الساعات
بموازاة ما سبق، أتقن سلطاني أيضاً تصليح الساعات، وهي المهنة التي مارسها ليكسب رزقه، ومع أنه لا يملك محلاً كما أشرنا لكنه اكتسب عبر سنوات، سمعة طيبة بين الناس، ولاسيما بين الساعاتية، الذين كانوا يرسلون له ما يعجزون عن إصلاحه، يقول سلطاني “إن اهتمامه ودقته بالساعة، لا يقل عندما تكون رخيصة الثمن، وهو ما جعل زبائنه يرسلون ساعاتهم إلى منزله، عوضاً عن إرسالها لمحلات معروفة”. ويضيف: “لكل مرحلة في الحياة خصوصيتها وجماليتها، في التدريس كنت سعيداً جداً وحاولت أن أجمّل مدرستي “مدرسة كناكر الابتدائية الريفية” فزرعت حوالي أربعةَ آلاف شجرة في محيطها، وفي الرسم بذلت كل ما أستطيع رغم أنني لم أستفد مادياً إلا ما ندر، علماً أن بعض اللوحات كانت تستغرق مني شهراً أو شهرين، فهي بحاجة إلى صبر ومثابرة، وفي تصليح الساعات كنت أميناً ودقيقاً وحريصاً على سمعتي”.

Leave a Comment
آخر الأخبار