الحرية- محمد فرحة:
قد تكون أهم قضية اليوم أمامنا هي كيف سيصنع أطفالنا والجيل الناشئ المستقبل والغد المشرق وهم المثقلون بالهموم؟
الأمر قد يراه البعض سهلاً حين نتأمل كتب تراثنا الفكري وتاريخنا «أبي» الحضارات، لكن ترجمة ذلك إلى فعل يومي وسلوك يُمارس ليست بالأمر السهل، فسرعان ما سيكتشف أنه لم يعد يمثل إلا تسويفاً معطلاً، مهما بدا صادقاً أو كان مصدر فخر.
لكن الأمر قد يكون صعباً لدرجة الصدمة اليوم حين يكون السؤال: من أي منهلٍ ومعين ينهل هذا الجيل العلم والمعرفة، ذلك المتعلق بمجالات الإبداع الحقيقي والبحث العلمي والمنهج المعرفي، بعيداً عن أي تشويش وتزييف للحقائق والوقائع؟
أسئلة كانت محور حديث وحوار طويل مع المربي والأستاذ الدكتور الجامعي إبراهيم قوشجي، إذ يؤكد أنه لابد من تطوير فكر الجيل السوري الجديد ونقله من فكر التشتت والحيرة إلى فكر الإبداع في ظل التحديات البنيوية. حيث تشهد سوريا تحولات جذرية في بنيتها السياسية والاجتماعية، وكل شيء فيها اليوم يختلف عن الأمس، من الصراع البنيوي الذي خلف واقعاً معقداً، لدرجة بتنا فيه اليوم بأمس الحاجة لمجتمع متطور متفهم، يعي كل تفاصيل الحياة والمتغيرات التي تجري اليوم.
ويضيف الدكتور قوشجي: لا أحد ينكر ما جرى للأجيال من نزوح ولجوء قسري، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى التعليم، الذي طال شرائح واسعة من مختلف الأجيال الصغيرة والناشئة، وهذا ما بات يوصف بالتشتت الفكري والاجتماعي بين الأجيال.
وعن الحل، يجيب الدكتور قوشجي: هذا الواقع يطرح ضرورة ملحة تتمثل بإعادة هندسة البيئة الحاضنة للجيل السوري الجديد، عبر استثمار الرأسمال الفكري الذي هو عصب تقدم الشعوب وازدهارها وتوجيهه نحو بناء مستقبل مستدام.
كما تطرق الأستاذ الجامعي إلى تعقيدات الواقع السوري وآثار ذلك سلبياً على البنية المجتمعية، ما من شأنه أن يدفع نحو المزيد من إيجاد الفرص السانحة والخلاقة لهذا الجيل الذي عانى من التشتت واللجوء الى خارج حدود الوطن مرغماً، فلا بدَّ اليوم من استغلال رأس المال الفكري بالشكل الأمثل والأغلى.
مشيراً إلى التراكم التاريخي ومعوقات الاستثمار في الحقبة الماضية، رغم أنه، أي الرأسمال الفكري السوري، تراث غني ينتج عادة عن تفاعل حضاري امتد لقرون، إلا أن الأزمات الراهنة حولته إلى موارد معطلة للأسف، من هنا نرى أهمية التركيز على قطاع جيل الناشئة وتهيئة كل السبل والأسس اللازمة للنهوض به، وما كان غير متاح بالأمس سيكون متاحاً اليوم.
ولفت إلى أن التحديات الموجودة تتطلب تعاوناً أفقياً وعمودياً بين جميع الفاعلين، كالمؤسسات التعليمية، من خلال إعادة بناء المناهج لتعزيز التفكير النقدي وإدماج مهارات الابتكار مع تنوير بيئات آمنة للتعبير.
أضف إلى ذلك دور المؤسسات الدينية عبر تنبني خطاب ديني معتدل يدعو للتطور ليسهم في ترسيخ القيم الاجتماعية الخلاقة، ومنح منظمات المجتمع المدني حرية تنفيذ برامج تمكن الشباب ثقافة وتسهيل الحوارات بين مختلف الأجيال.
وتوقف الدكتور قوشجي عند دور الإعلام وخطابه الذي من شأنه أن يتيح مساحات حوارية هادفة، تتنوع فيها الرؤى وتعزز الانتماء الوطني بعيداً عن عوائق أخرى.
خاتماً حديثه بضرورة تحويل التحديات إلى فرصٍ، ما يتطلب رؤية استراتيجية تعيد تعريف أولويات التنمية، حيث يصبح الإنسان محوراً، ومن خلال تضافر الجهود يمكننا أن نحول ركام الأزمة إلى لبناتٍ لنهضةٍ جديدة تعيد للجيل إيمانه بقدرته على البناء وتفتح أمامه آفاقاً للإبداع.
بالمختصر: لم تخسر شعوب في العالم جعلت من أجيالها وشبابها رأسمالها واعتمدت عليه في حركة النهوض والإبداع بعدما وفرت له كل السبل والرعاية الكريمة.
أطفالنا.. هل يصنعون المستقبل أم هم جيل سابق التجهيز ومسبق الصنع؟.. فأين الاستثمار في الطاقات الشبابية؟

Leave a Comment
Leave a Comment