الحريّة – نهى علي:
اقتصاد الندرة ليس بالمصطلح الجديد على العالم.. لكنه يبدو ملحّاً اليوم لدينا في سوريا تحت ضغط خصوصية الظرف لجهة تراجع الموارد الطبيعية، إضافة إلى تراكمات الإدارة الخاطئة المزمنة لموارد البلاد.
ولا نبدو أما خيار تجاهل حتميّة التعاطي بقدر كبير من الحذاقة مع الموارد اليوم، وليكن العنوان ” اقتصاد الندرة” أو إدارة الندرة، التي تتطلب قدراً عالياً من الكفاءة على المستوى الحكومي أولاً ومن ثم قطاع الأعمال، وصولاً إلى الاقتصاد الأسري.. وهذا الأخير يمكن أن يكون موضع تركيز كبير في هذا المجال، لا سيما لجهة التحوّل من الحالة الاستهلاكية إلى الواقع الإنتاجي وتحقيق قيم مضافة حقيقية.. فإلى أي حد نمتلك ما يلزم من دراية ووعي بأهميّة هذا النمط الحساس في التعاطي مع الموارد والاستحقاقات؟.
ديب: الندرة سمة لمختلف الموارد في سوريا سواء المائية والزراعية والطبيعية عموماً
شدّ عصبي
في توصيف للوقائع.. يرى رئيس مجلس النهضة السوري المستشار عامر ديب، أن الندرة هي سمة لمختلف الموارد في سوريا سواء المائية والزراعية، بسبب نقص الثروة المائية وتراجع كميات الأمطار الهاطلة عن المعدلات السنوية، وخصوصاً هذا الموسم، ما سيؤثر سلباً على مختلف الزراعات، وخصوصاً القمح والقطن، وسط غياب أي رؤية حكومية حتى الآن لدفع التنمية في هذه القطاعات.
لم يتم التعامل مع القطاع النفطي سابقاً بشكل شفاف وبرؤية اقتصادية مجدية
القطاع الشاهد
يركّز ديب في إشارته هنا على الندرة والنقص والخسارة في القطاع النفطي، ويشير إلى أهمية تعزيز سلاسل التوريدات لدعم وتعزيز الإنتاج والتنمية في مختلف القطاعات.
ويجد أنه لم يتم التعامل مع القطاع النفطي بشكل شفاف وبرؤية اقتصادية مجدية، إنما تم وضع شروط صعبة أمام المستثمرين الراغبين بالاستثمار في هذا المجال للتخفيف، عن كاهل الدولة والمساعدة للدفع والنهوض بالاقتصاد الوطني والمساهمة في رفع العقوبات عن سوريا.
استدراك جريء
وفي سياق يشبه المفعول الرجعي، قد يكون من المفيد أن تتم متابعة ورصد الأخطاء الحاصلة في هذا القطاع الاستراتيجي والاستفادة منها في تصحيح أوضاع القطاع عموماً.. وهنا يدعو رئيس مجلس النهضة السوري، إلى تسهيل أعمال القطاع الخاص لتأمين انسيابية المواد في الأسواق بإشراف وزارة الطاقة، لأن القطاع الخاص هو القادر حالياً على حمل رافعة النمو في سوريا وطبعاً بإشراف الوزارة ممثلة للقطاع العام الحكومي، مشدداً على ضرورة إتاحة الاستثمار في هذا المجال لأنهم قادرون على التواصل مع الشركات العالمية، واستيراد المواد بشكل أكثر سلاسة ويسر من القطاع العام والشركات الحكومية المقيدة بالعقوبات الخارجية، أو بالتالي استيراد المادة وتكريرها وطرحها في الأسواق، وتأمين حاجة الجميع سواء القطاع الصناعي والمواطنين ما يوفر على الدولة عشرات ملايين الدولارات، بشرط أن توزع الخريطة الاستثمارية بشكل عادل بين المستثمرين في مختلف المحافظات، لتجاوز العقوبات المفروضة على البلاد وخصوصاً في مجال استيراد النفط وبالتالي الحل الأمثل فتح الاستثمار في القطاع النفطي أمام القطاع الخاص وتنفيذ الاتفاق مع “قسد” باعتبارها يغلب عليها الطابع الاقتصادي، وأهمية نتائجها على الاقتصاد السوري بشكل عام.
تعزيز سلاسل التوريدات لدعم وتعزيز الإنتاج والتنمية في مختلف القطاعات
إذ تتركز في شرقي الفرات حوالي60 بالمئة من الثروات، واتفاق الوحدة الوطنية معهم بمثابة بادرة الأمل والذي انعكس مباشرة على سعر الصرف الذي انخفض من 11 ألف ليرة سورية إلى 8 آلاف بعد توقيع هذا الاتفاق.
ويعتبر ديب أن هذا المؤشر لا يجب إغفاله لأنه عكس تحسناً في الأسعار بشكل عام وارتياحاً شعبياً واقتصادياً.
فسحة لـ”الخاص”
يشدد الخبير ديب على أن الحل الأمثل للنهوض بالاقتصاد يتمثّل بوضع وبلورة خارطة استثمارية في القطاع النفطي وتيسير دخول القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع ضمن اقتصاد السوق الحر، فهذا من وجهة نظره سيعزز مكانة الدولة في مواجهة العقوبات المفروضة على البلاد، ما يسمح بانسيابية السلع لأن البلاد تمر بحالة حرجة إن لم تتم معالجة وترميم المشكلات سنواجه أزمات كبيرة في المستقبل.
وطبعاً – الكلام للخبير ديب- تعزيز الاستثمار بالقطاع النفطي سيعزز الثقة وعودة رؤوس الأموال في المشاريع التنموية عوضا عن تحولها لمشاريع البسطات وغير المجدية، الدولة بحاجة الجميع.
الفيّومي: المشكلة الأساسية قبل البحث في ندرة الموارد هي تحديد الأولويات.. والخطوة الأولى تتمثّل بالمكاشفة بدلاً من الوعود
المدرسة السوريّة الأساس
في سياق “العصف الذهني” بحثاً عن وصفات ناجعة في سياق “اقتصاد الندرة”.. يبدأ الخبير الاقتصادي أنس الفيومي إجابته لنا، بمثال وحديث مبسط.. وقال: يخطر ببالي قصة ذلك الرجل الذي دخل على زوجته قائلاً بغضب: لديك برغل وعدس وبصل وزيت، لماذا تقصرين معي ولا تصنعين لي بيتزا.
ويكمل الفيومي: لا أبالغ إن قلت أن المدرسة الأولى في إدارة الموارد مهما كانت نادرة، هي الأم السورية الأصيلة التي نراها سواء في الضيعة أو المدينة تقدم لأسرتها ما هو متاح وممكن مهما كانت موارد رب الأسرة قليلة، وهي من نطلق عليها اسم المدبرة .
مطلوب مكاشفة واقعية لكل ما هو متاح أو متوافر ليكون المواطن عوناً للحكومة لا عبء عليها
المشكلة الأساسية قبل البحث في ندرة الموارد هو تحديد الأولويات، وأمام الوضع الفوضوي الذي نعانيه تصبح كل وزارة أو جهة ما تعتبر أن تلبية متطلبات أداء مهامها في قمة الأولويات قبل أي جهة أخرى غيرها، لذا يجب علينا أن نقرّ بأن الأمر ليس سهلاً أمام الحكومة ويحتاج لتضافر جهود وتعاون.
مكاشفة واجبة
يرى الخبير الفيومي أن الخطوة الأولى تتمثّل بالمكاشفة بدلاً من الوعود. ففي بداية عمل الحكومة وخاصة السابقة انطلقت حزمة من الوعود بتبدل الأوضاع رافقها بعض الوعود الخارجية، دون أن نتلمس شيئاً من تطبيقات هذه الوعود أو خطوات تنفيذها ما شكل ضغطاً غير مباشر على عمل الحكومة الحالية، ولاسيما في الجانب الاقتصادي والمالي، ما ساهم في زيادة عدم ثقة المواطن بأداء بعض المؤسسات، رغم كل الجهود المبذولة.
فإعادة هذه الثقة وتضافر الجهود يتطلب مكاشفة واقعية لكل ما هو متاح أو متوافر ليكون المواطن عوناً للحكومة لا عبئاً عليها، هذه المكاشفة – حسب الفيومي- ضرورية تماماً كمقولة ربة البيت اليوم ما في طبخ دبروا حالكم بخبزة وبصلة.
تكتسب التجربة السورية خصوصية في تقديم المعالجات المستقبلية والتي لا تتشابه مع تجارب أزمات الدول الأخرى
العقبة الأصعب
يتابع الفيومي: قلت عوناً للحكومة، يحضرني هنا مقاربة قرآنية لهذا العون في قصة ذي القرنين عندما بلغ بين السدين حين اشتكوا له من المفسدين في الأرض، أجابهم أن تمكينه كان بإرادة من الله، لكن المطلوب منهم والأهم هو تقديم العون وبقوة، فهل يمكننا تقديم العون إذا زادت مساحة الثقة بعمل الحكومة، لكن كيف صنع السد، بالنار والحديد.
لذلك من وجهة نظر الخبير الفيومي.. العقبة الكبيرة في أي ترتيب مقترح للأولويات هو موضوع الطاقة وحوامل الطاقة، ولاسيما تأمينها للمزارعين والصناعيين، ومنها يمكن الانطلاق إلى موضوع الترتيب وفق ما هو متاح وخاصة تحرير السيولة وضبط المستوردات وتبسيط إجراءات الاستثمار وغيرها.
خصوصيّة تجربة
في النهاية مؤكد ما شهدناه في وطننا من أحداث لأكثر من نصف قرن، مختلف بمجرياته وخسائره عما جرى في دول عديدة لذلك تكتسب التجربة السورية خصوصية في تقديم المعالجات المستقبلية والتي لا تتشابه مع تجارب أزمات الدول الأخرى، وهذا يتطلب وعياً وطنياً وتقديم مقترحات وحلول عملية من الخبراء كل في اختصاصه وهذا أقل ما يمكن فعله بدلاً من النواح على أطلال سوريا الماضي.