الشائعات الإلكترونية خطر يهدد السلم الأهلي.. خبيرة: التصدي لها لا يمكن أن يتم فقط عبر أدوات رقابية بل من خلال بناء مناعة مجتمعية معرفية

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية– بشرى سمير:
لم تعد الشائعة مجرّد حديث جانبي أو كلام مجالس بل تحولت في العالم الإلكتروني إلى أداة فعّالة لبث الفوضى وزعزعة الاستقرار، خاصة في بيئة تتسم بالتعقيد الطائفي والسياسي والاجتماعي، حيث تستخدم الشائعة الإلكترونية كسلاح ناعم قادر على إحداث جروح غائرة في جسد المجتمع المنهك أصلاً، وشكلت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً واسعاً لنقل الروايات، بعضها حقيقي وصحيح والكثير منها مفبرك أو مضلل.
يقول الناشط الإعلامي محمد علي: واجهنا مواقف خطيرة بسبب شائعات تتعلق بتحركات عسكرية أو نيات انتقامية من جهة معينة، الناس تتناقل الخبر عبر “واتساب” أو فيسبوك كأنه حقيقة مطلقة، ومع الوقت تتشكل قناعات مبنية على الوهم.
أما هالة محمد طالبة جامعية فتقول: الشائعة أحيانًا تأتي عبر صورة أو مقطع فيديو بلا مصدر واضح، كثيرون لا يعرفون أن هذه الصور قد تكون من دول أخرى أو من أحداث قديمة، لكن التأثير يكون فورياً، ويؤدي إلى تصعيد في الخطاب الطائفي أو حتى الدعوة للانتقام.
الشائعة الإلكترونية، كما تُعرفها خبيرة التنمية البشرية د. ميس المصري، هي معلومة غير مؤكدة تنتشر بسرعة وتؤثر على إدراك الناس وتصرفاتهم قبل أن يتم التحقق من صحتها، مشيرة إلى أن الأفراد في بيئات النزاع أكثر قابلية لتصديق ما يعزز خوفهم أو انحيازاتهم المسبقة.
وتضيف المصري في تصريح لصحيفة الحرية: سوريا تمثّل بيئة نموذجية لخطر الشائعة، بسبب ما عاشته من صراع طويل الأمد وغياب المصادر الإعلامية المستقلة وتعدد الخطابات الطائفية والسياسية، الأمر الذي أوجد فجوة معرفية يملؤها مستخدمو المنصات الرقمية بمحتوى مضلل أحياناً ومدمر في أحيان أخرى.

الوعي الجمعي

وتؤكد د. ميس المصري أن التصدي للشائعة الإلكترونية لا يمكن أن يتم فقط عبر أدوات رقابية، بل من خلال بناء مناعة مجتمعية معرفية، وتقدم عدة نصائح عملية لمكافحة الشائعات، أهمها التثبت من المصدر وعدم مشاركة خبر من دون معرفة الجهة التي نشرته، والتأكد هل هي معروفة وموثوقة؟، والعمل على فحص الصور والفيديوهات باستخدام أدوات البحث العكسي أو مقارنة الخلفيات والسياقات، ولابد من مقارنة الخبر بمصادر مختلفة وعدم الاكتفاء بمصدر واحد، خصوصاً إذا كان مجهول الهوية وتفحص الهدف من الخبر.. وعلى المشاهد أو المتلقي أن يسأل دائماً: هل الخبر يحرض على فئة معينة؟ هل يخدم أجندة سياسية أو طائفية؟
وتختم المصري: في زمن الطائفية والصراع يصبح التحقق من صحة الخبر مسؤولية وطنية، ومقاومة الشائعة عمل وطني لا يقل أهمية عن مقاومة العنف، وتضيف التحقق هو خط الدفاع الأول في سوريا حيث يتقاطع الإعلام مع الانقسام والسياسة مع الطائفية، تصبح الشائعة الإلكترونية قوة مدمّرة إذا لم تُواجه بالوعي والمعرفة والتفكير النقدي.
والرهان اليوم ليس فقط على تقنيات الفلترة، بل على الإنسان السوري نفسه؛ وعيه، تحليله، وشجاعته في قول “لا” للخبر المجهول وللتحريض المغلّف في ثوب المعلومة، ففي عالم رقمي لا يرحم يصبح التحقق من المعلومة أول سطر في كتابة مستقبل أكثر أمناً وسلاماً.

Leave a Comment
آخر الأخبار