كيف نكرس إيجابيات ظاهرة الدروس الخصوصية إلى خدمة تعليمية منتجة وفعّالة..؟!

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:

“ما الذي يحدث في قطاع التعليم..؟”سؤال تردده آلاف الأسر يومياً، على وقع ظروف معيشية صعبة، وظروف تعليم أصعب، والأخطر انتشار ظاهرة “الدروس الخصوصية” التي باتت حملاً ثقيلاً “يؤرق” الأسر السورية، ويشتت مقدرتها على تسديد أجور الدروس الخصوصية التي تضاعفت قيمها، ليس في هذه الأيام فحسب، بل خلال الأعوام السابقة أيضاً، حيث باتت هذه الأقساط تثقل كاهل الأسرة، وخاصة إذا كان لديهم ولد أو ولدان فأكثر. وبات جشع بعض المدرسين في المدارس واضحاً وضوح الشمس، وبشكل مخالف للقوانين والأنظمة النافذة التي تنظم عمل المؤسسات التعليمية. وأصبحت المدارس الخاصة تجارة للكسب السريع، بدلاً من أن تكون باباً لاستقبال كافة الشرائح، مهما كانت حالتهم المادية ضعيفة، وبالتالي فإن المطلوب تطبيق أحكام القانون رقم 55 للعام 2004 وتعديلاته في العام 2016 وهو القانون الناظم لعمل المدارس الخاصة في سوريا، بالإضافة إلى قيام الوزارة بمهامها، بشكل فعلي، وخاصة أنها المسؤولة عن حماية المواطنين، أمام جشع أصحاب المؤسسات التعليمية. كما أن تطبيق التسعير المنطقي للمؤسسات التعليمية الخاصة، سيؤدي بشكل كبير لانخفاض أكبر في الأقساط المدرسية، والحد من جشع مستثمريها..!

تغيير مفهوم التعليم وانتشار الدروس الخصوصية يعودان لتدني الوضع الاقتصادي والمعيشي للمعلمين بالدرجة الأولى..!

أهل الخبرة

الخبيرة التربوية في كلية التربية جامعة دمشق الدكتورة سبلاء حسن أكدت من موقعها التربوي، أنّ حاجات الطلبة الفعلية ورغبتهم في تحسين مستواهم الأكاديمي، وعدم قدرة الأسرة على فهم وشرح المناهج المطورة، وضغط ساعات العمل الطويلة، وحرص الأهالي على رفع مستوى أبنائهم التعليمي، ورغبتهم بتفوقهم وتحقيق النجاح المدرسي، أدت كلها إلى تغير مفهوم الدروس الخصوصية، بعد أن كانت مصممة للطلبة ضعيفي التحصيل العلمي فقط، إذ يسعى معظم الطلبة الآن، ومنهم المتفوقون، إلى تلك الدروس لتأكيد تفوقهم، وبلوغها الذروة أوقات الامتحانات للحصول على الدرجات النهائية.
ولم تعد تقتصر تلك الدروس على طلاب المراحل التعليمية العليا، بل باتت لجميع المراحل التعليمية منذ مرحلة رياض الأطفال، وحتى التعليم الجامعي، وتنطلق مع بداية العام الدراسي ولا تنتهي بانتهائه، لتبدأ رحلة الدروس من الروضة إلى الثانوية العامة، وربما تصاحبهم إلى الجامعة، وهذا ما يدفعنا للسؤال حول أهميتها، والأسباب التي تضطر الأهل إلى صرف الأموال لتأمينها لأبنائهم، وهل هناك بالفعل حاجة حقيقية للطلاب، وأولياء الأمور، لتوفير تلك الدروس، وحجز المقاعد لدى المعلمين الأكفاء في مهنة التدريس..؟! من دون تجاهل سؤال لا يقل أهمية عما سبق: هل تحولت ظاهرة الدروس الخصوصية المأجورة إلى أمر واقع؟ وما تأثيرها في جودة مخرجات التعليم؟ وهل تحولت أيضاً تلك الظاهرة إلى عمل تجاري في ظل ارتفاع أسعار الحصص الدرسية، وباتت غايتها المكسب المادي للمعلمين عوضاً عن المكاسب التربوية والتعليمية؟
وهنا تضيف” حسن”في تصريحها لصحيفة الحرية: نحن كمربين ومدرسين وخبرات، نسأل عن الإجراءات التي يتخذها القائمون على عمل وزارة التربية والتعليم في الحكومة، لضبط تلك الظاهرة وتكريس الإيجابي منها والتخفيف من آثارها غير المرضية؟

حسن: الدروس الخصوصية تنشط مع ازياد حالات التسرب من الدوام والكوارث الطبيعية والأزمات

ترتبط بعوامل عدة

وترى حسن أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية التي يشهدها مجتمعنا، ترتبط بعدة عوامل ومتغيرات تؤثر في طبيعتها، من بينها تدني الوضع الاقتصادي للمعلمين، وانخفاض أجورهم واضطرارهم لإعطاء الدروس الخصوصية لتحسين مستواهم المعيشي، وانخراط الأهل في العمل لساعات طويلة وعدم التفرغ لتدريس أبنائهم، واعتمادهم على المدرس الخصوصي لتعويض ضعف أبنائهم الأكاديمي، بالإضافة إلى الوضع التنظيمي للمؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها، التي تشهد في أغلبها ارتفاعاً في أعداد الطلبة ضمن الغرفة الصفية الواحدة، والفروق الفردية بين الطلبة، وضيق وقت الحصة الدرسية، وتفاوت تأهيل المعلمين وخبرتهم المهنية في الإدارة الصفية، وتوفير أجواء تعليمية مناسبة، تضمن استفادة المتعلمين القصوى أثناء الحصص الدرسية، وكثافة المناهج الدراسية، وضخامة المقررات، وتطوير المناهج الذي لا يتوازى مع توفير الآليات والوسائل المعينة في المدرسة، وضعف مستوى بعض أولياء الأمور التعليمي، وعدم قدرتهم على مجاراة المحتوى العلمي المقدم، ومساعدة أبنائهم في التعلم.

ظاهرة الدروس الخصوصية ليست محسوبة على مجتمعنا فحسب، بل تحظى بانتشار عالمي، لكن النظر إليها مختلف بالنتائج والأهداف

مشروعية الدروس..!

ورداً على سؤالنا حول الدروس الخصوصية، هل تُعمق فجوة التعليم، وتوثر على مستوى التحصيل الدراسي الحكومي العام..؟!
تشير الخبيرة حسن إلى أنّ الارتفاع الكبير في أسعار الدروس الخصوصية أدى إلى تفاوت ملحوظ في المستوى التعليمي بين الطلاب، مع تباين القدرة المالية للأهل في تغطية تكاليفها، وصعوبات في مواكبة المنهاج الدراسي، ما عمّق الفجوة التعليمية والاجتماعية بينهم، بالإضافة إلى تأثر دور المدرسة الأساسي في ظل تلقي بعض الطلبة لتلك الدروس، وكونه امتيازاً لفئات محدودة ممن تستطيع تحمل مصاريفها، وتباين مخرجات التعليم، وتركيز الهدف من تلك الدروس على النجاح في الامتحانات فقط، من دون التركيز على مهارات الطلبة المعرفية.
أما فيما يتعلق بمشروعية الدروس الخصوصية، وموقف وزارة التربية والتعليم منها ومن المدرسين الذين يمتهنونها، فأوضحت حسن اتخاذ وزارة التربية والتعليم عدة إجراءات للحدّ من هذه الظاهرة، كمنع المعلمين من إعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المدارس التي هم على ملاكها، وإقامة الدروس والندوات التعليمية عبر الفضائية التربوية، والمنصات الإلكترونية التربوية، بإشراف معلمين مؤهلين، وخاصة لطلاب الشهادات.
كما عملت الوزارة على إقامة دورات تعليمية عبر الأساتذة من الكادر التربوي للمدارس الرسمية، بأجور رمزية في المدارس بالتعاون مع جهات حكومية، ومنظمات غير حكومية للطلاب الذين يحتاجون رفع مستواهم التعليمي، ومتابعة وتقييم عمل المعلمين داخل الغرفة الصفية، من قبل التوجيه الاختصاصي والتربوي لضمان قيام المعلم بعمله بالشكل الأمثل، وتعزيز التعليم الحكومي.
بدليل المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 73 لعام 2011 أكدت عدم تسجيل الطلاب النظاميين والمقيدين في المدارس الرسمية في المعاهد الخاصة، والاقتصار على تقديم الخدمات التعليمية للطلبة الأحرار الراغبين في التقدم لامتحان الشهادتين.

الحل بالقوننة

هنا تطفو على السطح تبعات المشكلة، وفرض الحلول المطلوبة أمام الثغرات الكبيرة للمشكلة، وبالتالي فهل الحل يكمن في إيقاف تلك الدروس ومنع المعلمين من تقديمها، أم لابدّ من الاعتراف بهذا النوع من الخدمات التعليمية، وقوننته، وتنظيمه ..؟!
وهنا ترى حسن، أنّ الدروس الخصوصية تنشط مع ازدياد حالات التسرّب من الدوام المدرسي لدى الكثير من الطلبة، وتعويض الفاقد التعليمي من جراء الأحداث والأزمات الصحية والكوارث الطبيعية التي تتعرض لها البلاد.
لابدّ من الاعتراف بهذا النوع من الخدمات التعليمية، وقوننته، وإيجاد الأطر التنظيمية من خلال عمل مجتمعي تشاركي، ومساهمة المجتمع المحلي، من خلال لجان عمل مجتمعية تضم المختصين وغير المختصين، وأهالي بعض الطلبة، وتشكيل لجان لتقييم احتياجات الطلبة التعليمية، وتنظم دورات تقوية بأسعار مخفضة، تقدمها نخبة من المدرسين الأكفاء بأجور تعويضية مناسبة بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات العاملة في مجال تقديم الخدمات التعليمية، بالتوازي مع تحسين جودة التعليم في المدارس، وإيجاد بيئة تعليمية محفزة وداعمة تشجع الطلبة على الدراسة بإشراف وزارة التربية والتعليم.
كما يمكن تفعيل المبادرات المجتمعية، والاستعانة بالطلاب المتفوقين، وخريجي التعليم الثانوي المميزين، وتدريبهم على تحمل مسؤولياتهم المجتمعية، وتقديم المساعدات الأكاديمية لأقرانهم بشكل طوعي.
كذلك يمكن تقديم الحوافز المادية والتشجيعية للمعلمين الذين يقدمون دروساً غير مأجورة، وتقديم الشهادات التكريمية التي تنصف جهودهم المبذولة.

المدرسة البيئة الأفضل

وبالتالي تبقى المدرسة هي البيئة التعليمية الأفضل للطلبة، معاً نحو مدارس صديقة للطفولة، وهنا تؤكد حسن، أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية ليست وليدة مجتمعنا فحسب، بل هي سمة عامة للعديد من المجتمعات العربية والعالمية. وبين وجهات نظر مؤيدة ومعارضة للدروس الخصوصية، كلّ وفقاً لأسبابه التي لابدّ أن تؤخذ بالحسبان ، فإنها تبقى مفيدة ونافعة وتُحقق نتائج إيجابية، فيما يتعلق بتحسين تعلم الطلبة وتقويتهم أكاديمياً، وإن في حدودها الدنيا، ويبقى أن تتضافر الجهود من الجميع، لتكريس النواحي الإيجابية فيها، والتخفيف من نتائجها غير المرضية على الأسرة والمؤسسات التعليمية، وأطراف النظام التعليمي والمجتمع، والاستفادة من تجارب المجتمعات، في إيجاد حلول عملية لتطويرها، وجعلها منتجة وفعالة، تعود بالنفع على مصلحة أطفالنا الفضلى.

وتختم حسن حديثها بأنه يجب أن نجعل مؤسساتنا التعليمية مساحات صديقة للطفولة، تنمّي معارفهم ومهاراتهم، وترفع مستوى تحصيلهم الأكاديمي بما يضمن حقوقهم في تعليم منصف وعادل وشامل للأطفال جميعهم.

Leave a Comment
آخر الأخبار
مشهد استثماري واسع لهيئة المنافذ البرية والبحرية.. والصين تدخل على خط استثماراتها وزير الاتصالات يبحث مع القائم بأعمال السفارة الفرنسية تعزيز التعاون المشترك مسقط رأس أبي العلاء المعري.. معرّة النعمان تناشد إحياء أوابدها الأثرية والثقافية حضور لافت لمنظمة «أكساد» في مؤتمر "الزراعة نبض الحياة" في العاصمة اللبنانية خريطة طريق متوازنة لالتقاط مسارات الإصلاح والبناء في سوريا الجديدة... خبير وأكاديمي يعلن التحدي مع ا... "إعلام حلب" تنظم محاضرة حول الذكاء الاصطناعي ومهارات الظهور والتأثير الإعلامي  مشروع "محو الأمية الرقمية" مكّن ١٥٠ تلميذاً من إنشاء مشاريع برمجية صغيرة في اللاذقية الوزير البشير يبحث مع وزير الطاقة التركي سبل توسيع مجالات التعاون الثنائي معتمدون يرفعون سعر ربطة الخبز إلى ٥ آلاف ليرة... ومواطنون من ريف حماة يشتكون: هم يومي ونطالب بالمراق... أرواح صغيرة تبحث عن الأمان.. أرقام صادمة ومُفجعة للشهداء الأطفال في غزة