حكاية صياد جبلة – من سعي الرزق إلى سكينة الروح

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران :

على شاطئ مدينة جبلة الساحر، حيث تتكسر أمواج البحر الأبيض المتوسط بلطف على الرمال الذهبية، التقت صحيفتنا “الحرية” برجل في منتصف العمر يحمل سنارة صيد عتيقة، يتوافد هذا الصياد إلى الشاطئ مع إشراقة كل صباح، عند السابعة تماماً ، ولا يغادره إلّا مع الظهيرة، بعد أن يكون قد ألقى بهمومه في عرض البحر وعاد بما تيسر له من رزق.

تطورت أحاديثنا لتكشف جوانب من قصة حياة هذا الرجل الذي ارتبط بالبحر ارتباطاً وثيقاً وأفاد بأنه يمارس الصيد بالسنارة منذ ما يقارب العشرين عاماً.

وبنبرة تعكس حنيناً إلى الماضي، ذكر العم أبو أحمد : (كنت في البداية أصطاد السمك لإطعام أولادي.) أما الآن ونتيجة للظروف المعيشية القاسية، فقد أصبحت أبيع ما أجنيه من السمك.

وتابع حديثه قائلاً ؛ أصطاد جميع أنواع الأسماك، من صغيرة الحجم إلى ما قد تجود به الأعماق ، مشيراً إلى أنّ شغفه بهذه المهنة يتجاوز مجرد كسب العيش، حيث صرّح: “أحب هذه المهنة كثيرًا، ولا أستطيع أن أتركها، لقد أصبحت كل حياتي.”

ملاذ الروح

وأشار أبو أحمد إلى أنه بعد انتهاء يومه الشاق، يجلس مع أصدقائه من نفس الجيل، حيث يرى في عيونهم ثقل السنين وهموم الدنيا التي أثقلتهم، والأوجاع التي بدأت تنهش أجسادهم. مؤكداً أنّ ملاذه هو البحر، حيث يتوجه إليه ليعيش لحظات السعادة، ويلقي على عاتقه كل أحزانه وهمومه، مؤكداً أنّ الصيد ينسيه مأساة الحياة.

وعلى الرغم من قسوة الظروف وتقلب الرزق، يظل أبو أحمد متمسكاً بمهنته وإيمانه، حيث ابتسم قائلاً: أحياناً أصطاد صيداً وفيراً، وفي أحيان أخرى لا أستطيع أن أصطاد إلّا بضع سمكات، مضيفاً : أحمد الله على نعمة الصبر الموجودة.

موضحاً أن هذا الصبر هو مفتاح بقائه، وهو الذي يجعله يعود إلى بيته كل يوم بقلب راضٍ، حيث تنتظره زوجته وأولاده بفارغ الصبر لتبادل أطراف الحديث.

وأكد أنه لو عاد بلا صيد لكانوا قد كرهوه، ولكره هو نفسه، لافتاً إلى أنه في كل سمكة يصطادها، يرى قيمة تعبه وجهده، ويرى تقدير أسرته التي تعتمد عليه.

صداقة البحر وقصص الصيادين

أثناء استمتاعه بنعمة الصيد، يراقب الصيادين الماهرين وهم يركبون قواربهم الصغيرة ويتعمقون في قلب البحر، ثم يعودون محملين بأنواع السمك الوفيرة.

مضيفا : أنه قد نشأت بينه وبينهم صداقة قائمة على الاحترام المتبادل وتقدير المصاعب المشتركة، حيث قال بعفوية: أدعو لهم بالصيد الوفير، فهم بحاجة أيضاً لإطعام أطفالهم. مؤكداً على روح التضامن التي تسود مجتمع الصيادين، حيث يعرفون جيداً معنى الكفاح من أجل لقمة العيش.

تكمن في قصة هذا العم أبو أحمد حكاية مدينة بأكملها، وقصة إصرار إنسان على الحياة رغم قسوتها. إنها قصة رجل وجد في البحر رفيقاً ، وفي الصيد مهنة، وفي الصبر فضيلة، وفي العطاء قيمة، إنها قصة تعلّمنا أنّ السعادة قد تكمن في أبسط الأشياء، وأن البحر ليس فقط مصدر رزق، بل هو أيضاً ملجأ للروح ومدرسة للصبر والرضا.

Leave a Comment
آخر الأخبار