الحرية – بشرى سمير :
في خطوة طال انتظارها، أطلقت وزارة التعليم العالي رابطاً إلكترونياً لتسجيل الموظفين والأساتذة الذين تم فصلهم من وظائفهم على خلفية الأحداث التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، والراغبين في العودة إلى وظائفهم. وبين هؤلاء عددٌ لا يُستهان به من أساتذة جامعة دمشق، الذين وجدوا في هذه الفرصة بارقة أمل طالما انتظروها منذ سنوات طويلة من الألم والاغتراب.
لكن رغم أهمية هذه الخطوة، فقد ظهرت معوقات حقيقية تهدد بعدم استفادة الكثيرين منها، أبرزها ضيق المدة الزمنية التي تُحدد فيها مواعيد المقابلات. إذ تُفاجأ الأسماء المقبولة باتصالات هاتفية تخبرهم بأن مقابلتهم ستكون بعد 4 أو 5 أيام فقط، وهي فترة غير كافية إطلاقاً لمن هم في الخارج كي يتمكنوا من الترتيب للسفر، وخاصة في ظل ظروف الطيران المعقدة، والتي ازدادت سوءاً بسبب التوترات الإقليمية والحرب المستجدة بين إيران وإسرائيل، والتي أوقفت عملياً أي حركة طيران مباشرة أو غير مباشرة إلى سوريا في هذه الفترة.
الضغط النفسي يتجدد
يبين الدكتور محمد عربون أحد الأساتذة المفصولين والمقيم حالياً في أوروبا في حديثه للحرية:” نحن لا نطلب امتيازات، بل فقط القليل من العدالة والمرونة، لا يمكن تحديد موعد مقابلة بعد 5 أيام لشخص يعيش في المهجر دون أن يكون ذلك تعجيزاً مقنعاً أو وكأن الغاية هي استبعادنا دون إعلان ذلك صراحة”.
وأضاف الدكتور علي علي أستاذ سابق في كلية الحقوق: العديد منا يعيشون ظروفاً إنسانية ومادية صعبة في الخارج، اضطررنا للهروب من الحرب، والآن يُطلب منا العودة تحت ضغط زمني غير منطقي، هذا يضعنا تحت ضغط نفسي شديد وكأننا نُعاقب مرة أخرى.
ويرى عدد من الأساتذة الذين تواصلنا معهم، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو هاتفياً، أن الحلول العملية التي قد تسهم في إنصاف هؤلاء الأكاديميين تتمثل في تمديد الفترة الزمنية بين تبليغ الشخص وموعد المقابلة لتكون على الأقل 15 إلى 20 يوماً، ما يتيح فرصة كافية لتأمين تذاكر الطيران وإجراء التحضيرات القانونية والأمنية والسماح بالمقابلات عبر الإنترنت (فيديو كونفرنس) كخيار مؤقت، وخاصة في حالات تعذر السفر بسبب الظروف الجوية أو الأمنية.
ورأى الدكتور عمران ابراهيم أهمية إنشاء لجنة تواصل خاصة للمغتربين لمتابعة قضاياهم وتقديم استثناءات مدروسة على غرار ما يتم في الكثير من دول العالم مع مواطنيها في الخارج، والاعتراف بصعوبة العودة السريعة إلى سوريا في ظل الأوضاع الراهنة، وإصدار تعليمات واضحة ومكتوبة تضمن العدالة وتكافؤ الفرص بين الموجودين في الداخل والخارج وإعداد ونشر جداول زمنية للمقابلات مسبقاً على موقع إلكتروني مخصص، ليتمكن المعنيون من التخطيط المسبق بدلاً من المفاجآت.
وختاماً: هؤلاء الأكاديميون لم يطلبوا يوماً سوى العدالة والعودة إلى وطنهم الذي ما زال يعيش في ذاكرتهم. مرّوا بسنوات من الفقد والإقصاء، وحان الوقت لرد الاعتبار لهم، لا عبر بوابة البيروقراطية العاجزة، بل من خلال رؤية إنسانية وإدارية تأخذ بعين الاعتبار واقعهم ومعاناتهم ونطالب الجهات المعنية، وفي مقدمتها جامعة دمشق ووزارة الإدارة المحلية بمراعاة هذه الظروف الحساسة وتفادي تحميل هؤلاء الناس عبئاً إضافياً فوق ما حملوه طوال سنوات الشتات.