الحريةـ رحاب الإبراهيم:
يعيش الاقتصاد المحلي في هذه المرحلة المفصلية أزمات مركبة صعب تداركها خلال فترة محدودة، وخاصة بعد تضرر القطاع الزراعي الشديد جراء أزمة الجفاف، التي تعد الأخطر منذ عقود طويلة في ظل موسم مطري شحيح، ليلحق ذلك خسائر بأغلب المحاصيل الزراعية جراء نقص المياه وعدم قدرة الفلاحين على تحمل تكاليف السقاية، ما يهدد بشكل مباشر لقمة العيش والأمن الغذائي ويعرض آلاف العائلات للجوع ما لم يتم تدارك الخطر الداهم عبر وضع خطة زراعية تؤمن احتياجات العملية الزراعية وتساعد المزارعين على الاهتمام بأرضهم وزراعة كل شبر منها مع اعتماد طرق الري الحديث لإدارة المياه المتوافرة بأساليب ذكية.
واقع الجفاف في محافظة حماة
يختلف بنسب معينة عن المحافظات السورية الأخرى، لكن باعتبار أنها زراعية بامتياز، تعد من أكثر المدن تضرراً وخاصة بعد انخفاض منسوب المياه في الأنهار والينابيع الجوفية إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يشكو منه أغلب المزارعين وخاصة فيما يتعلق بالمحاصيل المروية، وسط مطالبات بإيجاد حلول سريعة لهذا الواقع الصعب لدعم القطاع الزراعي وحماية الأمن الغذائي.
خطة زراعية
الباحث الاقتصادي د. فاخر القربي، أكد في تصريح لصحيفتنا “الحرية” هذه الحقيقة بالإشارة إلى أن سورية حالياً وليس حماة فقط تعاني من انهيار شبه كامل بالقطاع الزراعي وخاصة في ظل عدم وجود خطط استباقية لتأمين كل مستلزمات العملية الزراعية، ما يجعلنا بمهب الرياح وعرضة للتوتر الاقتصادي، الذي يجعل المواطن في حالة قلق على مستقبل أمنه الغذائي، وهذا يتطلب خطة زراعية مبنية على أرقام وإحصائيات حقيقية بغية التقديم على كامل الدعم اللوجستي والإرشادي للمزارعين لضمان واقع زراعي يستطيع الصمود في وجه الهجمات الطبيعية البيئية.
تدابير ضرورية
ويؤكد د.القربي خطر الجفاف وآثاره على القطاع الزراعي والأمن الغذائي في حال لم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة، فاليوم أثر الجفاف لا يقتصر على النباتات والماشية، لكنه يشكل تهديداً كبيراً على حياة البشر، فهو يعد كارثة طبيعية نظراً للأضرار التي يسببها للنظام البيئي بأكمله ويؤدي إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي بشكل عام.
ورغم هذا الواقع الصعب يشير د.القربي إلى إمكانية اتخاذ تدابير أساسية تلجأ إليها الدول لمواجهة الجفاف وقلة التساقطات المطرية كتعزيز التدبير الجيد للموارد المائية وتشمل زيادة كفاءة استخدام المياه الزراعية والمنزلية، وتطوير أنظمة لرصد وإدارة مستويات المياه في السدود والخزانات؛ والتحفيز على الاقتصاد المائي، بما في ذلك تشجيع التكنولوجيا المتوافقة مع المياه والممارسات الزراعية المستدامة التي تقلل من استهلاك المياه، وتنمية المصادر المائية البديلة كتحلية مياه البحر، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة أو في الصناعة.
وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية تطوير البنية التحتية من أجل تقليل ضياع المياه وتحسين كفاءة نقلها وتوزيعها، مع العمل على التخطيط الحضري أو المدني المستدام، الذي يأخذ في الاعتبار تأثير النمو الحضري على استهلاك المياه وتأثيراته على البيئة المحلية، إضافة إلى تنمية الزراعات المقاومة للجفاف عبر زراعة أصناف مقاومة للجفاف واستخدام تقنيات الري الحديثة والفعّالة مثل الري بالتنقيط، وتطوير السياسات والتشريعات لتعزيز حقوق المياه والتحكم في استخدام المياه وحماية الملك العمومي المائي.
وشدد د.القربي على أهمية التوعية العامة حول ضرورة ترشيد استهلاك المياه والتحفيز على تبني الممارسات الفضلى عند استخدام المياه.
حلول فاعلة
وعاد د.القربي ليؤكد أن الجفاف من أكثر الكوارث الطبيعية المدمرة التي نواجهها في السنوات الأخيرة، لكن من خلال العثور على أفكار وحلول مبتكرة يمكننا الحد من تأثير الجفاف ومنع حدوث تلك الكارثة الطبيعية، ومن هذه الحلول تحلية المياه، التي تحتاج موارد كثيرة، ففي البداية يجب غلي المياه ثم تحويلها إلى بخار ثم تكثيفها، ويتطلب ذلك كمية كبيرة من الوقود الأحفوري لإنتاج تلك الحرارة العالية، لكن ما زال هناك أمل بتطور مجال إنتاج مرشحات الجرافين التي تقوم بتحلية المياه من دون استخدام أي شيء سوى الضغط الهيدروستاتي.
حصاد الأمطار
ومن الحلول أيضاً حسب د.القريي حصاد مياه الأمطار، الذي شهد تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة وهو أمر يجب أن يعتمد عليه الجميع، فمن خلال حصاد الأمطار يمكن للمنازل تخزين مياه الأمطار واستخدامها في أوقات الجفاف، في المناطق الحضرية تمتص التربة 15% فقط من مياه الأمطار وفي المناطق الريفية تمتص التربة نحو 50% من مياه الأمطار، ويوفر حصاد مياه الأمطار خياراً فعالاً لتخزين المياه ثم إعادة استخدامها في أوقت الجفاف.