الفجوة واسعة بين حسابات الأرض والتوقعات المناخية .. اضطراب المواسم المطرية وارتفاع الحرارة والإجهاد المائي تضع المحاصيل الزراعية في مهب الريح 

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية _ رشا عيسى: 

تبدو الفجوة واسعة بين حسابات الأرض والتوقعات المناخية التي أفرزت أضراراً واسعة أطاحت بمحاصيل زراعية كاملة في عدة مناطق على امتداد سوريا ودول أخرى، وأصابت الموارد المائية السطحية والجوفية بعجزٍ مسجل.

وتواجه سوريا كما غيرها من الدول العديد من التحديات وربما أكثر لجهة اضطراب المواسم المطرية وارتفاع درجات الحرارة والإجهاد المائي في معظم الأحواض المائية، حيث إن الجزء الأكبر من الموارد المائية مشترك مع دول الجوار.

عوامل متشعبة

الباحثة في الشأن الزراعي الدكتورة رنيم مسلم بينت لـ ” الحرية” أن أثر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي والموارد الطبيعية يظهر بانخفاض مناسيب السدود والمتاح من الموارد المائية السطحية والجوفية، حيث تسببت موجات الحرارة العالية والحرائق وموجات الصقيع والبرد والتنين البحري بإلحاق أضرار كبيرة بإلانتاج الزراعي.

وقدمت الدكتورة مسلم شرحاً واسعاً حول تأثيرات التغير المناخي على إنتاج المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها الحبوب والبقول حيث أن ارتفاع درجات الحرارة، وتقلبات في أنماط هطول الأمطار، وتوسع ظاهرة الجفاف، كلها عوامل تقلل من إنتاجية المحاصيل الحبوبية مثل القمح والأرز، والمحاصيل البقولية فضلا عن تدهور التربة ما يجعلها أقل خصوبة، وأقل قدرة على دعم الزراعة، إضافة إلى تلف المحاصيل، فالظواهر الجوية الجديدة مثل الفيضانات والعواصف والأمراض النباتية التي تسببها التغيرات المناخية، تؤدي إلى تلف المحاصيل وزيادة خسائر الحبوب، وتغير في توزع المحاصيل ما يؤدي إلى انخفاض في إنتاجية بعض المناطق وزيادتها في مناطق أخرى.

ما سبق يزيد مخاطر الجوع خاصة أن انخفاض إنتاج الحبوب يؤثر على الأمن الغذائي ويساهم في ارتفاع أسعار الغذاء، وسوء التغذية في المناطق الأكثر تضرراً.

وتتشعب أزمة التغيرات المناخية لتفرض تحديات في عمليات تخزين ونقل الحبوب، وارتفاع أسعارها ووفقاً لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المتوقع أن ترتفع أسعار الحبوب بنسبة تتراوح بين 1 و 29% في المئة بحلول عام 2050 وفقاً للتغير المناخي.

القمح من أكثر المحاصيل تضرراً حيث تشير الدراسات إلى أن التغير المناخي سيؤدي إلى انخفاض إنتاج القمح العالمي بنسبة 1.9% بحلول منتصف القرن، مع حدوث التأثيرات الأكثر سلبية في أفريقيا وجنوب آسيا، إلى جانب زيادة انتشار الأمراض النباتية مثل مرض فطريات عفن القمح، ما قد يقلل من إنتاج القمح العالمي بنسبة 13% حتى عام 2050.

التكيّف الشاق

التكيف مع هذه التغيرات يبدو أمراً ليس سهلاً ويحتاج كما توضح الدكتورة مسلم إلى تطوير أصناف مقاومة للظروف المناخية الصعبة، وتطوير طرق الزراعة المستدامة مثل الزراعة التناوبية والزراعة الإيكولوجية، وتطوير طرق ري مبتكرة ورائدة مثل الري بالتنقيط والرشاشات، وإعادة استخدام المياه المستصلحة (المعالجة) ونظم الحصاد المائي من أجل تقليل استهلاك المياه الجوفية، إضافة إلى تنفيذ نهج شامل للإدارة المتكاملة للمياه في المناطق النائية والجافة، وتوفير الدعم للمزارعين، وتعزيز التعاون الدولي، وتبادل التقنيات اللازمة للتكيف مع التغيرات المناخية، وتفعيل دور الشباب للمساهمة في التصدي لتحديات المناخ، من خلال التوعية والتعليم والمشاركة في الحملات البيئية، وإطلاق حملات لتشجيع تجارب الطاقة المتجددة، وإطلاق مشاريع إعادة التدوير والتصنيع، إضافة إلى دورهم في تحفيز العمل على تبني ممارسات مستدامة عبر دعم المشاريع الخضراء والتعاون مع المؤسسات الحكومية والشركات المهنية المهتمة بالبيئة.

مقترحات

وقدمت الدكتورة مسلم جملة مقترحات للتقليل من آثار الجفاف على الزراعة بمختلف أنواعها (إنتاج نباتي، إنتاج حيواني) منها الاطلاع الدائم على التوقعات المستقبلية للأرصاد الجوية والمناخ فيما لا يقل عن خمس سنوات مستقبلية، ووضع خطط مدروسة لاستهلاك المياه بمختلف استخداماتها (للشرب أو للزراعة…) استناداً إلى (ما هو متوفر وما هو مطلوب) خلال السنوات القادمة فترة لا تقل عن 5 سنوات.

ومن المقترحات أيضاً استثمار السنوات التي تتميز بنقصان في المياه وأمطار وفيرة من ناحية في التركيز على زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية، ومن جهة في تعزيز البنية التقنية المتعلقة بتأمين خزانات بسعات كبيرة، مع التركيز على إعادة السدود بالقرب من المناطق المتخصصة بزراعة المحاصيل الاستراتيجية وجعلها متاحة للمزارعين لتقليل الخسائر الناجمة عن عدم قدرة المزارع على توفير الري على حسابه الشخصي.

وأخيراً التركيز على زيادة عدد الأشجار الحراجية حيث شهد واقع الأشجار الحراجية في الغابات تدهوراً كبيراً جداً لاسيما خلال السنوات الأخيرة من ناحية الحرائق والقطع الجائر للتهميم والتدفئة، وكبديل لعدم توفر الكهرباء وارتفاع أسعار الغاز ، والاستفادة قدر الإمكان من نتائج الأبحاث الزراعية (قسم المحاصيل) للتعرف على أبرز الأصناف والأنواع النباتية وطرق معاملتها إضافة إلى نتائج القسم الاقتصادي المتعلقة بتكاليف المحاصيل وكفائتها الاقتصادية.

Leave a Comment
آخر الأخبار