“خارج الرادار الدولي”.. أسرار تخصيب إيران بعد الضربة ‏الأمريكية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية– أمين سليم الدريوسي:

في أعقاب الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة ‏على المنشآت النووية الإيرانية، عاد إلى الواجهة سؤال ‏استراتيجي بالغ الأهمية: هل نجحت واشنطن فعلاً في تدمير ‏قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي؟ ولكن الإجابة ليست ‏بهذه البساطة، إذ تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والتقنية ‏والسياسية.‏

نجاح تكتيكي أم فشل استراتيجي؟

في 22 حزيران 2025، أقدمت الولايات المتحدة ‏على شن هجمات جوية مركزة على منشآت إيران النووية ‏نطنز وفوردو وأصفهان، وذلك بعد 12 يوماً من الهجمات ‏الإسرائيلية المتتالية ليل نهار، وقد استخدمت الولايات المتحدة ‏في هذه الهجمات قنابل خارقة للتحصينات من طراز «‏GBU-‎57‏» وبعد انجاز المهمة من الطائرات الشبحية «‏B2‏» ‏صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن منشآت إيران ‏الرئيسية لتخصيب اليورانيوم قد دُمرت بالكامل.‏

لكن تقييماً استخباراتياً سرياً، أشار إلى أن الضربات ألحقت ‏أضراراً كبيرة لكنها لم تدمر المنشآت بالكامل، وأن جزءاً من ‏اليورانيوم عالي التخصيب نُقل قبل الضربة، كما أن معظم ‏أجهزة الطرد المركزي لم تتضرر.‏

اليورانيوم المخصب.. المادة موجودة ولكن أين؟

وفقاً لتقديرات وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، فإن إيران ‏كانت تمتلك نحو 408 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة ‌‏60 %، وهي كمية تقترب من العتبة اللازمة لصنع قنبلة ‏نووية، ومع ذلك، لم يُعرف مصير هذه المواد بعد الضربة، ‏ما يعزز فرضية نقلها إلى مواقع سرية.‏

وصرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ‏غروسي، بوضوح أنه «لا نعرف أين يمكن أن تكون هذه ‏المواد.. ربما نُقل بعضها، وربما دُمّر، لكن لا بد من توضيح ‏في مرحلة ما».‏

مع ذلك فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت نشاطاً غير ‏اعتيادي لشاحنات قرب منشأة فوردو قبل الضربات، ما يعزز ‏فرضية نقل المواد إلى مواقع سرية.‏

صحيفة فايننشال تايمز نقلت عن مصادر استخباراتية أوروبية ‏أن المخزون لم يكن متمركزاً في فوردو وقت الضربة، بل ‏تم توزيعه مسبقاً.‏

منشآت بديلة تحت المجهر

تشير تقارير استخباراتية إلى أن هناك منشأة نووية جديدة ‏تحت جبل يُعرف بـ«جبل الفأس» قرب نطنز، بعمق يصل ‏إلى 100 متر، أي أكثر تحصيناً من فوردو، ويُعتقد أن هذه ‏المنشأة قد تكون الملاذ الجديد للمخزون النووي، خاصة مع ‏وجود أربعة مداخل وشبكة أنفاق معقدة، ما يجعلها شبه منيعة ‏أمام القصف التقليدي.‏

المعرفة النووية.. هل يمكن قصف العقول؟

حتى لو تم تدمير البنية التحتية، فإن المعرفة التقنية والعلمية ‏التي راكمتها إيران لا يمكن محوها بالقنابل، قد يسأل سائل ما ‏الذي يدعونا لقول ذلك؟ الجواب، كيف لا وقد أشار مدير ‏وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق، جون راتكليف، ‏إلى أن إيران «على وشك امتلاك قنبلة ذرية»، بينما قالت ‏المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن «كل ما ‏تحتاجه إيران هو قرار سياسي، ويمكنها صنع القنبلة خلال ‏أسبوعين».‏

ما بعد الضربة

رغم إعلان واشنطن أمام مجلس الأمن أن الضربات «قلّصت ‏فعلياً قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي»، فإن تقييماً أولياً ‏للاستخبارات الأمريكية خلص إلى أن البرنامج تأخر لبضعة ‏أشهر فقط، وليس أكثر، وقد عبّر السيناتور كريس فان هولن ‏في هذا السياق عن قلقه من «تحريف ترامب للمعلومات ‏الاستخباراتية وتلاعبه بها».‏

خلاصة القول

الضربات الجوية لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل أعادت ‏تشكيله في الظل، فالمادة الأساسية «اليورانيوم المخصب» ‏موجودة ولكن خارج الرادار الدولي، والمعرفة التقنية باقية، ‏والمنشآت البديلة قيد التشغيل أو البناء، ما لم يُستأنف التفتيش ‏الدولي وتُكشف المواقع الجديدة، فإن الخطر النووي الإيراني ‏لم يُستأصل، بل أصبح أكثر غموضاً وتعقيداً.‏

إذاً الضربة الأمريكية لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، لكنها ‏أعاقت قدرته التشغيلية مؤقتاً، ومع بقاء المواد، والمعرفة، ‏والإرادة السياسية، فإن الخطر لم يُستأصل بل تغيّر شكله، ما ‏لم يُعالج الملف عبر تسوية دبلوماسية شاملة، فإن سباق ‏الظلال بين إيران والغرب سيستمر، وربما يدخل مرحلة أكثر ‏غموضاً وخطورة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار