الحرية- يسرى المصري:
لم يكن من السهل تمرير ورقة “تحرير رأس المال الخاص إلى سوق دمشق للأوراق المالية في مخاطرة قد لا يتحملها السوق في ظل الكثير من التحيات والتقلبات ..لكن لا بأس من النظر إلى الأسواق الناشئة والبلدان النامية في وقت الأزمات التي تلجأ إلى عدد من الأدوات والتدابير المتاحة لدعم تدفقات رؤوس الأموال إلى الاستثمارات التي يمكن أن تسرّع النمو والانتقال إلى مستقبل مستدام.
وبحسب الخبير الاقتصادي هشام خياط تشمل هذه الأدوات سياسات البنوك المركزية، والمصارف الإنمائية متعددة الأطراف، بما في ذلك السياسة النقدية الاستباقية التي تتبعها البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، وأضف إلى ذلك اللوائح الاحترازية لدعم الاستثمارات العابرة للحدود في الأسواق الناشئة من خلال التناسب والتشاور ومعالجة كيفية التعامل مع نسب رأس المال، ومعالجة مخاطر المناخ في اللوائح الاحترازية.
وأيضاً يمكن إدخال تحسينات على منهجيات وكالات التصنيف الائتماني لتحقيق المزيد من المساءلة والشفافية ومعالجة أفضل للمخاطر وتعزيز عمليات الحوكمة؛ ولا بد من تطوير وتحسين أسواق رأس المال في الأسواق الناشئة في البلدان النامية والبلدان بحيث توفر لها قائمة الأدوات نفسها المتاحة لأسواق الاقتصادات المتقدمة في الوقت المناسب وبطريقة فعالة من حيث التكلفة.
وبعرض سياق هذه الإجراءات نجد من الأولويات مجموعة من التوصيات المتعلقة بالسياسات “التي لا ندم عليها” والتي يمكن لصانعي السياسات تنفيذها لدعم استقرار ونمو البلدان النامية في الأسواق الناشئة في ظل حالة عدم اليقين الجغرافي السياسي والبيئي والاقتصادي التي تواجهها في الوقت الراهن.
التصنيفات الائتمانية السيادية
ويلفت الخياط إلى أنه على مدار أكثر من قرن من الزمان، لعبت مجموعة صغيرة من وكالات التصنيف الائتماني السيادي دورًا كبيرًا في تشكيل أسواق الديون السيادية العالمية. ويمكن أن تكون لقرارات هذه الوكالات انعكاسات عميقة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلدان التي تصنفها. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على الدول الصغيرة ومنخفضة الدخل التي تعتمد على الاقتراض الخارجي، وغالبًا ما تواجه بالفعل ضائقة ديون.
وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة للشفافية والمساءلة منذ الأزمة المالية العالمية 2007-2008، إلا أن الكثير من قرارات وكالات التصنيف الائتماني ظلت بعيدة عن عيون الجمهور. ولطالما هيمنت وكالات التصنيف الائتماني “الثلاثة الكبار” – موديز وستاندرد آند بورز جلوبال وفيتش – على السوق، ما أثار المخاوف بشأن قوة السوق وتأثيرها على الجهات السيادية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
وبشكل عام، يرى الخياط أن الحصول على التصنيفات السيادية بشكل صحيح أمر بالغ الأهمية لإطلاق تدفقات رأس المال وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعلى الرغم من تنفيذ اتفاقية بازل 3 على الصعيد العالمي، فقد أثارت اتفاقية بازل 3 مخاوف بشأن تأثيرها على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وقد سلطت دراسة أجراها مجلس الاستقرار المالي في عام 2012، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الضوء على العواقب المحتملة غير المقصودة على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، ولا سيما في الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية.
ويرى الخياط أنه بالنظر إلى المشهد العالمي الحالي – الذي يتسم بعدم اليقين الجيوسياسي والمخاطر وتزايد النزعة الحمائية – فإن التوجيهات المستقبلية الواضحة من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في البلدان النامية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا ضرورية للحفاظ على استقرار الأسعار والاستقرار المالي. وللتخفيف من حدة هذه الصدمات الخارجية، ينبغي للأسواق الناشئة في الاقتصادات الناشئة في البلدان النامية تحسين أطر سياساتها لتحقيق التوازن بين جاذبية رأس المال والاستقرار. ويعتبر تعزيز التوجيهات الآجلة، وتحسين ثقة السوق، وضمان دعم السيولة خطوات أساسية نحو النمو المستدام وجذب المزيد من رؤوس الأموال.
بوابة سوريا على العالم
حول أثر التدفقات المالية الجديدة إلى سوق الأوراق المالية في سوريا، قال نائب المدير التنفيذي للسوق، الدكتور سليمان موصلّي إن هناك عدة آثار لذلك أبرزها عامل الثقة والعوامل النفسية التي تشير إلى عودة الحياة للنشاط الاقتصادي في البلاد، حيث صار السوق بوابة سوريا على العالم بسبب وجود مساهمين ومستثمرين أجانب فيه.
كما إن الشركات العائلية أو الشركات المساهمة الخاصة ستبدأ بالتفكير بأن تصبح شركات مساهمة عامة تدخل إلى السوق المالية، وبالتالي يؤدي إلى تحسن في قيم الشركات وإقبال أكبر على المستثمرين عليها، وتحسين قدرتها على تمويل أنشطتها من السوق المالي، عبر الاقتراض بسعر فائدة أقل. هذا كله يتيح للشركات العمل في بيئة صحية تؤمّن من خلالها مصادر تمويل منخفضة التكلفة، وبالتالي تضمن زيادة الأرباح وتحسن الأداء.
من جهته، يرى موصلي أنه من المؤكد أن إعادة افتتاح سوق “دمشق للأوراق المالية”، بعد انقطاع دام ستة أشهر، سيكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد السوري، إذ يكتسب هذا الافتتاح أهمية خاصة لأنه يتزامن مع بدء رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا، الأمر الذي يتوقع أن يُسهم في تسريع وتيرة تعافي السوق المالي.
ويبيّن موصللي أن إعادة تفعيل السوق من شأنها أن تهيئ بيئة قانونية وتنظيمية أكثر جاذبية لتأسيس الشركات المساهمة، ولا سيما في ظل العقبات التي كانت قائمة في فترات سابقة، إذ حرم الاقتصاد السوري من هذا النوع من الشركات نتيجة غياب الشروط المؤسسية، وعلى رأسها وجود سوق أوراق مالية فاعل ومرتبط بالأنظمة المالية الإقليمية والدولية، ويُعد إنعاش السوق خطوة أساسية نحو تمكين الشركات السورية من التوسع إقليميًا، وربما عالميًا، على المدى البعيد.
تعويل على المال الأجنبي
من المرجّح حسب خبراء وتقارير إعلامية أن يشهد سوق “دمشق للأوراق المالية” إقبالًا متزايدًا، إلا أن هناك تحديات تتعلق بمستوى وعي المستثمرين المحليين وثقافتهم فيما يخص أهمية التداول في الأسواق المالية والعوائد المحتملة، لذلك، ويُعوّل بشكل كبير على رأس المال الأجنبي، وكذلك على المستثمرين من أبناء الجالية السورية في الخارج، للمساهمة في تنشيط هذا السوق.
و في الوقت الراهن يصعب تقديم تقديرات دقيقة لحجم الاستثمارات المتوقعة، خاصة على المدى القريب، إلا أن المؤشرات الأولية تعكس مناخًا واعدًا يستدعي العمل على رفع الوعي الاستثماري لدى المواطنين، وتوفير بيئة تنظيمية شفافة وآمنة لضمان استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.