الهوية البصرية الجديدة واجهة رمزية لمشروع وطني متكامل

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – دينا عبد: 

يعد الشعار الجديد للجمهورية العربية السورية الذي تم الكشف عنه رسمياً في 4 يوليو 2025، جزءاً من الهوية البصرية الجديدة التي أُطلقت في عهد الرئيس أحمد الشرع، بعد مرحلة انتقالية أعقبت الإطاحة بالنظام البائد، والشعار الجديد ليس مجرد تغيير بصري، بل يعكس تحولاً سياسياً واجتماعياً عميقاً في سوريا.

أبرز الملامح

وفي هذا الصدد، شرح الخبير في التطوير الإداري وائل الحسن أبرز ملامح الشعار الجديد للجمهورية العربية السورية، حيث أوضح خلال حديثه لصحيفتنا “الحرية” أن العقاب الذهبي بدلاً من النسر يمثل العقاب السوري الذهبي الطائر المركزي في الشعار، وهو رمز للقوة والحكمة والسيادة، وأجنحته منبسطة في وضعية “تأهب واطمئنان”، لا هجومية ولا دفاعية، تعبيراً عن التوازن، وثلاث نجوم تعلو العقاب ترمز إلى تحرر الشعب، وتُجسّد العلاقة الجديدة بين الدولة والمواطن، حيث الشعب هو من يمنح الدولة شرعيتها، و 14 ريشة في الجناحين كل جناح يحتوي على 7 ريشات، تمثل المحافظات السورية الـ14، وكذلك 14 عاماً من الثورة.

خبير في التطوير الإداري: لا تقتصر على الجانب الجمالي بل تحمل دلالات اجتماعية عميقة تعكس تحوّلاً في العلاقة بين الدولة والمجتمع

و5 ريشات في الذيل تمثل المناطق الجغرافية الكبرى “الشمالية، الشرقية، الغربية، الجنوبية، والوسطى”، في تأكيد على وحدة الأرض السورية، أما المخالب المفتوحة فترمز إلى جهوزية القوات المسلحة للدفاع عن السيادة دون تهديد الجيران.

وبحسب الحسن فإن الرسائل الرمزية للشعار ترمز إلى الاستمرارية التاريخية فالعقاب مستوحى من شعار عام 1945، كما يتجلى تمكين الشعب بالنجوم فوق العقاب، لا تحته، ووحدة الأرض فلا مركزية ولا تقسيم، وعقد وطني جديد، فالعلاقة بين الدولة والشعب مبنية على التكامل لا التبعية، مؤكداً أن الشعار الجديد ليس مجرد تغيير بصري، بل يعكس تحولاً سياسياً واجتماعياً عميقاً في سوريا.

وبيّن الحسن أن الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية لا تقتصر على الجانب الرمزي أو الجمالي، بل تحمل دلالات اجتماعية عميقة تعكس تحوّلاً في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتعيد صياغة مفهوم الانتماء الوطني بعد سنوات من الانقسام والمعاناة.

أبرز الدلالات

ووفقاً للحسن فإن من أبرز الدلالات الاجتماعية للشعار هي إعادة بناء العقد الاجتماعي، فالشعار الجديد يضع الشعب في موقع السيادة، من خلال النجوم الثلاث التي تعلو العقاب، في إشارة إلى أن الدولة تستمد شرعيتها من إرادة الناس، لا العكس، وهذه الرمزية تعكس تحولاً من “الدولة المتسلطة” إلى “الدولة الخادمة”، التي تحمي وتخدم مواطنيها، والوحدة المجتمعية والتنوع المتكامل فتوزيع الريش في الجناحين (14 ريشة) والذيل (5 ريشات) يرمز إلى شمول كل المحافظات والمناطق الجغرافية، ما يعزز شعور الانتماء لدى مختلف الفئات والمكونات، علماً أن هذا التصميم يبعث برسالة مفادها أن كل منطقة وكل فرد له مكانه في سوريا الجديدة.

القطيعة مع الماضي القمعي، فالعقاب في وضعية “تأهب واطمئنان” وليس هجوماً، ما يعكس تحول الدولة من أداة قمع إلى كيان حارس للحقوق والحريات، أما المخالب المفتوحة فترمز إلى الجاهزية للدفاع، لا للهيمنة، وهو تحول في فلسفة الدولة تجاه المجتمع.

إعادة تشكيل الوعي الجمعي، فالهوية البصرية الجديدة تُستخدم كأداة لإعادة بناء السردية الوطنية، وتوحيد الرأي العام بعد سنوات من الانقسام، وهي محاولة لخلق شعور مشترك بالانتماء، وخاصة بين الأجيال الجديدة التي نشأت في ظل الحرب والشتات.

رسالة إلى الداخل والخارج

وأكد الحسن أن الهوية البصرية الجديدة ترسل رسائل الى الداخل والخارج ، فداخلياً تؤكد أن سوريا تتغير، وأن هناك نية لبناء دولة حديثة قائمة على التعددية والعدالة الاجتماعية، أما خارجياً فهي تعيد تقديم سوريا كدولة قابلة للشراكة والانفتاح، لا ككيان مغلق أو أيديولوجي.

مضيفاً: السردية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية لا تُفهم بمعزل عن التحولات المعيشية والخدمية والاقتصادية الجارية على الأرض، بل إن الهوية البصرية تُستخدم كأداة رمزية لتأطير هذه التحولات ضمن مشروع وطني شامل، يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، فمن الشعار إلى الشارع: تكامل الرمزية والتنفيذ.

وتابع الحسن تم إطلاق برامج لإعادة تأهيل البنية التحتية في المدن والقرى، بما يشمل الكهرباء والمياه والنقل وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوسيع نطاق الدعم الاجتماعي للفئات الهشة، وتم رفع الرواتب بنسبة 400% مع ضبط آليات الاستفادة لضمان العدالة، و الاقتصاد كرافعة للهوية الجديدة وإطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة لدعم الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل للشباب، كما تم اعتماد إصلاحات ضريبية وهيكلية تهدف إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وبناء اقتصاد إنتاجي مستدام، كما أن إعادة الإعمار ستُدار بشفافية، مع إشراك المجتمع المدني في الرقابة.

الدلالة الاجتماعية العميقة

ونوه الحسن بأن الهوية البصرية ليست مجرد “تجميل مؤسسي”، بل تأطير رمزي لتحول اجتماعي شامل فحين يرى المواطن شعار الدولة على وثيقة رسمية أو مبنى عام، يُفترض أن يشعر بأن هذه الدولة تمثّله وتحميه وتخدمه، هذا الشعور لا يُبنى بالشعارات فقط، بل بالماء النظيف، والدواء المتوافر، والراتب الكافي، والعدالة الاجتماعية.

واعتبر الحسن أن الهوية البصرية الجديدة تُشكّل “الواجهة الرمزية” لمشروع وطني متكامل، يُعيد بناء الدولة من الأساس، وهي لا تكتمل إلا إذا رافقتها خطوات ملموسة في حياة الناس اليومية، فالشعار وحده لا يُقنع، لكن حين يُرفق بخبزٍ أرخص، ودواءٍ متوفر، ومدرسةٍ نظيفة، يصبح رمزاً حياً لدولة جديدة، مضيفاً: والرموز هي مفاتيح لفهم الذات الجماعية، وتؤثر بعمق في تشكيل الثقافة المحلية من خلال عدة مستويات منها بناء الهوية والانتماء و تشكيل الوعي الجمعي والذاكرة الثقافية، فالرموز تختصر سرديات طويلة في صورة واحدة: “النخلة قد ترمز للكرم، أو السيف للشجاعة”، وهذا التلخيص البصري يُسهم في نقل القيم من جيل إلى جيل دون الحاجة إلى شرح مطوّل.

وكذلك التعبير عن التنوع داخل الوحدة في المجتمعات المتعددة، تُستخدم الرموز لتجسيد التعدد الثقافي ضمن إطار وطني موحّد، مثلاً، الزخارف الشعبية أو الوشم التقليدي قد تحمل رموزاً خاصة بكل منطقة، لكنها تُدمج في هوية بصرية وطنية واحدة،

وهي أداة للتواصل الثقافي داخلياً وخارجياً.

وأكد الحسن أن الرموز تُستخدم في الدبلوماسية الثقافية لتقديم صورة عن المجتمع، مثل الأزياء التقليدية أو العمارة الرمزية، وخارجياً تُصبح الرموز لغة غير لفظية تُعرّف العالم على ثقافة معينة، وتصبح محفّزاً للتغيير أو المقاومة في فترات التحول السياسي أو الاجتماعي، تُعاد صياغة الرموز لتواكب المرحلة الجديدة، كما حدث في سوريا مؤخراً، وقد تُستخدم الرموز أيضاً كأدوات مقاومة، مثل الشعارات الثورية أو الجداريات، علماً أن الرموز ليست زينة ثقافية، بل بُنى ذهنية واجتماعية تؤثر في كيفية فهم الناس لأنفسهم ولمجتمعهم، وهي لغة صامتة لكنها فعّالة، تُشكّل الوجدان وتُعيد تشكيله باستمرار.

Leave a Comment
آخر الأخبار