نيرانٌ تحرق الأساطير: مأوى الفلكلور والأدب والرموز العتيقة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- حنان علي:

لم تعد “كائنات من السنْدِيان تُطيلُ الوقوفَ على التلّ”، فالأرض اليوم تنزف حكاياتها، والغابات تشتعل بذكرياتها، فيما تعبث نيرانٌ بجغرافيا الأمكنة. رمادٌ يكتم صرخات الأغصان وفاجعة تلتهم البراري. أي مأساة تعصف بذلك العملاق الأخضر، أيّ يدٍ تصفع الغابات الجدات، وتقتل الأمهات الأوليات سليلات القوة والحكمة؟

تلك الأركانِ المقدَّسة، مآوي الآلهة ورموزِ الخصبِ والحماية؛ كمْ مِن فجيعةٍ تعتصرُنا ونحن نشهدُ احتراق قاماتِ البلوط والغار والسنديان ، بطلات الأساطيرِ والحكاياتِ القديمة، رموز القوة والحمايةِ والاتصالِ بالعوالمِ الروحيةِ في ثقافاتٍ شتَّى!

أساطير وفلكلور

في الديانات الكنعانية القديمة، ارتبطت أشجار البلوط بالإله إيل.. الإله المقيم كما كان يُعتقد، بين أغصان البلوط المتسمة بالقوة والخصوبة والحضور الإلهي.

أما في الميثولوجيا الإسكندنافية، فكانت شجرة البلوط مقدسة للإله ثور، إله الرعد والبرق الذي يبارك، ويحمي أولئك الباحثين عن مأوى تحت أغصانها الظليلة. كذلك ارتبطت شجرة البلوط في الأساطير اليونانية بزيوس، ملك الآلهة، وقيل إن أوراكل دودونا (وسيط الوحي)، قاطن في غابات البلوط، أما حفيف أوراقها فليس سوى نقلٍ لرسائل الآلهة.

ما زالت لشجرة البلوط أهمية كبيرة في الأساطيرالسلتية وارتباط وثيق بإله الرعد تارانيس. فقد اعتقد السلتيون أن أشجار البلوط بوابات للعالم الآخر، عالم الجنيّات والأرواح.. ونرى الاحترام الكبير الذي يوليه للبلوط الكهنة السلتيك القدامى بوصفها أشجاراً مقدسة ذات قوى صوفية.. إذ كان الدرويد يؤدون احتفالاتهم الدينية وطقوسهم في غابات البلوط، معتبرين إياها مساحات مقدسة.

وبالوصول إلى الفولكلور الإنكليزي، لا ننسى الخارج على القانون الأسطوري روبن هود الذي اختبأ في غابة شيروود الشهيرة، والتي صورت أشجار البلوط فيها كأوصياء وحلفاء لـ (روبن هود) مع رجال (ميري).

الأدغال في الأدب

وفي بحار الأدب ما لبثت شجرة البلوط موضع إعجاب وإلهام للكتّاب والشعراء عبر التاريخ، وعلى الرغم من أنها قد لا تكون دائماً محور التركيز الرئيس للروايات الأدبية، فإنها على الأغلب تظهر كعناصر أو أدوات رمزية تضيف العمق والمعنى للقصص التي لعبت فيها تلك الأشجار أدواراً مهمة: ففي الرواية الكلاسيكية (لا تقتل عصفوراً ساخراً)، ترمز شجرة البلوط إلى البراءة والحماية التي يوفرها (بو رادلي لسكوت وجيم) لتمسي مكاناً للجوء وأماناً للأطفال طوال القصة.

أما في “الحديقة السرية”  للكاتبة فرانسيس هودجسون بورنيت: فتعدّ شجرة البلوط في الحديقة عنصراً مركزياً في القصة، إذ تمثّل تحول الشخصيات ونموها عندما يكتشفون قوة الطبيعة العلاجية.

كما تدور أحداث رواية شجرة البلوط  رسكين بوند) الكاتب الهندي الشهير حول حياة وتجارب شجرة بلوط من منظور الشجرة ، إذ تستكشف الرواية موضوعات الطبيعة والعلاقات الإنسانية ومرور الوقت.

وفي الشعر أيضاً كانت لأشجار القوة والحكمة حصة كبيرة نذكر هنا قصيدة (البلوط) للشاعر الإنجليزي  ألفريد لورد تينيسون) 1842 عن الفناء البشري عبر استعارة لشجرة البلوط الجبارة، منذ ولادتها حتى موته في نهاية المطاف، أورد في مقدمتها:

عش حياتك

من المهد إلى اللحد

مثل شجرة بلوط.

وفي نبرة عتابٍ لحبيبته قال الشاعر والروائي البريطاني ألفريد أوستن :

البلوط بروحه الوقادة

ملك الغابة

سيّد الأشجار،

لم يحمل بين جوانحه ورقةً كاذبة

أو قلباً قاسياً،

مثل قلبك.

القوة والجمال الدائم لشجرة البلوط و السنديان وقدرتها على التحمل وأهميتها الرمزية كمصدر للإلهام والمأوى، كلها ذكرها محمود درويش في قصيدته (هدنة مع المغول أمام غابة السنديان:

كائنات من السنْدِيان تُطيلُ الوقوفَ على التلّ ..

قَدْ يصعَدُ العُشْبُ من خبزنا نحوها إِنْ تركنا المكان،

وَقَدْ يهبط اللازوردُ السماويُّ منها إِلى الظلِّ فوق الحصونْ

مَنْ سيملأ فُخُارنا بعدنا؟

وأختم جولتي مع أبيات للشاعرة اليونانية سافو:

ودونما إنذارْ

مثل عصفِ الريحِ في البلوطِ عند الضُّحى

الحبُّ بقلبي رنّحا.

Leave a Comment
آخر الأخبار