الحرية – محمد فرحة:
كلَّنا كان يدرك أنه لا يمكن أن يمر الصيف بلا حرائق، فهي العادة.. لكن لم تكن بهذا الحجم الكارثي المخيف الذي حوّل مواقع في هذه الغابات لم تطأها قدم.. غابات بكر تتحول إلى صحراء قاحلة وجرداء خالية من كل شيء سوى رماد ما تم حرقه، وبعض الأشجار الواقفة وهي ميتة..
فهل نضع في هذه المواقع شاخصات كُتب عليها الحاقدون على الطبيعة مروا من هنا؟
فعلى مدار أربعة أيام ولا يزال متاحاً ومتوقعاً تجدُّد الحرائق ممكناً فأي ذنب اقترفته الطبيعة حتى ينال منها من أشعل هذه الغابات، كنا دوماً نشير إلى أن بعض هذه الحرائق لم تكن مقصودة بل وقعت سهواً، وهذا يحدث في كل مكان في غابات العالم حتى في غابات الأمازون وبالأمس القريب كانت في تركيا، أي الحرائق ..
لكن حرائق الأمس هي حرائق لم تشهد مثلها سوريا منذ ربع قرن، طبعاً لا ننفي حدوث حرائق السنتين الماضيتين أبداً، لكن لم تكن بهذا الحجم والضخامة والاستمرار لعدة أيام ساهم في إخمادها الآلاف من الدفاع المدني وحماية الغابات والحوامات، وتدخلت تركيا والمملكة الأردنية للمؤازرة، فكان ما كان من نكسة بل نكبة الغابات..
لكن السؤال المطروح الآن في خضم الحديث عن الحرائق وما تناولته الصحافة العربية ولعلَّ المتتبع للشأن العام قد لحظ ذلك، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي يطرح السؤال نفسه هل يمكن ترميم هذه المواقع الجبلية؟ أم نتركها لترمم نفسها بنفسها؟
إن كان الافتراض الأول وهذا قد يكون مستبعداً لصعوبة ذلك حيث صعوبة وصول الآليات إلى قمم ووديان وسفوح العديد من هذه المواقع كوادي جهنم وغيره ..
حتى وإن تم غرس بعض المواقع فهي تحتاج إلى الرعاية الكافية من سقاية واهتمام خلال السنة الأولى في أضعف الأحوال، في حين احتمال أن ترمم نفسها وبخاصة السنديان والبلوط والشجيرات الأخرى..
غير إن كل هذا وذاك يحتاج إلى سنوات وسنوات، لتعود كما كانت وقد هجرتها كل الكائنات الحية من طيور وزواحف وحيوانات فهي لم تعد مأوىً وموطناً آمناً لها مادامت أمست مكشوفة وغير ملائمة للتخفي مع عدم وجود الموائل..
وكي لا نذهب بعيداً عن بيت القصيد نتساءل كم كانت تكلفة هذه الحرائق باهظة ومجهدة، ستكون تكلفة تصحرها وتشويهها أهم وأخطر من أي تكلفة مادية..
اليوم يتداول المتصفحون على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنات ومفارقات بين غابات الأمس الباسقة الجميلة والساحرة، وبين هي بعد اليوم والكل متأسف حزين.
المعنيون أعلنوا عن تقديرات أولوية عن حجم المساحات التي طالها الحريق بأنها بحدود خمسة آلاف هكتار، هذا التصريح كان بعد يومين من نشوب الحريق، لكنه استمر ليومين آخرين، فإذا جمعنا التقديرين فقد تتعدى المساحة السبعة آلاف هكتار، من أشجار الحراج الطبيعي والاصطناعي كالصنوبريات..
نختم لنشير إلى أن ما حدث للغابات هذا العام هو كارثة يمكن أن نطلق عليها نكبة الغابات الجهنمية ستزيد من الانحباس الحراري والجفاف وقسوة الطبيعة وفقدان مكوناتها الأيكولوجية..
وبيقى السؤال الكبير: هل تتوقف الحرائق عند هذا الحد، وهل انتهى مسلسل عرضها؟ ان كان الجواب بنعم فهو ما نأمله ونرجوه ومنى قلب كل مواطن ليس في سوريا فحسب وإنما منظر حرائق الغابات مؤثر في النفس ومحزن أينما حدث ووقع، أما إن تبعه حريق آخر وآخر فهذا يعني لم يبقَ لدينا غابات بل صحراء قاحلة جرداء وهذا ما لا نتمناه.