الحرية – أمين سليم الدريوسي:
في مشهد يدمي القلوب، تحولت جبال كسب في محافظة اللاذقية إلى ساحة حرب مع الطبيعة، حيث التهمت النيران غاباتها الخضراء، وأشعلت شرارة أزمة بيئية وإنسانية تتجاوز حدود الحرائق العادية.
في اللاذقية، حيث تعانق جبال كسب السماء، وتزين الأشجار الخضراء السفوح، اشتعلت النيران، فاجتاحت ألسنة اللهب “الأخضر واليابس”، والتهمت غابات عتيقة، عمرها آلاف السنين.
منذ أيام والعالم يتابع بقلق، بينما تتصاعد أعمدة الدخان، لتُخيّم على سماء سوريا بأكملها، مُعلنةً عن مأساة بيئية وإنسانية تتكشف فصولها تباعاً، هذه ليست مجرد حرائق، بل هي صرخة ألم من قلب الطبيعة، ونداء استغاثة من أرض الأجداد.
لم تكن هذه الحرائق مجرد حريق عابر، بل كانت زحفاً شرساً، اجتاح غابات كسب، تلك الرئة الخضراء التي لطالما تغنّت بها سوريا عامة واللاذقية بشكل خاص. التهمت النيران أشجار الأرز والصنوبر والشيح، وغيرها من الأشجار المعمرة، التي كانت شاهدة على عصور وحضارات، هذه الأشجار التي كانت ملاذاً للطيور والحيوانات، تحولت إلى رماد، تاركةً خلفها حزناً عميقاً في قلوب السوريين.
في مواجهة هذه الكارثة، لم تهدأ جهود فرق الإطفاء، التي عملت ليل نهار، في محاولة يائسة للسيطرة على النيران، تحت قيادة وزير الطوارئ رائد الصالح، ومحافظ اللاذقية، انطلقت الفرق في مهمة بطولية، مدعومة بالطيران الحربي في الجيش العربي السوري، والطيران التركي، وحتى بمساعدة من الجانب الأردني، في صورة تضامن إقليمي تعكس الأمل في مواجهة هذا التحدي، حيث يخاطر رجال الإطفاء بحياتهم لمواجهة ألسنة اللهب بشجاعة، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما يقف إلى جانبهم الطيران السوري، ليمد يد العون من السماء، من خلال إلقاء المياه والمواد الكيميائية، في محاولة لإخماد النيران، فيما تأتي من الأردن وتركيا رسالات أمل للتضامن، إذ أرسلت كل منهما طائرات ومعدات للمساعدة في إخماد الحرائق، ما عكس روح التعاون الإقليمي في مواجهة الكوارث.
حتى الحيوانات لم تسلم من ألسنة اللهب.. هربت الطيور من أعشاشها، وفرّت الحيوانات البرية في حالة من الذعر، خسائر فادحة في التنوع البيولوجي، إضافة إلى الأضرار البيئية الجسيمة، التي ستترك بصماتها على المنطقة لسنوات قادمة.
في ظل هذه المأساة، تتصاعد الدعوات لتقديم الدعم والمساعدة للمتضررين، فيما يطرح السؤال الأهم: ما هي أسباب هذه الحرائق؟ وهل يمكن تفاديها في المستقبل؟ وما هي خطط إعادة تأهيل الغابات المتضررة؟
حرائق الغابات في جبال كسب في اللاذقية ليست مجرد كارثة طبيعية، بل هي جرس إنذار يدق ناقوس الخطر، إنها دعوة إلى التفكير في العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وإلى ضرورة حماية البيئة، وضمان مستقبل مستدام، إذا يجب أن نتعلم من هذه المأساة، وأن نعمل معاً، من أجل إعادة بناء ما دمرته النيران، ومن أجل مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.